النظام في تركيا يخشى من “أمهات السبت”!

يوسف بنده

رؤية

لم تنقطع اصوات العائلات التي تبحث عن اعزائها المختفين على ايدي السلطات التركية لسنوات خلت. ظاهرة كارثية صارت تعصف بمئات العائلات المنكوبة بحثا عن إجابات واضحة عن مصير أبنائها.

فقد حظرت السلطات التركية، صباح أمس السبت، المظاهرة رقم 700 للمجموعة التي اشتهرت باسم “أمهات السبت” التي يشارك فيها أمهات وأقارب أشخاص مختفين قسريًا في مراكز الشرطة قبل عام 1995.

ونشرت منظمة “أمهات السبت” بيانا علقت فيه على قرار السلطات التركية، بالقول: “أنتم من قتلتمونا، والآن تطردوننا من هنا. الدولة التي فعلت بنا هذا قد تفعل بكم نفس الشيء غدا”.

وحسب وسائل إعلام محلية استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين حاولوا التجمع في ميدان تقسيم بشارع الاستقلال في مدينة اسطنبول، وقد شارك أعضاء من منظمة حقوق الإنسان كذلك في المظاهرات.

وحسب روايات شهود عيان، نقلًا عن صحيفة زمان التركية، قالت قوات الأمن التركية للمتظاهرين: “هنا ميدان تقسيم، وليس مكانا مخصصا للتجمع”.

وقالت بيسنا طوسون ابنة فهمي طوسون -الذي اختفى أثناء احتجازه في مركز شرطة- “نحن نتجمع في هذا الميدان منذ 23 عامًا. أنا أبحث عن أبي في هذا الميدان. هذا الميدان لنا”.

وقال أحد أقارب أحد المختفين: “هذا الميدان هو مرآتكم، انظروا إليه جيدًا”. وقال آخر: “لقد قتلتمونا أنتم، والآن تطردوننا من هنا. وإن الدولة التي فعلت بنا هذا، قد تفعل بكم الشيء نفسه غدا”.

واستخدمت الشرطة خراطيم المياه وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق التظاهرة التي يشارك فيها كذلك نشطاء مناصرون لقضيتهن، بحسب مصور لفرانس برس.

وأفادت تقارير إعلامية تركية باعتقال 47 شخصا على الأقل، كما أظهرت لقطات إمساك عناصر الشرطة بمتظاهرات وسوقهن إلى داخل حافلات صغيرة.

وأظهرت صور توقيف شرطيتين لأمينة أوجاك القيادية في التحرك والتي تفيد تقارير بأنها تبلغ 82 عاما.

لكن مستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي اشاروا إلى ان صور توقيف أوجاك تعود للعام 1997 عندما تم توقيفها بعنف خلال تظاهرة بعد عامين على اختفاء ابنها اثر اعتقاله عام 1995.

وأعلن المحامي التركي أفكان بولاتش في تغريدة على تويتر إطلاق سراح جميع الموقوفين بعد إدلائهم بإفاداتهم للشرطة.

ووصفت مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش في تركيا إيما سنكلير ويب التوقيفات بأنها “معاملة مخزية ووحشية لعائلات تطالب بالعدالة في جرائم ارتكبتها الدولة”.

وجاء قمع الشرطة للتظاهرة بعد إعلان السلطات في بايوغلو منع التحرك الذي تشهده المحافظة أسبوعيا.

حلال أمس حرام اليوم

وقال الخبير الأمني السابق والكاتب الصحفي المعروف أمره أوسلو -عبر موقع تويتر في إطار تعليقه على الحادثة- “لماذا يحظر نظام أردوغان مظاهرة أمهات المختفين، (أمهات السبت) مع أنه قابلهن وساندهن فيما مضى؟

وأضاف، سبب ذلك أن جهاز المخابرات يقوم باختطاف أناس أبرياء كل يوم وتنقطع عنهم الأخبار، كما كان يحدث في تسعينات القرن الماضي، وهذا يؤدي إلى ارتفاع عدد المنضمين إلى “أمهات السبت” المحتجات، بصورة تثير قلق النظام. فالأمهات هن أكثر من يخفن الدكتاتوريين!”.

وقد انتقد زعيم المعارضة في تركيا ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو تدخل قوات الشرطة بعنف واستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق تظاهرات “أمهات السبت”، قائلًا: “يجب أن يتحلى الإنسان بقليل من الضمير والأخلاق والإيمان”.

وحسب وسائل إعلام محلية استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين حاولوا التجمع أمس السبت في ميدان تقسيم بشارع الاستقلال في مدينة إسطنبول، وقد شارك أعضاء من منظمة حقوق الإنسان كذلك في المظاهرات.

وعلق كيليتشدار أوغلو على التدخل العنيف لقوات الأمن التركية لفض المظاهرة رقم 700 لأمهات وذوي المختفين قسريًا في مراكز الشرطة قبل عام 1995 المعروفين بـ”أمهات السبت”، قائلًا: “أصبت بالحزن الشديد عندما تلقيت الخبر. إنهن أمهات. هذه الأمهات يردن التعرف على أماكن أو مقابر أبنائهم. وقد التقوا بالرئيس أردوغان من قبلُ. ولكنه لم يلتزم بوعوده لهن”.

وقال كيليتشدار أوغلو: “هل هناك طلب للأمهات أكثر براءة من طلبهن هذا؟ لا يصح التعامل مع هؤلاء الأمهات باستخدام الغازات المسيلة للدموع… يجب أن يتحلى الإنسان بقليل من الضمير والأخلاق والإيمان. ولكنهم يفتقدون لكل ذلك. أنا حزين للغاية. من قتل أبناءهن؟ على الدولة أن تقوم بمهمة للعثور على الفاعلين”.

وأضاف: “ولكن المسؤولين يقولون إنهم لا يعلمون الفاعلين، فعذركم أقبح من ذنبكم. ما هو سبب وجود الدولة إذا، أليس هو تحقيق العدل. وإنهن يردن تحقيق العدل”.

ظاهرة الاختفاء القسري

وأقامت الأمهات اللواتي يُطلق عليهن تسمية “أمهات السبت” تجمعهن الأسبوعي الذي انطلق في 27 مايو 1995 في وسط اسطنبول، للمطالبة بكشف مصير مفقودين، حيث تفيد تقارير بأنهم خطفوا على يد أجهزة تابعة للدولة في واحدة من أكثر الحقبات اضطرابا في تاريخ تركيا الحديث.

وقالت السلطات: إن الدعوة للتظاهر تمت عبر حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطة بحزب العمال الكردستاني المحظور، وإنه لم يتم تقديم أي طلب للحصول على ترخيص.

وسُجلت حالات الاختفاء في أوج تمرد حزب العمال الكردستاني للمطالبة بحكم ذاتي في جنوب شرق البلاد، حيث الغالبية الكردية في نزاع مستمر منذ 1984 أدى إلى عشرات آلاف القتلى.

وشهدت تركيا حقبة اضطرابات سياسية وأعمال عنف على خلفية الانقلاب العسكري في 1980 واعتقال عدد كبير من النشطاء السياسيين.

ويقول نشطاء: إن الدولة لم تجر تحقيقات جدية لكشف مصير المفقودين الذين اعتقلتهم السلطات.

ومنعت الشرطة تحرك مجموعة أمهات السبت على مدى عشر سنوات من 1999 حتى 2009، إلا أن السلطات عادت وسمحت بالتحرك في ظل مراقبة أمنية مشددة، علما أنها أول عملية قمع للتظاهرة منذ سنوات عديدة.

ويأتي تفريق التظاهرة بالقوة بعد شهرين من فوز رجب طيب اردوغان بولاية رئاسية جديدة موسعة الصلاحيات يخشى نشطاء استغلالها لقمع حرية التعبير في تركيا.

ويُعتقد أن المجموعة استوحت تحركها من أمهات بلازا دي مايو (ساحة مايو)، وهي مجموعة والدات أرجنتينيات نظّمن تظاهرات بعد فقدان أبنائهن في عهد الحكم العسكري في البلاد.

وتطالب أمهات، السبت، بفتح كامل أرشيف الدولة لكشف مصير أبنائهن ومحاكمة المرتكبين وإبطال مرور الزمن على انتهاكات ارتكبتها قوات الأمن.

وتقول الحقوقية والسياسية هدى قايا، النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان، يقبع في سجون تركيا ما يربو عن 100 ألف معتقل؛ لم يقترف أي منهم إثماً سوى أنهم عبَّروا عن رأيهم، أو انتقدوا السلطة الحاكمة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو شاركوا بتغريدة، أو ما شابه على أحد المواقع.

ربما يعجبك أيضا