انتهاء عصر “أردوغان”.. سيناريوهات المكسب والخسارة

يوسف بنده

رؤية

تشهد تركيا يوم الأحد المقبل انتخابات رئاسية وتشريعية تعتبر تحديًا انتخابيًا كبيرًا للرئيس رجب طيب أردوغان الذي يتولى الحكم منذ 15عامًا.

ويبقى السؤال في 24 يونيو ما إذا كان أردوغان سيفوز في الانتخابات الرئاسية من الدورة الأولى، وما إذا كان حزبه العدالة والتنمية سيحتفظ بالغالبية في البرلمان.

وستجرى دورة ثانية للانتخابات الرئاسية في الثامن من يوليو في حال لم يتمكن أي من المرشحين من الفوز بأكثر من خمسين في المئة من الأصوات في الدورة الأولى.

ويتنافس في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الأحد المقبل، كل من الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، و”محرم إينجه” (عن حزب الشعب الجمهوري)، وميرال أكشينار (عن الحزب الصالح)، وصلاح الدين دميرطاش (عن حزب الشعوب الديمقراطي)، و”تمل كرم الله أوغلو” (عن حزب السعادة)، و”دوغو برينجك” (عن حزب الوطن).

وقد قررت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، فرز أصوات الانتخابات الرئاسية أولا، بعد اقتراع الناخبين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة الأحد المقبل، حيث تبدأ عملية التصويت في الساعة الثامنة صباحاً وتنتهي في الخامسة مساء بالتوقيت المحلي.

وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات التركية، أن 59 مليون و369 ألف و960 ناخبًا يحق لهم الإدلاء بأصواتهم داخل البلاد وخارجها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة المزمع إجراؤها في 24 من الشهر الجاري.

وبحسب البيانات التي نشرتها اللجنة على موقعها الرسمي فإن 56 مليونًا و322 ألفًا و632 ناخبًا سيدلون بأصواتهم في 180 ألف صندوق داخل البلاد.

شعور مرتبك

يبدو المشهد التركي محملاً بالمفاجآت التي قد لا تسرّ الرئيس أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، ولاسيما في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمرّ بها تركيا، وعلى خلفية انهيار الليرة التركية مقابل الدولار، وارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع الأسعار الكبير الذي أثقل كاهل المواطنين الأتراك، ناهيك عن التضييق على الحريات، وحالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ محاولة الانقلاب في منتصف يوليو 2016م.

يشير مراقبون للشأن التركي أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان يبدو على ثقة من شعبيته حين قام بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كانت مقررة 2019، وأخذ بمقترح حليفه دولت بهجلي الذي تحرّك بإيحاء وإيعاز من أردوغان نفسه لاقتراح انتخابات مبكرة قبل حوالي شهرين، يظهر بصورة أخرى غير تلك التي بدا عليها.

يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدأ يستشعر احتمال خسارة حزبه العدالة والتنمية للأغلبية النيابية، وتراه يحاول استباق الأمر بالحديث عن سيناريوهات بديلة محتملة في حال حدوثه. 

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة إن حزب العدالة والتنمية الحاكم قد يسعى إلى تشكيل ائتلاف إذا أخفق في الحصول على أغلبية برلمانية في الانتخابات المقررة يوم الأحد.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات الرئاسية قد تحتاج إلى جولة ثانية وأن حزب العدالة والتنمية قد يخسر أغلبيته في البرلمان المؤلف من 600 مقعد.

وقال أردوغان في مقابلة مع إذاعة كرال إف.إم أجريت في وقت متأخر من مساء أمس الأربعاء “إذا كان العدد أقل من 300 (مقعد) فقد نسعى لائتلاف”، وأضاف أن احتمال حدوث ذلك “ضعيف جدًا جدًا”.

وشكل حزب العدالة والتنمية تحالفًا مع حزب الحركة القومية قبل الانتخابات التي ستكون إيذانًا بالتحول إلى نظام رئاسي تنفيذي قوي جديد نال تأييدًا بأغلبية بسيطة في استفتاء أجري العام الماضي. وشكلت أحزاب المعارضة تحالفًا أيضًا.

وقال دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية يوم الإثنين إن من الممكن إجراء انتخابات أخرى إذا فشل تحالفه مع حزب العدالة والتنمية في الفوز بأغلبية برلمانية في انتخابات الأحد.

انخفاض الشعبية

لم يول أردوغان أي اعتبار للتحذيرات بشأن سياساته الاقتصادية، وحاول أن ينقلب على النظريات الاقتصادية، بفرض تصورات بعيدة عن واقع السوق وحركة الاقتصاد وعلميته، وقلّل من شأن تقارير وكالات التصنيف الدولية، واتهمها بالتآمر على بلاده، والضغط عليها وإرهابها اقتصادياً وترويع الناخبين لعدم التصويت له.

وهناك جملة من العوامل ساهمت بانخفاض شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، منها عوامل داخلية وأخرى خارجية. ويلعب العامل الاقتصادي دوراً مهمة في زعزعة ثقة الناخبين الأتراك به وبسياساته الاقتصادية، إذ تهاوت الليرة التركية إلى مستويات قياسية منخفضة، وارتفع معدل التضخم، وواصلت أسعار المواد الغذائية والرئيسة الارتفاع إلى مستوى يفوق طاقة المواطن التركي، ولا يتناسب مع دخله.

وبرغم أن البنك المركزي التركي تدخل ثلاث مرات، ورفع سعر الفائدة حتى وصل إلى 500 نقطة مئوية، إلا أن معدلات التضخم لم تتراجع، كما لم تستعد الليرة التركية عافيتها كما كان متوقعاً.

سيناريوهات عدة

السيناريو الأول: هو أن يفوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية من الدورة الأولى ويحتفظ حزب العدالة والتنمية بالغالبية في البرلمان، وهو ما يأمل به أردوغان حين دعا منتصف أبريل إلى انتخابات قبل عام ونصف عام من موعدها المقرر ساعيا إلى أخذ المعارضة على حين غرة.

ولكن إذا كان أردوغان قد بدا يومها واثقا، فإن احتمال تحقق هذا السيناريو تراجع في شكل واضح مع تدهور الوضع الاقتصادي والاندفاعة الجديدة للمعارضة.

ويرى محللون في “مركز التقدم الأمريكي” أن أردوغان “كان يتوقع تعزيز سلطته” وخصوصًا بفضل مراجعة دستورية تعزز سلطات الرئيس في شكل كبير على أن تدخل بنودها الرئيسة حيز التنفيذ بعد الانتخابات، “لكنه لا يتمتع بدعم غالبية الناخبين الأتراك”.

دورة ثانية

السيناريو الثاني: هو أن تجبر المعارضة أردوغان على خوض دورة ثانية في الانتخابات الرئاسية.

إذا كان أردوغان واثقًا من أنه سيحصد أكبر عدد من الأصوات الأحد فثمة احتمال ألا يفوز في الانتخابات الرئاسية من الدورة الأولى.

لقد خاض منافسه الأبرز محرم إينجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، حملة تميزت بصلابة مفاجئة. ومع المرشحين الآخرين، يمكن أن تشكل المعارضة ثقلا وازنًا يؤدي إلى دورة ثانية.

ويعتبر محللون أن أردوغان يبقى المرشح الأوفر حظا إذا سارت الأمور على هذا النحو.

ويرى كمال كيريسكي من معهد بروكينغز أنه إذا خسر حزب العدالة والتنمية غالبيته في الانتخابات التشريعية التي تجري على دورة واحدة الاحد، “فإن أردوغان سيخوض الدورة الثانية متسلحا كالعادة بصورة الحاكم غير القابل للهزيمة رغم ما لحق بها من تشوهات”.

انتصار مبتور

السيناريو الثالث: هو أن يفوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية وأن يخسر حزب العدالة والتنمية هيمنته على البرلمان.

يقول آرون شتاين من مجلس الأطلسي إن “النتيجة الأكثر ترجيحا اليوم هي انتصار لأردوغان وبرلمان يفتقر إلى لون واحد”.

من شأن هذا السيناريو أن يغرق تركيا في مرحلة شديدة الغموض وأن يهز الثقة بالاقتصاد التركي مع إمكان أن يؤدي إلى انتخابات جديدة.

والمفارقة أن حزب العدالة والتنمية قدم خدمة للمعارضة عبر تعديلات قام بها وأتاحت لحزب الشعب الجمهوري أن يتحالف مع ثلاثة أحزاب أخرى في الانتخابات التشريعية، ما قد يعزز حضور المعارضة في البرلمان.

وثمة رهان آخر يتمثل في مدى قدرة حزب الشعوب الديموقراطي الموالي للأكراد والمناهض لأردوغان والذي يخوض المعركة وحيدا، على الحصول على سقف العشرة في المئة من الأصوات الذي يؤهله لدخول البرلمان.

سبق أن خسر العدالة والتنمية الغالبية مرة واحدة في انتخابات يونيو 2015 التشريعية. وسارع يومها أردوغان إلى الدعوة لانتخابات جديدة للتعويض، معلنا بوضوح أنه لن يرضى بائتلافات.

ولكن، بموجب التعديل الدستوري الذي أقر في أبريل 2017، فإن أردوغان سيكون مجبرًا نظريًا على وضع الانتخابات الرئاسية على المحك عبر الدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة لأن الاقتراعين ينبغي أن يجريا في الوقت نفسه.

انتهاء عصر “أردوغان”

السيناريو الرابع: هو أن يفوز محرم إينجه في الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية وأن تسيطر المعارضة على البرلمان.

يبدو واضحا أن إينجه هو الأوفر حظا ليحل ثانيا بعد الرئيس المنتهية ولايته. وسيفيد في الدورة الثانية من دعم حلفاء حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية وربما من حزب الشعوب الديموقراطي.

ويقول مارك بيريني من مركز كارنيغي أوروبا “إذا حصل ذلك فإن تغييرا سياسيا هائلا سيحصل على الأرجح على جبهات عدة”، لافتا خصوصا إلى السياسات الاقتصادية والعلاقات مع الغرب.

المجهول

السيناريو الخامس: هو أن تفوز المعارضة في الانتخابات الرئاسية ويحتفظ حزب العدالة والتنمية بسيطرته على البرلمان.

إنه على الأرجح السيناريو الأكثر التباسًا كون حزب العدالة والتنمية لم يسبق أن اختبر تعايشا سياسيا مع أحزاب أخرى فضلا عن أن الرئيس الجديد سيكون على الأرجح معاديًا له بعدما هيمن على المشهد السياسي التركي منذ 2002.

ويعلق بيريني إن “رئيسا علمانيا من صفوف المعارضة سيواجه غالبية إسلامية وقومية في البرلمان، ما سيؤدي إلى وضع ملتبس”.

ربما يعجبك أيضا