بسبب تغير المناخ.. الغرق يهدد تراث البندقية وأخواتها

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

التصحر، الاحتباس الحراري، وغيرها الكثير من العوامل المناخية التي تهدد الكرة الأرضية بأكملها وليس البشر فقط، فهذه المرة سيصيب التغير المناخي مواقع ثقافية هي في الأساس ضمن قائمة التراث العالمي ، حيث تواجه مواقع متوسطية مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي تهديدا بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر، منها “صور” في لبنان و”البندقية” في إيطاليا، حسبما أظهرت دراسة نشرت نتائجها مجلة “نيتشر كومنيكشنز”.

وتضمنت هذه الدراسة التي أجرتها جامعتا “كييل” الألمانية و”ساوثمبتون” البريطانية، مؤشرا يظهر درجة التهديد اللاحق بهذه الكنوز الثقافية تبعا لمدى تعرضها لمخاطر التغير المناخي بحلول نهاية القرن.

وتصدرت هذه القائمة مدن إيطالية هي “البندقية” وخليجها إضافة إلى “فيراره” و”أكويليا” العائدتين إلى القرون الوسطى، وهذه المواقع قريبة من البحر الأدرياتيكي الذي يشهد ارتفاعًا قويًا في مستوى مياهه وفق بيان لجامعة “ساوثمبتون”.

وسبق لمنظمة اليونسكو أن حذرت من أن البندقية تغرق عشرة سنتيمترات في القرن بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر “جراء تقدم الدلتا وانضغاط الرواسب”، ففي القرن العشرين، فقدت 10 إلى 13 سنتيمترا إضافيا بسبب المصانع التي كانت تسحب من المياه الجوفية.

عجائب الدنيا السبع

ومن بين الدول التي تواجه المخاطر المترتبة على تغيّر المناخ، اليونان، وتحديدا معبد “هيكل آرتميس”، الذي يعد من أحد عجائب الدنيا السبع، بالإضافة إلى معبد “هيرايون” باليونان، والمجموعة الأثرية لتاراكو في إسبانيا، وهي أول وأقدم مستوطنة رومانية في شبه الجزيرة الإيبيرية.

ويواجه مجمع “تاراغونا” الأثري في إسبانيا ومدينة “إفسس” التركية أيضا، مخاطر متصلة بظاهرة تآكل الساحل، وبحسب هذه الدراسة، يواجه 37 موقعا خطر الفيضانات و42 أخرى تهديدات بسبب تآكل الساحل.

وتشمل المناطق المعرضة للخطر كلا من فيوميتشينو في لاتسيو، وفيرسيليا في توسكانا، والأراضي حول بو، وفوندي وسيلي وأنهار فولتورنو، والمناطق الساحلية القريبة من كاتانيا وكالياري وأوريستانو.

كذلك تواجه مواقع أخرى في المتوسط الخطر ذاته، أبرزها مدينة صور الأثرية في جنوب لبنان والتي يتميز تراثها بمرور حقبات تاريخية متعددة عليها، منذ أيام الفينيقيين إلى فترات الحقبة العربية.

ويحذر باحثون آخرون من مخاطر تغيّر المناخ على مدينة الإسكندرية، الواقعة على البحر المتوسط، حيث يهدد الخط الساحلي المدينة التاريخية ببطء، مع ارتفاع مستويات سطح البحر بسبب الاحتباس الحراري العالمي.

وبحلول العام المقبل، وحدهما مدينة تونس العتيقة ومجمع “كسانتوس- ليتون” في تركيا سيفلتان من خطر.

التدمير أو الفقدان

تقول المشرفة على فريق البحث، “لينا ريمان” من جامعة “كيل” في ألمانيا، إنه لا يمكن استعادة هذه المواقع في حالة تعرضها للتدمير أو الفقدان.

ويضيف الباحث “إيهودا بوك” في معهد “كريبس” لعلم المحيطات في كاليفورنيا :”يبدو أن البندقية تواصل الهبوط، بمعدل حوالي ميليمترين في السنة”، لافتا إلى أنه تأثير بسيط، لكنه مهم.

وأشار إلى أنه إذا استمر ارتفاع مستوى المياه في بحيرة البندقية بالمعدل نفسه، فإن المدينة ستهبط بمعدل 0.08 متر إلى المحيط بحلول العام 2023.

وأنشأ فريق الباحثين قاعدة بيانات لجميع مواقع اليونسكو المعرضة للخطر، مستخدما نماذج رياضية للتنبؤ بكيفية تأثير ارتفاع مستويات البحار عليها.

ويرتبط ارتفاع مستوى سطح البحر بعوامل أساسية تظهر كلها في التغيّر المناخي المستمر في شتى أرجاء الكرة الأرضية، منها تمدد مياه البحار والمحيطات مع ارتفاع درجة حرارتها.

وعندما ترتفع مستويات سطح البحر بسرعة، حتى وإن كانت نسبة الارتفاع طفيفة ستعقبها آثار مدمرة على المناطق الساحلية خاصة.

ووجد الباحثون حوالي 49 موقعا من أصل 159 تواجهها مخاطر جسيمة، ونظرا إلى الأعداد الهائلة من المواقع التاريخية التي تقع على طول السواحل، فإن ثلث هذه المواقع مهددة بالانقراض.

وتوصلوا إلى أن مخاطر الفيضانات ستزداد بنسبة 50 في المئة حتى العام 2100، في جميع أنحاء المنطقة، مع ارتفاع الحد الأقصى لعمق الفيضانات بنسبة 290 في المئة.

وتتعرض مدينة البندقية العائمة لخطر الغرق ببطء بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر، حيث يتوقع الباحثون أن يغمر ارتفاع مستوى البحر الأدرياتيكي أجزاء كبيرة من المدينة خلال العشرين عاما المقبلة، إذا ما لم تفعل السلطات شيئا لوقف ارتفاع المياه.

وسبق لمنظمة اليونسكو أن حذرت من أن البندقية تغرق بعشرة سنتيمترات في القرن بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر “جراء تقدم الدلتا وانضغاط الرواسب”، وفي القرن العشرين، فقدت من 10 إلى 13 سنتيمترا إضافية بسبب المصانع التي كانت تسحب من المياه الجوفية.

وقال الخبراء إن البندقية والكثير من المدن الإيطالية المتواجدة على ساحل البحر الأدرياتيكي عرضة لخطر الزوال معا في حال استمرت مستويات البحر في الارتفاع.

ووفقا لباحثين من إيطاليا وفرنسا، فإن البحر المتوسط سيرتفع بنسبة تصل إلى 5 أقدام ما يعادل 140 سنتيمترا قبل عام 2100. وأكد باحثون من “المعهد الوطني للجيوفيزياء وعلوم البراكين” في إيطاليا، أن ظاهرة الاحتباس الحراري تفسر تسارع ارتفاع مستوى سطح البحر.

ودرس العلماء “محاجر حجر الرحى” الدائرية على طول ساحل البحر المتوسط خلال الألف عام الماضية، لفهم كيفية تغير مستويات سطح البحر، وبعد ذلك استخدموا نماذج للتنبؤ بكيفية ارتفاع مستويات البحر بسرعة في المستقبل. الجدير بالذكر، أن “محاجر حجر الرحى” هي الأحجار الدائرية التي تم استخراجها لطحن الحبوب في العصر الحجري بين 4 آلاف و2500 قبل الميلاد.

تقول “سالي براون” من جامعة ساوثمبتون إلى أن هذه المواقع المدرجة على قائمة اليونسكو تواجه “تحديات كثيرة للتكيف مع آثار ارتفاع مستوى مياه البحر”، فيما تشير الدراسة إلى عدم إمكان نقل أي من هذه المواقع مع بعض الاستثناءات النادرة.

ربما يعجبك أيضا