“القاهرة للكتاب 2020.. حكاية “سارد المدن” وأفريقيا في قلب مصر

أماني ربيع

أماني ربيع- هدى إسماعيل

منذ نقله إلى أرض المعارض بالتجمع الخامس، خرج معرض القاهرة الدولي للكتاب في إطلالة جديدة أكثر شبابا واتصالا بالحراك الثقافي والمجتمعي، وفي دورته رقم 51 هذا العام، ظهر هذا جليا عبر شعار المهرجان “مصر أفريقيا.. ثقافة التنوع”، الذي يواكب اتجاه الدولة المصرية نحو صحوة في العلاقات مع أفريقيا على كافة المستويات، وتأكيد الهوية الأفريقية لمصر.

وحلت السنغال كضيف شرف للمعرض، وهي الدولة صاحبة الحضارة الرفيعة، والمنجز الثقافي الهام على مستوى أفريقيا والعالم، كما أنها الدولة الثانية بعد السودان في عدد الطلاب الوافدين للدراسة في مصر.

ومن جهة أخرى، جاء اختيار جمال حمدان كشخصية المعرض لهذه الدورة، الذي لم يكن مجرد جغرافيا أو عالما تقليديا، بل رجلا مثقفا واعيا بأحوال مجتمعه، أعطى أبعادا إنسانية للجغرافيا والتاريخ، وحاول بقوة، التأكيد على الهوية المصرية الخاصة التي لا تتبع فيها أحدا، والبحث في أبعادها المختلفة.

كل هذا إلى جانب كفاءة التنظيم، وجودة المكان الذي استوعب أعدادا أكبر من الدول، ودور النشر، حيث تشارك في هذه الدورة 40 دولة من خلال 900 دار نشر يتم عرض أعمالها في 808 جناح، إضافة إلى 41 مكتبة من سور الأزبكية، كما تحتضن 3502 فعالية ثقافية وفنية متنوعة، يتم استضافتها في قاعات مجهزة على أعلى مستوى، ما جعل المكان عرسا ثقافيا حقيقيا، جديرا بدولة في حجم مصر.

أفريقيا في قلب مصر

وإلى جانب الجناح المخصص لها، تشهد أيام المعرض، من الفعاليات التي تدور حول الثقافة والحضارة السنغالية ومفكريها الكبار مثل الحاج أنتا جوب.

وتحدثت وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة إيناس عبدالدايم، عن توقيع برتوكول تعاون ثقافي مع وزارة ثقافة السنغال لتبادل الثقافات، كما كشفت عن توجيه السنغال دعوة لمشاركة مصر كضيف شرف بمعرض السنغال للكتاب عام 2021. 

وقالت عبدالدايم: إن وزارة الثقافة، حرصت على  اقتناء العديد من الكتب السنغالية من جناح السنغال بالمعرض سواء باللغة العربية أو السنغالية.

من جهته، قال أبوبكر أحمد -رئيس اتحاد الطلاب السنغاليين الوافيدين بمصر، والمشرف على جناح السنغال بالمعرض، في تصريحات خاصة لـ”رؤية”- “إن اختيار السنغال كضيف شرف شيء عظيم وفخر كبير لنا، يدل على العلاقة الوطيدة والممتدة بين الدولتين” 

وأوضح أنه رغم كون اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية بالسنغال، إلا أنهم يهتمون باللغة العربية اهتماما غير عادي، وذلك رغبة ومحبة منهم في فهم الإسلام.

وقال أبوبكر: إن الجناح يضم العديد من العناوين الفرنسية والعربية المختلفة التي تتنوع بين الأدب والروايات والثقافة والكتب الصوفية، لمجموعة من أبرز الأدباء والمفكرين بالبلاد منهم: الشيخ إبراهيم إنياس الخليفة محمد انياس، الشيخ أحمد بامبا، الشيخ عمر فوتي تال، وغيرهم.

ولا يقتصر نشاط الحضور السنغالي كضيف شرف على الجناح، فسيتم أيضا، تنظيم مجموعة من الندوات لتعريف المصري والعربي بالأدب والثقافة السنغالية وعادات وتقاليد الشعب السنغالي.

وبجانب السنغال، فأفريقيا كقارة حاضرة في أكثر من فعالية بالمعرض منها ندوة الأمن الأفريقي: حتمية التعاون واستراتيجيات إعادة التعمير والإعمار، التي تشارك فيها الدكتورة جيهان عبدالسلام المدرس بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، ببحث عن “مستقبل التكامل الاقتصادي الأفريقي في إطار منطقة التجارة الحرة القارية”، يوم السبت القادم.

وفي تصريحات خاصة لـ”رؤية”، قالت الدكتورة جيهان: “نجح  المعرض في دورته الحالية في ربط شرق القارة الأفريقية بغربها باختيار السنغال ضيف شرف تلك الدورة، ليفتح بذلك الباب لتوطيد العلاقات الدولية، وخاصة فيما يتعلق بتعميق الهوية الأفريقية واحترام الثقافات وفقا لشعار المؤتمر هذا العام وهو “ثقافة التنوع”.

وأضافت: “وتعتبر أفريقيا الركيزة الأساسية بالمعرض، ليس بوصفها أرضا خصبة للثقافات والحضارات المتنوعة، لكن في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية،  وهي فرصة مناسبة في هذا التوقيت، مع انتهاء رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، ومحاولات تقديم كشف حساب للإنجازات المصرية من أجل مستقبل أفضل لأفريقيا وسعيا نحو تحقيق أهدافها التنموية وفقا لاجندة ٢٠٦٣.

وعن أهم الفعاليات التي يقيمها المعرض على شرف القارة السمراء، قالت: “سيتم تخصيص جلسات للحديث عن التنوع الثقافي في أفريقيا،وطبيعة الخصائص الأساسية المجتمعات الأفريقية، ودور المرأة الأفريقية في المجتمع الأفريقي. كما يسلط الضوء على الجانب التنموي في أفريقيا ممثلا في استراتيجيات التنمية في أفريقيا وسياسات إعادة الأعمار والبناء، فضلا عن التعرض للقضايا السياسية في القارة ومكافحة الإرهاب وسبال دعم الاستقرار السياسى والأمني في القارة.

وتابعت: “ويتم التعرض أيضا للقضايا البيئية والمناخية في القارة  نحو تعزيز دور القارة في خلق مصادر الطاقة النظيفة وحماية بيئتها الطبيعية التي تمثل ثروة اقتصادية هائلة القارة. كذلك القضايا الاجتماعية حيث يتناول المعرض قضية الانفجار السكاني في بعض الدول الأفريقية وانعكاساتها على عملية التنمية في أفريقيا”

“وعلى الجانب الاقتصادي يتعرض المعرض في عدة ندوات لقضايا اقتصادية هامة في القارة على رأسها قضايا التكامل والتنمية الاقتصادية في القارة ودور التكتلات الاقتصادية في تعزيز التكامل.. فضلا عن مزايا إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية وطبيعة الفرص التي تتيحها تلك المنطقة، وكيف ستسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي الأفريقي، كما يتناول أيضا جلسات مخصصة للحديث عن الاقتصاد المعرفي وانعكاساته على اقتصادات الدول الأفريقية في ظل التوجه الدولي نحو التحول الرقمي وتطبيق التكنولوجيا الحديثة في المجالات الاقتصادية المختلفة”

“وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية، يتناول المعرض أيضا طبيعة العلاقات الاقتصادية بين الصين وأفريقيا، وأسباب التنافس الدولي بين اقتصاديات العالم الكبرى نحو الاستثمار في أفريقيا ودعم علاقات الشراكة التجارية”

جمال حمدان.. الحاضر الغائب

“ببساطة إن مصر، أقدم وأعرق دولة في الجغرافيا السياسية للعالم، غير قابلة للقسمة على اثنين أو أكثر، مهما كانت قوة الضغط والحرارة. مصر هي “قدس أقداس” السياسة العالمية والجغرافيا السياسية”.

تحول كتاب “شخصية مصر” للمفكر الراحل جمال حمدان إلى ما يشبه دستورا ثقافيا يعرف به المصريون أنفسهم وبلادهم، ويكتشفون عبر صفحاته جوانب عبقرية مصر كإقليم ووطن، ورغم مرور سنوات طويلة على نشر الكتاب، إلا أنه بأجزائه الأربعة الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب بسعر 140 جنيه، يعد الكتاب الأكثر رواجا بالمعرض، فقد تهافت الشباب على شرائه، بحيث تنفذ نسخه بمجرد طرحها، وأكد مسئولو البيع فى جناح الهيئة بالمعرض الكتاب، أن الموسوعة تنفد يوميا فى نصف ساعة.

 وهو ما يدل على أن الرائج حول ميل الشباب للكتابات السطحية أمر غير صحيح، فالذائقة الشبابية صارت أكثر اتزانا وميلا للمعرفة الحقيقية، وظهر هذا واضحا في الاتجاهات الشرائية التي لم تقتصر فقط على الروايات كما في الدورات السابقة.

كما ذكرنا، تحتفي مصر بشكل دائم بهويتها الأفريقية وبعلاقاتها التاريخية مع الدول الأفريقية المختلفة، وتحاول جاهدة عبر القنوات السياسية والثقافية تأكيد هذه العلاقات وترسيخها، وفي دورة هذا العام من معرض الكتاب، كنا على موعد مع الثقافة السنغالية.

ويعد الأزهر الشريف محوراً رئيسيا في توثيق العلاقات المصرية السنغالية، فالسنغال ثاني أكبر دولة لديها أكبر عدد طلاب يدرسون في الأزهر بعد السودان في أفريقيا ، حيث يصل عددهم إلى نحو 600 طالب سنغالي منهم نحو 30% يحصلون على منح دراسية، وتعتبر مصر الدولة الأولى في منح المنح الدراسية للسنغالين على مستوى الدول العربية والأزهر هو ثاني جامعة بعد جامعة داكار يتخرج فيها الطلاب السنغاليون سنويا.

واحتفاء بسيرة المفكر الراحل، أصدرت الهيئة العامة للكتاب أيضا كتابا مصورا بعنوان “المهنة جغرافي” يروي سيرة حمدان، وأفكاره، والكتاب موجه للأطفال في محاولة للتعريف بشخصية مصرية مؤثرة تمثل قدوة مهمة للصغار.

الكتاب فكرة الكاتب هيثم السيد، التي تقدم بها للهيئة، وبعد الموافقة تعاون على تنفيذه مع الرسام أحمد جعيصة، وهي محاولة من مدرس اللغة الإنجليزية الشاب لتبسيط السير الذاية لكبار الشخصيات المصرية وتقديمها للأطفال.

وبحسب صحيفة الشرق الأوسط، قال هيثم، إن إعداد الكتاب بدأ بجمع المادة العلمية البحتة، ثم مرحلة الكتابة، ثم مرحلة الرسم، وهي الأهم في إخراج الكتاب بهذه الصورة، حيث قام الفنان أحمد جعيصة بدور كبير في عرض القصة بأفضل صورة”.

والكتاب ليس مجرد سرد تقليدي، بل هو حكاية نتعرف فيها على سيرة العالم الراحل عبر خلاف فكري بين أب وطفله، في محاولة أيضا لتقديم حلول مرنة لمشكلات اختلاف أسلوب التفكير بين الأجيال.

وأوضح مؤلف “المهنة جغرافي” أن رسالة الكتاب هي توجيه لأهمية العلم والمعرفة في حماية الأرض والتاريخ.

واستضافت القاعة الرئيسية بالمعرض يوم الإثنين، ندوة بعنوان “جمال حمدان سارد المدن والعواصم”، حاضر فيها المهندس المعماري الجزائري توفيق مزوز، الذي تحدث عن فلسفة البعد الإنساني في قراءة المكان، لدى حمدان.

بينما تحدث أستاذ الجغرافيا الدكتور إسماعيل علي إسماعيل عن استعراض حمدان لمشكلات الكتلة العمرانية الحضرية للقاهرة، من وجهة نظر عالم الجغرافيا، ومن وجهة نظر المفكر الاجتماعي المهموم بقضايا مجتمعه أيضا.

وتناول الدكتور أشرف عبده، أستاذ الجغرافيا البشرية بكلية الآداب جامعة القاهرة، كتاب “جغرافيا المدن” لحمدان، وكيق قام بشرح القاهرة عبر ثالوث “الإقليم- التحليل المكاني – مشهد المدينة من الخارج”، وكيف خرج بفكرة إقامة عاصمة جديدة لمواجهة التضخم الحضري بالقاهرة، عند حدود القاهرة والسويس والإسماعيلية، على بعد 80 كم من البحيرات المرة.

ربما يعجبك أيضا