“الروهنجيا” تفتح عيون العالم على أصحاب الحقوق “المنسية”

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

واقع مرير وجرائم مأساوية يعيشها مسلمي الروهنجيا في بورما، واقع مرير كان لابد من خلاله تسليط الضوء على الانتهاكات والاضطهادات التي تمارس في العديد من دول العالم على الأقليات المسلمة منذ أمدٍ بعيد.

تعاني الأقليات المسلمة -التي تتركز في الغالب بدول جنوب وشرق آسيا- من التهميش والاضطهاد، والمطالبة أحيانًا بالتدخل الخارجي أو الانفصال لحل أزماتها، وما يتتبعها من ظهور حركات انفصالية تستخدم بعضها المُقاومة السلمية، بينما يلجأ البعض الآخر إلى سلاح المقاومة بالأشكال العنيفة.

وبعد الأحداث الأخيرة التي جرت ضد المسلمين خاصة في ميانمار، صنف تقرير لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الصادر عام 2017، ميانمار على رأس القائمة الحمراء للدول التي تشهد أبشع انتهاكات دينية بشكل منتظم ومستمر، ولكن يبقى السؤال ماذا عن الأماكن الحالية الأخرى التي يمارس فيها هذا النوع من الاضطهاد الطائفي؟

أقليات مسلمة بين التهميش والاضطهاد
مع المذابح التي تعرض لها مسلمو بورما مؤخرًا، خرج الأسبوع الماضي متظاهرون في إندونيسيا وماليزيا وباكستان والشيشان، في الشوارع اعتراضًا على المعاملة المأساوية التي يتعرض لها الروهينجا، وكذلك القمع الذي يتعرض له الكثير من المسلمين في دول أخرى منذ وقت طويل.

ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة الأخير، توجد 6 دول رئيسية يتعرض فيها المسلمون للاضطهاد في العالم وهي: بورما، الصين، أوزباكستان، إفريقيا الوسطى، طاجاكستان، تايلاند، تلك الدول التي يتم فيها قمع المسلمين بجميع أطيافهم ومذاهبهم لمجرد كونهم مسلمين.

الروهنجيا

لم يسلم مسلمو بورما وبخاصة في منطقة أراكان من الاضطهاد الديني والعدوان الطائفي الذى يُعتبر أكثر حدة من غيره, فوفقًا للأمم المتحدة يشكل الروهنجيا -في بورما- الفئةَ الأكثر اضطهادًا في العالم، ويقدر تعدادهم على الأكثر بـ 800000 فرد في بلد يبلغ سكانه 51 مليون نسمة أغلبهم من البوذيين (89.3% من السكان).

ومنذ عام 1982، صدر قرار بسحب المواطنة البورمية منهم، وبعد أكثر من 30 عامًا من أعمال الابتزاز المصحوبة بتزايد مطرد في العنف، لاسيما في 2012، رصدت الأمم المتحدة في نهاية أغسطس 2017 حالات تصل إلى 400 قتيل على الأقل في أسبوع واحد خلال عمليات العنف الأخيرة.

ووفقا لتقديرات المفوض السامي لشؤون اللاجئين، فإن ثمة 123000 لاجئ روهينجي قد وصلوا إلى بنجلادش منذ اندلاع أعمال العنف خلال الشهر الماضي، وتعود أبرز أسباب عمليات العنف تلك إلى المخزون الكبير لموارد البترول والغاز في دولة راخين، حيث يعيش الروهنجيا، بالإضافة إلى مهاجمة عرقهم الأصلي، العرق البنغالي، فهناك مسلمون من إثنيات أخرى يعيشون في بورما دون أن يتعرضوا بالضرورة للمضايقات.

الأويجور
الأويجور هي فئة مسلمة ناطقة باللغة التركية، وتعيش هذه الفئة في منطقة شينجيانج -شمال شرقي الصين- حيث يسكن هذه المنطقة المستقلة ذاتيًا نحو 9 ملايين من الأويجور، وتفرض عليهم السلطات تدابير مشددة، إذ يعتبرون مذنبين إذا قاموا بنشاطات دينية غير قانونية، ومنها الصلاة أو امتلاك مواد دينية، كالقرآن والكتب الدينية.

وقد شهدت الأعوام 1990-2000 العديد من الحركات الاحتجاجية في شينجيانغ، حيث  كانت هذه السنوات مصحوبة بدعوات للنهضة الإسلامية، والهوية الأويجورية.

وقامت السلطات الصينية في يوليو 2016، بفرض تدبير جديد أضيف إلى قانون “مكافحة الإرهاب”، الذي يحتوي على تعريفات غامضة للتطرف الديني والإرهاب، وتستخدمه الحكومة بشكل روتيني لاستهداف حريات الأويجور وتعبيرهم السلمي عن الدين.

وبحسب تقرير اللجنة الأمريكية، تستمر الحكومة الصينية في قمع مسلمي الأويجور تحت عنوان ما تسميه مكافحة التطرف الديني العنيف إلى الآن.

جنوب تايلاند

يعيش في تايلاند نسبة من المسلمين تمثل حوالي من 5 إلى 6% من سكان البلاد، ويتكون ثلثا هذه الفئة من مسلمي الأصل المالاوي، دائما ما يرتكزون في بلد ذي تراث بوذي قريبًا من الحدود الماليزية.

ومنذ تطبيق سياسة الاستيعاب في الستينيات، ومنذ عام 2004 اشتدت النزعات الانفصالية، حيث تعيش قرى للصيادين تحت تهديد المذابح، بالإضافة إلى أن عمليات القمع تقف دومًا أمام أي تمردٍ للمجموعات المنشقة التي تصفها السلطة المركزية بالإرهابية، وتقدرضحايا هذا النزاع حتى اليوم بالآلاف.

ويواجه مسلمو تايلاند العديد من أشكال الاضطهاد منها القبض العشوائي على كل من يبدي ميولًا إسلامية مثل إطلاق اللحى, أو لبس الملابس البيضاء, أو ارتداء الحجاب، أو بناء المساجد أو الحج, وتغيير أسماء المسلمين, وتغير أسماء القرى, والولايات, وإضعاف اقتصاديات المناطق المسلمة ومحاربة التعليم الإسلامي, وتهجير الحكومة للبوذيين إلى مناطقهم، في محاولة لتغيير التركيبة السكانية لها.

وتعد محاولات القتل الممنهج للأقلية المسلمة في تايلاند ذات تاريخ طويل حيث فوجئ مائة من مسلمي الجنوب أثناء تأديتهم لصلاة الفجر في أحد الأيام بقنبلة تنفجر في المسجد.

وفي حادث واحد، قتل داخل حافلات مغلقة أكثر من 80 مسلمًا، بعد القبض عليهم في مظاهرة احتجاجًا على اعتقال مسؤولين محليين بدعوى دعم الجماعات المسلحة في المنطقة.

ومن جانبها اتهمت منظمة العفو الدولية الجيش التايلاندي بانتهاج سياسة “الاختفاء القسري” بحق المسلمين في الولايات الجنوبية؛ بهدف إضعاف الجماعات المسلحة، ونشر الخوف بين أفراد الأقلية المسلمة.

أفريقيا الوسطى
يمثل المسلمون في هذا البلد نسبة 10% من تعداد السكان وفقًا لآخر إحصاء في العام 2003.

وقد بدأت الأزمة خلال انقلاب 2013، حينما تحالفت أربع ميليشيات مسلمة “سيليكا” لإسقاط الحكومة، وتمكنت من خلع الرئيس فرانسوا بوزيزي، ثم أعلنت قائد السيليكا، مايكل دجوتوديا رئيسًا للبلاد، في ظل إدانات دولية، وفي شهر يونيو من نفس العام تمكن “بوزيزي” ودائرته الخاصة والجيش المنحل من تجنيد ميليشيات مضادة مسيحية “أنتي بالاكا”، لتندلع أعمال القتال بين الطرفين، وتتصاعد بشكل مأساوي، حينما هاجمت القوات المسيحية ضواحي المسلمين في العاصمة بانجي، لتنزلق الحرب نحو استهداف المدنيين على أساس الهوية الدينية.

وفي مارس من عام 2015 ذكرت اللجنة الإسلامية بأفريقيا الوسطى بأن هناك 113 مسجدًا قد دمر –من أصل 377 مسجدًا في جميع أنحاء البلاد- خلال عامين من الصراعات والتوترات.

ووَفقًا لتقرير 2017 التابع للجنة الأمريكية حول الحرية الدينية في العالم، خلال تناوله لحالة إفريقيا الوسطى، لا يزال السكان المسلمون متواجدين بشكل غير متكافئ في الجزء الغربي للبلاد، ولا يستطيعون ممارسة دينهم بحرية.

أوزباكستان وطاجاكستان
أما عن هذين البلدين اللذين يحملان الطابع والتراث الإسلامي، فرغم الإبادة السوفيتية لرجال الدين، بالإضافة لعمليات القمع والاضطهاد، يظل الإسلام من أبرز الديانات هناك لأنه دين يحظى بالغالبية العظمى.

ففي أوزباكستان سجنت الحكومة العام الماضي المئات من المسلمين الذين لا يمتثلون للممارسات الدينية المقررة رسميّا، والذين تم اعتبارهم “متطرفين”، كما تم استخدام قانون “مكافحة الإرهاب” من أجل اضطهاد أسر بأكملها من الأوزبك وإبقاء السكان في دائرة من الخوف.

أما بالنسبة للمسلمين الذين يودون أداء الحج في مكةَ، فقد تمّ إعطاء تصريحٍ بـ5080 طلبًا من بين 28000 طلب فقط، كما يقدر عدد المسلمين المُدانين بعقوبات سجن طويلة الأمد بعشرة آلاف، بتهمة محاولة إقامة نظام ثيوقراطي.

وفي طاجاكستان يمثل المسلمون فيها 95% من عدد السكان، وعقب السياسة السوفيتية المتمثلة في الإبادة الجماعية لرجال الدين الإسلامي، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي، يُمارس الإسلام بشكل أكبر اليوم من قبل الشباب، في النطاق الخاص.

وقد كشف تقرير اللجنة الأمريكية حول الحرية الدينية للعام 2017 أن الحكومة هناك لم تعد تسمح بأنشطة دينية خارجة عن سيطرة الدولة، لاسيما الأنشطة الخاصة بالمسلمين، والبروتستانت.

ويستمر مستقبل الأقليات المسلمة في هذه المناطق -على المدى القريب- على حاله، حيث إن الحكومات القائمة لم ولن تتخذ أي سياسات من شأنها أن تنقذ أوضاع تلك الأقليات حتى الآن، في الوقت الذي يجب أن تنظر فيه لهذه القضية من منظور كلي أوسع وأعمق.

ربما يعجبك أيضا