“بريكست” بلا اتفاق.. كورونا يدفع بريطانيا نحو سيناريو مخيف!

حسام عيد – محلل اقتصادي

إذا كانت أوروبا غارقة في مواجهة وباء كورونا، فإن بريطانيا في موقف لا تُحسد عليه؛ فعليها مواجهة الوباء وكذلك تحديد مستقبل علاقتها مع التكتل الأوروبي بعد البريكست.

فبعد أن خرجت بريطانيا رسميًا من الاتحاد الأوروبي في يناير الماضي، بدأت مرحلة انتقالية تنتهي في ديسمبر المقبل، تقوم بريطانيا من خلالها بالتفاوض مع التكتل من أجل التوصل لاتفاق تجاري أو الخروج النهائي بدون اتفاق.

لكن اليوم، تعثرت محادثات التجارة المتعلقة بـ”بريكست”، حيث لم يوافق المفاوضون بعد على جدول زمني لعقد الاجتماعات عبر الفيديو.

تعطل المفاوضات وسط الجائحة

بيد أن جائحة كورونا كظرف استثنائي أدت إلى توقف المفاوضات في الوقت الراهن، ليس فقط لأنها أصبحت أولوية قصوى، ولكن مع إصابة كبير المفاوضين الأوروبيين ميشيل بارنييه بفيروس كورونا منتصف مارس الماضي، كما خضع نظيره البريطاني، ديفيد فروست، للعزل الذاتي بعد ظهور بعض أعراض الفيروس، حتى إن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون نُقل إلى المستشفى وأدخل إلى العناية المشددة بسبب إصابتها بالفيروس نفسه، ويترأس وزير خارجية المملكة، دومينيك راب، الاجتماعات في غيابه.

في هذا السياق، أصدرت كتلة حزب الشعب الأوروبي، التي تمثل يمين الوسط، بيانًا تدعو فيه الحكومة البريطانية لتمديد الفترة الانتقالية إلى ما بعد نهاية العام الجاري.

وقال ديفيد مكاليستر، وهو نائب ألماني من المحافظين في البرلمان الأوروبي ويرأس مجموعة بريكست في المجلس، “إن تفشي الوباء يعقد الجدول الطموح أصلًا لإنهاء الفترة الانتقالية” مؤكدًا أن”الاتحاد الأوروبي منفتح دائمًا على تمديد الفترة الانتقالية، وأن الكرة الآن وبوضوح في ملعب بريطانيا”.

يونيو المهلة الأخيرة لاتخاذ القرار!

وفي الوقت الراهن يجب على بريطانيا تحديد موقفها قبل نهاية يونيو وهو الموعد النهائي إذا ما أرادت تمديد المرحلة الانتقالية لما بعد 2020.

وقد أعلنت الحكومة البريطانية بتمسكها بالجدول الزمني القائم للفترة الانتقالية؛ حيث أكدت التزامها باستكمال الانسحاب بنهاية العام الجاري، مشيرة إلى أنه “من الأفضل أن يتم ذلك وفقا لاتفاق، ولكن إذا لم يحدث (فسيتم الانسحاب) دون اتفاق”.

تمديد المرحلة الانتقالية قد يكون مفيدًا لبريطانيا خصوصًا مع استمرار تدفق السلع والخدمات من الاتحاد الأوروبي دون أي قيود عليها، وتحديدًا فيما يتعلق بالسلع الأساسية كالأدوات الطبية والمواد الغذائية.

لكن هذا التمديد يعني أن على بريطانيا الامتثال للقواعد التنظيمية الأوروبية بل والمساهمة في موازنة الاتحاد الأوروبي دون أن يكون لها الحق في التصويت على أي قرار.

بينما يرى المراقبون أن إصرار بريطانيا على عدم تمديد الفترة الانتقالية في ظل التطورات الراهنة لن يصب في مصلحة الجانبين، وسيضع عائقًا إضافيًا أمام إمكانية التوصل إلى اتفاق ينظم العلاقات الأوروبية البريطانية مستقبلًا.

عدم التمديد يفاقم كورونا!

في حالة إصرار بريطانيا على الخروج في الموعد المحدد بنهاية العام الجاري فإن ذلك من شأنه يمكن أن يبطئ عملية تسلم المملكة المتحدة لأية أدوية قد يتم التوصل إليها لعلاج مرض “كوفيد-19″، فضلا عن المعدات الطبية اللازمة حيث إن الخروج من العملية التنظيمية للاتحاد الأوروبي يعني حرمان بريطانيا من ميزة “التقييم المستعجل” للأدوية الجديدة، وهو ما على الأرجح سيضع المملكة المتحدة على قائمة الانتظار مع دول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي من أجل الحصول على أي أدوية جديدة، كما أنها ستدفع أكثر مما كانت ستدفعه في حال استمرار عضويتها في الاتحاد الأوروبي.

ووفقًا للمراقبين فإن بريطانيا حرصت، منذ بدء أزمة “كورونا”، على اتباع سياسة مختلفة عن غيرها من الدول الأوروبية وتبني نهجًا مستقلًا بها بعيدًا عن التكتل حيث اعتمدت استراتيجية ما يسمى “المناعة الجماعية” وتأخرت في فرض القيود والإجراءات الاحترازية مقارنة بغيرها من الدول الأوروبية، ولم تقم بإلغاء التجمعات أو المباريات الرياضية مع استمرار العمل بالمدارس والمؤسسات التعليمية.

ولكن مع الارتفاع الهائل في أعداد الإصابات والوفيات، قررت الحكومة البريطانية فرض إغلاق تام في المملكة المتحدة لمدة ثلاثة أسابيع؛ بهدف الحدّ من تفشّي هذا الوباء، ومنعت التجمعات وخروج المواطنين إلا في حالات الضرورة القصوى، وتم إغلاق كلّ متاجر بيع السلع غير الأساسية وأماكن العبادة.

سيناريوهات التداعيات الاقتصادية.. الأخطر!

ويتوقع المراقبون أنه في حال إصرار الحكومة البريطانية على عدم طلب تمديد الفترة الانتقالية؛ فإن ذلك سيطرح على الواجهة سيناريو “خروج بلا اتفاق” وهو السيناريو الأخطر والأسوأ لما له من تداعيات مالية واقتصادية باهظة سواء بالنسبة للتكتل الأوروبي أو للمملكة المتحدة.

“الخروج بلا اتفاق” سيؤدي إلى تراجع في قيمة الاقتصاد البريطاني بنسبة 5 %، وتراجع في النمو الاقتصادي لمدة عشر سنوات نتيجة خسارة السوق الأوروبية التي تشمل 450 مليون مستهلك كما سيلحق أضرارا بالعديد من القطاعات منها الزراعة والنقل نتيجة فرض رسوم جمركية على التجارة مع الاتحاد الأوروبي، فضلا عن أنه سيفقد الأوروبيون سوقًا كان يستورد منهم ما قيمته 400 مليار دولار.

إن إيقاف المباحثات الرامية إلى تحقيق شعار “لننقذ بريكست” هو ما يجب أن تفعله أي حكومة في زمن الحرب. فترك الخروج الكامل من الاتحاد الأوروبي ينتظر من دون أخذ تأثيرات الأزمة الحالية العميقة بالاعتبار هو تصرف غير مسؤول.

وضع معقد أمام الحكومة البريطانية فإما المجازفة وطلب التمديد نظرًا لهذه الظروف الاستثنائية أو التمسك بالخروج من التكتل الأوروبي بنهاية العام أيًا كانت النتائج وما يحمل ذلك من ضبابية لمستقبل الاقتصاد البريطاني.

ربما يعجبك أيضا