الذئاب المنفردة في أوروبا.. تبقى خارج قدرات أجهزة الاستخبارات

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

رغم خسارة تنظيم داعش لمعاقله في العراق وسوريا إلا أنه ما زال يشكل تهديدًا إقليميًّا ودوليًّا، وما زال “داعش” يمثل قلقا لدول أوروبا، رغم حالة التأهب التي تعيشها منذ عام 2015 وحتى الآن.

وبات معروفا أن تنظيم داعش يضع أوروبا نصب عينه لأسباب تعبوية ودعائية من أجل العودة من جديد إلى “المشهد الجهادي”، هنا يمكن القول: إن الذئاب المنفردة تبقى تحديًا كبيرًا لأجهزة الاستخبارات الأوروبية، رغم ما تتخذه من إجراءات وسياسات ناجحة في مكافحة الإرهاب.

وتقوم عمليات الذئاب المنفرد عادة على مبدأ التمويل الذاتي المحدود واستخدام المواد التي تستعمل في صناعة المتفجرات والتي يمكن الحصول عليها من الأسواق دون إثارة أيّ نوع من الريبة.

“الذئاب المنفردة”
“الذئب المنفرد” يعني: قيام شخص ليس بالضرورة منضما إلى التنظيمات المتطرفة، أي أنه لا يخضع إلى تنظيم هرمي يتلقى منه التعليمات للقيام بعمليات إرهابية، بالتخطيط لعمليات إرهابية وتنفيذها ضمن إمكانياته الذاتية.. وغالبا ما ينتمي هؤلاء المتطرفون إلى فئة الشخصيات السوية الاعتيادية التي لا تثير الشّكوك حول سلوكها وحركتها اليومية.

ووفق هذا الطارئ التكتيكي، تتحول العمليات الإرهابية من عمليات واسعة تنفّذها تنظيمات ومجموعات منظمة إلى عمليات فردية ينفذها أفراد، ويمكن أن تتنزل هذه العمليات في إطار بحث المنظمات الإرهابية عن حلول لمواجهة مشكلة التمويل والنقص في القيادات الميدانية من الجيل الأول للقاعدة، الذين تقدّم بهم السن وخرجوا من الخدمة.

كما أنّ هؤلاء العناصر ليس من الضرورة أن يترددوا على المساجد، أو يكون مظهرهم “إسلاموي متطرف” ، مع إجادة التعامل مع وسائل الاتصال والتكنولوجيات الحديثة، حيث إنّ المعلومات التي توفرها لهم شبكة الإنترنت، حول كيفية التحول من مواطن عادي إلى جهادي مفخخ، تعتبر مادة قيّمة من وجهة نظر القاعدة والجهاديّين.

لقد تراجع مؤشر الإرهاب كثيرًا خلال عام  2018 و2019، ونجحت أجهزة الاستخبارات الأوروبية -إلى حدا ما- في نزع عنصر المبادرة من تنظيم داعش والجماعات المتطرفة، من خلال اعتماد استراتيجية شنّ عمليات استباقية، وقائية ضد خلايا تنظيم داعش، وأعلنت الاستخبارات الأوروبية أنها نجحت في تفكيك خلايا داعش، بجهد استباقي قبل وقوع تلك العمليات.

وتركزت العمليات الإرهابية في أوروبا خلال عام 2018 و2019 على عمليات الطعن، وانخفضت العمليات الإرهابية في أوروبا خلال العامين المنصرمين، بسبب اتخاذ دول أوروبا لإجراءات وقائية بتعزيز أمن بعض الأماكن العامة والمؤسسات.

أوروبا: الإرهاب ناتج محلي

كشفت بعض الدراسات المعنية بالهجمات الإرهابية: أن 56 من منفذي هذه العمليات كانوا من مواطني البلد الذي تعرض لهذه العمليات الإرهابية، أي ما يشكل 73% من مجموع المنفذين، ويضاف إلى هؤلاء نسبة 14% ممن يتمتعون بإقامة دائمة في البلد الذي نُفّذت فيه العمليات، أو وفدوا من بلد مجاور، وإن 8%  فقط منهم تلقوا أوامر مباشرة من “داعش” أو من تنظيم إرهابي آخر لتنفيذ هذه العمليات، أما النسبة الأكبر، أي 92%، فكانوا من ذوي صلة غامضة بالتنظيم أو غير ذلك.

حذرت أجهزة الاستخبارات الأوروبية من الدعاية للجماعات المتطرفة من أجل استقطاب الشباب وتجنيدهم، عبر الإنترنت أو عبر بعض المساجد والجمعيات التي تدعو إلى التطرف وتتخذ الإسلام غطاء لأنشطتها.

الاستخبارات الأوروبية تركز دومًا على مواجهة الفكر المتطرف باعتباره الأساس الذي تبرز به هذه الجماعات أعمالها، ويمثل المتطرفون العائدون من مناطق القتال في سوريا والعراق تهديدًا أمنيًّا للدول الأوروبية  لتظل تلك القضية هي الأولى على قائمة أجهزة الأمن الأوروبية.

يقول جوناثان أدلمان -أستاذ القانون بجامعة دنفر جوزيف كوربل للدراسات الدولية- إنه وفقًا لشهادات العائدين من مناطق الصراع بين صفوف داعش، فإن التنظيم يطلب من المنضمين حديثًا بتسليم حساباتهم على مواقع التواصل تويتر أو فيسبوك إلى التنظيم الذي يعطيها إلى مختصين بالمواقع الإلكترونية يعملون بداخله، وثاني الطلبات تصوير مقاطع فيديو لدفع الشبان إلى الانضمام لتنظيم داعش، وإطلاق حملة جمع تبرعات مالية، وتعد هذه الطلبات مؤشرًا يوضح كيف تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورًا رئيسيًّا في تفكير التنظيم.

الخلاصة
نجحت أجهزة الاستخبارات الأوروبية في ضبط وتفكيك خلايا إرهابية على أراضيها، وإحباط العديد من العمليات الإرهابية التي كان من المقرر تنفيذها، وأسفرت الجهود التي قامت بها الأجهزة الأمنية والقضائية، عن الحد من وقوع عمليات إرهابية نسبيًّا.

شهدت أوروبا خلال عام 2018 العديد من العمليات الإرهابية، انحصرت بين الطعن والدهس، وهي عمليات محدودة، تعطي مؤشرًا على أن هذا التنظيم -تحديدا تنظيم داعش- تراجع كثيرا في أوروبا.

أجهزة الاستخبارات الأوروبية، وأبرزها الألمانية والفرنسية، ذكرت أنه رغم الجهود التي تبذلها أجهزة الاستخبارات، إلا أن هناك تناميا محليا للجماعات المتطرفة، “السلفية الجهادية”.

إن عدم وقوع عمليات إرهابية داخل أوروبا، لا يعني تراجعا في حجم هذه الجماعات محليًّا، بقدر ما هو تراجع في قدرة وإمكانية التنظيمات المتطرفة أو الأشخاص الذين يميلون إلى التطرف، وما يدعم هذه الفكرة، أنهم  من مواطني دول أوروبا أو حملة جنسيتها، ما زالوا يعيشون فيها ولم يغادرونها.

وهذا يعني أن التنظيمات المتطرفة، تراقب ما يجري في أوروبا، وتستغل الفرصة لتنفيذ أي عملية إرهابية، وإن كانت محدودة، وإن حصل ذلك فهذا يعني أن الجماعات المتطرفة نجحت في كسر “حاجز الأمن” الذي تعتمده أوروبا منذ سنوات.

ما تحتاجه دول أوروبا، هو الاستمرار في اعتماد إجراءاتها بفرض رقابة على الجماعات المتطرفة محليًّا، ومتابعة العناصر الخطرة، التي يمكن أن تنفذ أعمالا إرهابية، تخضعها للمراقبة على مدار الساعة، وتعزيز سياساتها بمنع الدعاية المتطرفة على الإنترنت، وكذلك في بعض المراكز التي تدعو إلى التطرف أو المتورطة في تقديم الدعم اللوجستي للتنظيمات المتطرفة، لكن رغم ذلك لا يوجد أمن مطلق، وتبقى عمليات الذئاب المنفردة خارج حسابات وتوقعات أجهزة الاستخبارات.

ربما يعجبك أيضا