“باستت” ابنة رع المقدسة.. هكذا حرم المصري القديم قتلها وحزن لفراقها

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

ذكر المؤرخ “هيرودوت” أن عند موت القط يقوم صاحبه بحلق شعر الحاجبين تعبيراً عن الحزن والألم لفراقه، وعند موت القطة كان يحنطها أصحاب المنزل كما يحنطون موتاهم، وقد عثر في مصر على أحد المقابر الكبيرة تحتوي على نحو مليون قطة محنطة تحنيطا بالغ الدقة والإحكام.”

كشف أثري جديد أعلنت عنه وزارة الآثار المصرية في سقارة يحتوي على كثير من الكنوز والتي أبرزها وجود عدد كبير من تماثيل ومومياوات القطط، الكشف قامت به بعثة أثرية مصرية، أثناء أعمالها بجبانة الحيوانات بجوار المكان الذي تم الكشف به من قبل خلال العام الماضي عن مقابر لكبار رجال الدولة بالإضافة إلى جبانة للقطط والحيوانات والطيور المقدسة.

وتضمن الكشف الجديد مجموعة ضخمة من 75 تمثالا من القطط المختلفة الأحجام والأشكال مصنوعة من الخشب و البرونز، و25 صندوقا خشبيا بأغطية مزينة بكتابات هيروغليفية بداخلها مومياوات لقطط.

ليس هذا فقط، بل تم العثور علي خمس مومياوات لقطط ضخمة رجحت الدراسات الأولية أن تكون لأشبال أسود صغيرة، حيث إن نتائج الأشعة السينية والدراسات العلمية المبدئية التي أجريت علي اثنين منهما أثبتت بنسبة 95 ٪ أنهما مومياتين لأشبال أسود صغيرة تبلغ من العمر حوالي ثمانية أشهر، وذلك طبقا لأشكال وأطوال وأحجام العظام الخاصة بهما، كما عثرت البعثة على تابوتين صغيرين من الحجر الجيري للقطة “باستت”، لتزداد التساؤلات حول القطة ومدى رمزيتها وأهميتها في الحضارة المصرية القديمة.

الماو

القطة في الحضارة المصرية القديمة موجودة في رمز أو صورة المعبودة “باستت” ابنة رع معبود الشمس، وكانت تصورها الرسومات امرأة برأس قطة، وكانت تعتبر القطة معبودة الحنان والوداعة، مما جعلها ترتبط بالمرأة ارتباطًا وثيقًا.

وقد بدأت عبادة “باستيت” في عهد المملكة المصرية القديمة في “ممفيس” ثم انتشرت في أنحاء مصر، ومن المثير أنه في فترة ما وتحديدا في الدولة الحديثة اندمجت القطة مع المعبودة سخمت، بحيث تمثلها في هيئة اللبؤة المفترسة، أي إنه في لحظة غضب القطة تتحول إلى “سخمت” وتنتقم وكانت “تل بسطة” مركز عبادتها، وربما يفسر هذا اسم المنطقة التي حدث فيها الكشف بسقارة وهي البوباسطيون، وهو قريب جدا من اسم بوباستيس وقد يكون أصلهما واحد.

وتاريخيا للقطة أهمية في حياة المصري القديم، حيث كان يستأنسها لاصطياد الفئران التي كانت تهدد صوامع الغلال وتأكل منها وتفسدها، وتقديرا لذلك كان يحنطها بعد موتها، لدرجة أنه عثر على أحد المقابر وجد  فيها آلاف القطط المحنطة بمهارة ودقة.

ووفقًا لكتاب “معجم أعلام الأساطير والخرافات في المعتقدات القديمة” للدكتور طلال حرب”، فإن الإلهة “باسيت” جسدت على شكل قطة وربطت باللبؤة “أنثى الأسد” أيضًا قبل ارتبطها بالقطة الأليفة، وكان الفراعنة المصريون يمتنعون خلال الاحتفالات بالإلهة باسيت، عن صيد الأسود والقطط ويعتبرون ذلك دنسا وخطيئة فى هذا الوقت.

معركة الفرما 

يقول الكاتب الروماني شيشرون إنه “لم يسمع بمصري واحد قتل قطة واحدة، وإنه إذا تجرأ أحد الحكام الرومان وقتل قطا أو أصابه بأذى، فلا مفر من أن يلقى مثل هذا الحاكم حتفه على أيدي جماهير المصريين الغاضبة، أما إذا مات القط موتا طبيعيا، فلا بد لأهل البيت الذي يأويه أن يزيلوا حواجبهم إعلانا لحدادهم عليه”.

لم يقف الأمر عند حد التقديس فقط بل فاق حبهم للقطط إلى التفريط في الأرض ففي 525 قبل الميلاد قامت معركة الفرما ضد الملك الفارسي الذي بحث عن نقطة ضعف للمصريين فوجد القطط والكلاب فوضع في مقدمة جيشه جحافل منهم ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل رسم صورة الإلهة القطة على دروع المحاربين وبالفعل استسلم المصريون على الفور خوفــًا من إيذائهم للقطط بالخطأ، وكانت معركة الفرما الكارثية، وبعدها تعمد الملك إهانة وإذلال المصريين شعب وجيش بقتل القطط أمامهم وإعلان احتقاره لهم لتسليمهم البلد بدون مقاومة خوفــًا على حيوانات عديمة القيمة.

ولم يقتصر احترام أهل مصر في تلك العصور للقطط أثناء حياتها فقط، بل امتد إلى ما بعد الموت، فكانوا يحنطون جثة القطط ويدفنونها فى موكب حافل من الاحترام، وكان يشارك في تكاليف الجنازة أهل الحي أو القرية أو المدينة التي عاش فيها القطط.

وذكرت “دائرة معارف القرن العشرون – المجلد الثالث” تأليف محمد فريد وجدي، أنه كان من كبريات الجرائم التي تستحق التعذيب الكبير في مصر القديمة أن يقدم إنسان على قتل قطة.

سيدة الأرباب

نشر في “مجلة الفيصل” العدد 29 الصادر في أكتوبر 1979″، أن المؤرخ الشهير “هيرودوت”، أكد أن المصريين القدماء من فرط ولعهم بالقطط، كان إذا شب حريق في منزل أحدهم، فإن أول ما يقوم بإنقاذه هو القطط”.

رشيقة نحيلة ذات وزن قليل، ذات عضلات قوية بها بقع متنوعة سواء مستديرة أو مستطيلة على جسدها، وعلى خديها يوجد خطين، فروها لين وناعم، لها تمثيل غذائي منفرد تميزها عن باقي القطط الأخرى، هكذا كانت القطة المصرية “الماو” وهي واحدة من أقدم سلالات القطط في العالم، وقد ظهرت في نقوش المقابر والمعابد المصرية القديمة، ونُحتت لها التماثيل، وظهرت عبادتها على نطاق واسع، فضلاً عن تحنيط ودفن أعداد كبيرة منها في مقابر مخصصة لها في العصر المتأخر.

ابنة رع

كان المصريون القدماء يحتفلون بعيد “باستت”، والتي صورت على هيئة قطة، وكانت رمزاً للخصوبة والحب والحنان وحامية للمرأة الحامل، وقد حملت “باستيت” العديد من الألقاب، ومن بينها “سيدة الأرضين”، و”سيدة الأرباب”، و”سيدة السماء”، و”عين رع المسالمة”، و”عين آتوم”، وكان مركز عبادتها تل بسطة بالشرقية، وكان لها معبد اسمه “بوباستيس”.

ومن شدة حب المصري القديم للقطة كان العديد من الشخصيات العامة تلقب بألقابها في إحدى الأسر الحاكمة تمّ إطلاق اسم “ميوتي” وهو اسم تدليل للقطة، وكانت أيضا لقب الملكة غير الحاكمة “تادي باستت” من ملكات الأسرة الثانية والعشرين 945 – 712 ق.م، ولقبت إحدى مغنيات المعبد في عهد نفس الأسرة بـ “نحمس باستت”، وهناك أيضًا “بادي باستت” وزير مصر العليا خلال عصر الأسرة الـ26 وكبير مشرفي الزوجة الإلهية.

القط الأسود “جن”

وعلى الرغم من تقدير وتجليل القطط في العصر الفرعوني إلا أن الوضع الحالي مختلف تماما حيث ساد الاعتقاد عند المصريين منذ سنوات طويلة بأن القط الأسود ما هو إلا جن تحول لقط، يريد أذى أحد الأشخاص، لذلك يبتعد عنه الناس ويتشاءمون منه.

أما أهالي الصعيد فيعتقدون بأن التوأم المولود تتلبس روحه جسد قط، والذي يظهر عند نوم المولود ليتجول في الأماكن القريبة من المنزل ومنازل الأقارب، ولذلك يحظر لمس الطفل أو مسه أثناء نومه، باعتقاد إنه بذلك يتعرض للموت.

وكما يعتقد بعض الأهالي بالأقصر بأن من يلحق الأذى بقط مقطوع الذيل، يمكن أن يتلبس روحه جن، ومن ناحية أخرى استخدمت عظام القط أو أجزاء من جسده في الأعمال السحرية، كما ساد الاعتقاد بأن أرواح الأطفال والموتى تتجسد أيضاً في القطط.

ربما يعجبك أيضا