المياه.. حرب تختمر على أنهار المنطقة

كتب – حسام عيد

منذ نحو ثلاثين عاماً، كان الخبراء يكررون مقولة: “الحرب القادمة فى الشرق الأوسط، ستندلع من أجل المياه”.. واليوم صدقت المقولة، فهناك صراعات دائرة بالمنطقة حول منابع المياه، أو حول تقسيمها بين دول المنبع، ودول المصب.

أزمة مياه النيل وسد النهضة

ظهرت مشكلة المياه بين مصر وإثيوبيا، باعتبار الأخيرة هي دولة المنبع الشرقي لنهر النيل، الذي يُشكل مصدراً لنسبة 85% من تدفقات مياه النهر، وهو الأقرب والأهم لمصر، بينما تصل النسبة الباقية، 15%، من دول منابع البحيرات الاستوائية. فقامت إثيوبيا، مستغلة أحداث 25 يناير 2011، ببناء سد النهضة، وبينما يتم التفاوض معها على مدة ملء الخزان، بما لا يؤثر على حصة مصر من مياه النيل، إذ بها تعلن عن خطتها لبناء أربعة سدود أخرى، ليستمر التوتر قائماً في المنطقة.

وهناك احتمالات تقود نحو انخفاض في نسب المياه الصالحة للاستخدام في مصر إلى حدود تتباين ما بين 10 إلى 20% خلال 25 سنةً القادمة.

وتخشى القاهرة أن يؤدي بناء سد النهضة الإثيوبي إلى انخفاض تدفق مياه النيل الذي يوفر نحو 90% من احتياجات مصر.

وأعربت مصر في ديسمبر الماضي عن “قلقها البالغ من التعثر الذي يواجه المسار الفني المتمثل في أعمال اللجنة الفنية الثلاثية” المتعلقة بسد النهضة والتي تضم القاهرة والخرطوم وأديس ابابا.

بدوره، كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن خطة القاهرة للتعامل مع المشكلات التي قد يسببها بناء سد النهضة الإثيوبي في المستقبل، مشيرا إلى أنه يجرى حاليا إنشاء محطة كبرى لمعالجة مياه الصرف، تجنبا لأزمة قد تطرأ في المستقبل، في إشارة إلى احتمال تأثير السد في إثيوبيا على حصة مصر من مياه نهر النيل.

وأكد أن برنامج تحلية المياه الذي تعتمده الدولة حاليا هو الأعلى في تاريخها، بتكلفة تتعدى الـ60 مليون جنيه.

العراق على خارطة العطش

العراق المعتمد بشكل شبه كامل على نهري دجلة والفرات، وتحديدًا الفرات، يتوقع حصول نقص حاد في مياهه العذبة في غضون العشرين سنة القادمة قد تصل نسبته إلى 80%، فبعد أن كان من الدول الغنية جداً بالمياه، تراجعت حصة الفرد سنوياً من الماء الخام من ٧٠٠٠ إلى ١٠٠٠ متر مكعب، ليصبح ضمن الدول الفقيرة.

وكان العراق حتى عام 2008، يقع خارج المناطق المعرضة للجفاف في الشرق الأوسط، لكن الواقع الحالي يشير إلى أن ملامح العطش فيه تتضح يوماً بعد يوم، وقد تتحول بلاد ما بين النهرين إلى بلاد ما بين العطشين.

عطشٌ معلن، مصدره قلة الأمطار وسوء إدارة المياه، وجاران قويان يتحكمان بمنابع الأنهار الدولية وهما تركيا وإيران.

ما يخشاه الساسة والحكام اليوم، هو طرح سؤال بسيط جداً: من أين يشرب العراق؟ فالواقع المائي سوداوي ومخيف.

في المستقبل القريب، سيختفي نهر الفرات بسبب سد أتاتورك العملاق والعشرات من السدود الصغيرة، أو التحول إلى ساقية بعد المرور بسوريا، كما ستقل مياه نهر دجلة إلى النصف مع بدء التخزين في سد أليسو.

وانخفاض تدفق مياه نهر الزاب الصغير بنسبة 40%، كذلك الحال بالنسبة إلى نهر سيروان. توقف كل من نهري الكرخة وكارون عن التدفق إلى العراق والتفريغ في الخليج، كل ذلك بسبب بناء وتشييد العديد من السدود، بالإضافة إلى حفر القنوات لنقل المياه إلى مناطق أخرى في إيران.

استهداف المياه في سوريا

هناك صراع قائم بين سوريا وتركيا على نهر بردى، والذى تحصل سوريا على حصة من مياهه تقدر بنحو 5 امتار مكعبة فى الثانية، وأرادت رفع تلك الحصة إلى 7 أمتار مكعبة فى الثانية، إلا أن تركيا، باعتبارها دولة المنبع، قد رفضت هذا الطلب، بل وأصرت على تخفيض الحصة الحالية لسوريا، من 5 امتار مكعبة في الثانية، إلى 3 أمتار مكعب فقط، متعللة، في ذلك، بحاجة تركيا إلى فائض المياه. كما رأت تركيا أن على سوريا البحث عن بدائل وتقنيات حديثة في الزراعة، لترشيد استخدام المياه العذبة.

وخلال عدوانها المستمر حتى الآن على عفرين، قصفت القوات العسكرية التركية إحدى محطات المياه الرئيسية التي تخدم السكان المواطنين والنازحين في منطقة عفرين بشمال سوريا، في 7 فبراير الماضي.

وبرغم نفي تركيا القيام بذلك، إلا أن تقارير عديدة تؤكده بما يشير إلى أن القصف التركي لا يستثني الخدمات بمنطقة عفرين والتي تبعد عنها المحطة بحوالي 9 كيلومترات، حيث تدرك أنقرة محورية تأثير العامل المائي.

كما أن نظام الأسد استهدف بعض محطات المياه التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة، لدرجة أن الأمم المتحدة وصفت ذلك بأنه “جريمة حرب”.

إيران وحرب المياه

إيران لديها ذخائر مائية مشتركة مع جيرانها البالغ عددها 15 بلدا، الأمر الذي يعني أن الأنهار الحدودية بإمكانها أن تسبب مشكلات وتوترا بين إيران وتلك الدول. هناك سبعة أنهار تدخل الأراضي الإيرانية بينما يخرج منها 41 نهرا.

وتحاول السلطات الإيرانية في السنوات الأخيرة أن تقطع الطريق على أكثر من 40 نهرا تتجه من أراضيها إلى الدول الأخرى. ومن الأنهار التي تعمل إيران على تحريف مجراها إلى وسط إيران نهر الكرخة وكارون في محافظة الأحواز وهي تواجه انتقادات من السكان المحليين.

وسلط تقرير لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن الضوء على أزمة شح المياه في إيران وتداعياتها الداخلية والإقليمية، وأشار إلى أن المسؤولين الإيرانيين يتجاهلون الأسباب الحقيقة لهذه الأزمة.

فمع انهيار تنظيم داعش دخلت إيران وتركيا منافسة على التحكم بالمياه في المنطقة. طهران بدورها ربما تعمل على تقييد تدفق المياه إلى العراق، الأمر الذي دفع كابول إلى توجيه اتهامات لطهران بتسليح وتدريب مسلحي طالبان على تدمير السدود ومشاريع إنتاج الكهرباء في غرب وجنوب أفغانستان.

وفي سياق الحديث عن التوتر الذي يمكن أن تحدثه أزمة نقص المياه في إيران مع جيرانها، أشار التقرير إلى تصريح للجنرال رحيم صفوي، وهو مستشار عسكري للمرشد الأعلى علي خامنئي، في مؤتمر حول المياه في إيران يوم 27 فبراير الماضي، هدد من خلاله بشكل مبطن جيران إيران عندما قال إنهم أمام خيارين إما التعاون أو المواجهة لحل أزمة المياه في المنطقة.

ويقول صفوي: إن 10 مليارات و200 مليون متر مكعب من المياه تخرج سنويا من إيران وتصب 7 مليارات منها في الأراضي العراقية.

ربما يعجبك أيضا