المشيشي في مهمة “الآفاق المحدودة”.. وقف النزيف أم استشراف إفلاس تونس!

حسام عيد – محلل اقتصادي

تونس تمر بأصعب ظرف منذ أكثر من عقد من الزمن، أي منذ الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي عام 2011، فهذا البلد يعاني من حزمة أزمات سياسية واقتصادية وصحية عدة قد تفضي ما لم تعالج فورًا إلى إفلاس تام.

ويعد الملف الاقتصادي من أكثر الملفات تعقيدًا وتعتبر من تحدٍ كبير لحكومة هشام المشيشي. ومع ذلك، هناك مشروع 104 المتعلق بالتنشيط الاقتصادي الذي قدمه سلفه إلياس الفخفاخ في يوليو الماضي، والهدف منه هو تخفيف العبء على المؤسسات وأيضا التشجيع على الاستثمار.
فهل سيسعى المشيشي إلى تمريره عبر البرلمان؟، وهل سيساهم بالفعل ذلك المشروع في إنقاذ البلاد من الإفلاس؟! هذا ما سنتعرض له بالتحليل والنقد في التقرير التالي.

معضلة الديون والتخلف عن السداد

في منتصف شهر أغسطس الماضي، كانت المؤشرات الاقتصادية التي نشرها المعهد التونسي للإحصاء أكبر دليل على دخول البلاد في نفق مظلم من الانهيار الاقتصادي، ففي الثلث الثاني من السنة الجارية تراجع مستوى نمو الاقتصاد إلى أدنى مستوياته.

ويرى الخبراء أن حكومة المشيشي ستواجه معضلة محبطة للآمال بسبب اختلال التوازنات المالية وارتفاع حجم الدين واقتراب مواعيد التسديد، ففي ما تبقى من السنة الجارية أي أقل من 4 أشهر يترتب على تونس سداد فوائد نحو ثلاثة مليارات دولار أمريكي.

مشروع 104 والتنشيط الاقتصادي

في 24 يوليو من العام الجاري، اعتمد رئيس الوزراء السابق إلياس الفخفاخ مشروع قانون رقم 104 لعام 2020، ويتعلق بتنشيط الاقتصاد وإدماج القطاع الموازي ومقاومة التهرب الجبائي، وتقدم به في 27 من الشهر ذاته إلى البرلمان بغرض النظر فيه.

يتضمن مشروع القانون 31 فصلًا موزعة على ستة محاور هدفها تخفيف العبء الجبائي عن المؤسسات ودفع الاستثمار، وإدماج أنشطة الاقتصاد الموازي والعائدات المالية الناتجة عنه ضمن الدورة الاقتصادية، والحد من التهرب الجبائي ودعم كل أشكال الشفافية المالية والجباية.

كذلك يتضمن مشروع القانون 28 إجراء في شتى الجوانب الاقتصادية والمالية من بينها إجراءات لتخفيف العبء الجبائي عن المؤسسات ودفع الاستثمار واتخاذ إجراءات لإدماج الأنشطة والعملة المتأتية من الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية وأخرى تتعلق بمقاومة التهرب الجبائي ودعم الشفافية، في حين وسيتم إحداث قانون جديد للمراجعة الجبائية تسمى “المراجعة المحدودة”.

ومن شأن هذا القانون في حال إقراره ضخ مبلغ مالي لا يقل عن 1.1 مليار دينار تونسي (نحو 392 مليون دولار) متأتية من الضرائب وهو ما يسهم في استعادة قسط من التوازنات المالية في ظل صعوبات في تمويل المالية العمومية.

5 أولويات لإنقاذ الاقتصاد

وبعد مغادرة الفخفاخ منصبه، جاء الرئيس الجديد للحكومة التونسية هشام المشيشي ليحدد 5 أولويات في برنامج عمل حكومته لإنقاذ الاقتصاد الوطني، معتبراً أن بلاده “تعيش اليوم نزيفًا رغم أنها شهدت ثورة تنادي بتنمية دون تمييز”.

وقال المشيشي، إن حكومته ستعمل على إيقاف نزيف المالية العمومية عبر استعادة الإنتاج، خاصة في قطاعات حيوية مثل الطاقة والفوسفات، وهي قطاعات تواجه احتجاجات اجتماعية متواترة وتعطيلاً للإنتاج منذ سنوات.

وضمن أولوياته، ينوي المشيشي بدء حوار مع المانحين الدوليين ضمن خططه لتعبئة الموارد المالية لدعم موازنة الدولة، إلى جانب مراجعة الإنفاق العام للدولة، ودعم المؤسسات المتضررة من جائحة كورونا، وإصلاح الإدارة وتعزيز نظام العمل عن بعد.

وأوضح رئيس الحكومة المكلّف أن حكومته ستعمل على حماية القدرة الشرائية للمواطنين وإعادة توجيه الدعم لمستحقيه وضرب الاحتكار، وحماية الفئات الهشة حتى انتهاء جائحة كورونا ومقاومة الفقر.

وقال المشيشي، إن الأرقام والمؤشرات لا تبعث على الاطمئنان، وبينها حجم الاقتراض السنوي البالغ نحو 15 مليار دينار تونسي (5.5 مليار دولار أمريكي) وبلوغ مجمل الدين 80 مليار دينار بنهاية السنة الجارية، بينها مبلغ 7.5 مليار دينار يجب سدادها في 2020.

وأوضح المشيشي أنه “من المتوقع أن تبلغ خدمة الدين العمومي في 2021 أكثر من 14 مليار دينار، وهو ضعف النفقات المخصصة للتنمية ما يعني تخلي الدولة عن دورها الأساسي في هذا المجال”.

ولفت إلى تراجع نسب الاستهلاك والادخار وتقلص نسب الاستثمار، وزيادة عدد العاطلين في صفوف حاملي الشهادات العليا، حيث ارتفع معدّل البطالة إلى 18% خاصة في ظل جائحة كورونا التي تضرب العالم في الوقت الراهن.

وحكومة المشيشي المكونة من “كفاءات مستقلة” هي الثالثة منذ بدء العهدة البرلمانية في نوفمبر الماضي. ويتزامن عرضها على نيل الثقة في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة وتوقعات بنسبة انكماش تصل إلى 7% في 2020.

أزمات اقتصادية واجتماعية “خانقة”

وعانت أغلب القطاعات الاقتصادية في تونس في الفترة الأخيرة تعطلًا، حيث توقفت مراكز الإنتاج ثلاثة أشهر (مارس وأبريل ومايو) بسبب جائحة كورونا، وكذلك بسبب احتجاجات في مناطق عدة من البلاد، خصوصًا في مناطق إنتاج النفط والفوسفات.

وفقًا لبيانات حكومية، كلّفت الجائحة الحكومة التونسية خسائر بقيمة 5 مليارات دينار (1.83 مليار دولار)، حيث تراجعت عائدات البلاد من السياحة بنسبة 60% خلال الفترة بين مطلع سنة 2020 وإلى حدود 20 من أغسطس الحاليّ لتصل إلى 1.3 مليار دينار.

إلى جانب ذلك، تراجع الترقيم السيادي لتونس الذي أقرته وكالة “موديز” في تقرير نشرته نهاية يونيو الماضي، إلى مستوى “ب 2” مع وضعه قيد المراجعة للتخفيض، يشكّل عائقًا كبيرًا أمام الحكومة في بحثها عن قروض في السوق المالية الدولية.

ويبدو أن التحدي الاقتصادي سيكون الأصعب على حكومة المشيشي في ظل وجود مطالب اجتماعية كبيرة تؤرق كاهل الدولة منها انقطاع تزويد البترول والغاز في الجنوب التونسي والديون المستحقة لشركة سوناطراك الجزائرية بخصوص توليد الكهرباء في تونس.

وتزداد هذه المشاكل تعقيدًا، حسب الخبير الاقتصادي أشرف العيادي، بسبب غياب رؤية واضحة لمستقبل الاقتصاد التونسي. ومن غير الواضح، أيضًا، من أين يمكن للحكومة التونسية أن تسدد جزء من المديونية التي  على عاتق الدولة.

 ويضيف العيادي أن الدولة التونسية تأخرت كثيرًا في تطبيق العديد من الإصلاحات التي تشمل المؤسسات العمومية والدين العام وترشيد النفقات العمومية من أجل إنعاش الاقتصاد.

وتراقب الجهات المانحة الدولية عن كثب الوضع السياسي في البلاد. ويُفترض أن تستأنف تونس، المحادثات مع صندوق النقد الدولي الذي انتهت مدة برنامجه الممتد على أربع سنوات في الربيع الماضي.

هذه الأزمة السياسية والاقتصادية عمقت الأزمة الاجتماعية في البلاد، حيث ارتفعت نسبة الفقر خاصة لدى الأطفال في تونس، إذ بلغت النسبة 25% بعد شهرين من الحجر الصحي الشامل مقابل نسبة بـ19% قبله، وفق ما أظهرته نتائج دراسة نشرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”.

وأشارت نفس الدراسة إلى انخفاض القدرة الشرائية للتونسيين إلى 7%، وترتفع هذه النسبة إلى 10% في أوساط الفقراء مقابل 5% فقط لدى الفئات الغنية، وقد لاحظت الدراسة، أن أزمة كورونا أظهرت محدودية قدرات نظام الحماية الاجتماعية في تونس.

فضلًا عن ذلك، شهدت العديد من المناطق في البلاد، احتجاجات للمطالبة بالعمل، وأيضًا للمطالبة بالماء الصالح للشراب وكذلك فتح التيار الكهربائي بعد أن سجّلت قراهم ومدنهم اضطرابًا في مسألة توزيع المياه والكهرباء.

كما تتواصل اعتصامات المئات من المعطلين عن العمل في مناطق متعددة من البلاد، وخاصة في منطقة الكامور من محافظة تطاوين جنوب البلاد، حيث يطالب هؤلاء بنصيبهم من التنمية ومن ثروات بلادهم الباطنية خاصة أن كبرى الشركات النفطية تعمل هناك.

وكمؤشر على تنامي الاحتقان الاجتماعي في تونس، عرفت ظاهرة الهجرة غير النظامية في الأشهر الأخيرة ارتفاعًا قياسيًا، حيث ارتفع عدد المهاجرين التونسيين غير النظاميين إلى السواحل الشمالية للبحر الأبيض المتوسط بحثًا عن حياة أفضل، بعد أن أصبحت أساسيات الحياة الكريمة في بلادهم غير مضمونة الآن.

ربما يعجبك أيضا