بصواريخ روسية.. أنقرة تُدمر اقتصادها وتعيد شبح الحرب الباردة

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

ماذا بعد إتمام صفقة الصواريخ الروسية لتركيا؟ صفقة قد تغير بموجبها التحالفات الإقليمية لتنتقل أنقرة للحلف الروسي على حساب الغرب، في وقت يتوقع فيه الآخرون أن تتعرض أنقرة لعقوبات أمريكية انتقامية، فهل تتجه تركيا للحلف الروسي على حساب الناتو؟ أم تُعيد صفقة الصواريخ أجواء حرب باردة جديدة بعد إلغاء المعاهدة النووية بين واشنطن وموسكو؟

رغم التحذيرات الأمريكية لأنقرة من شراء نظام الدفاع الجوي الروسي “إس 400″، حسمت تركيا موقفها واستلمت دفعات من الصواريخ الروسية مقابل 2.5 مليار دولار، وأرسلت أفرادًا من قواتها المسلحة إلى روسيا للتدرب عليه.

تركيا والمعسكر الروسي

باستلام أنقرة دفعات الصواريخ الروسية، لا أحد يعرف بأي اتجاه سوف يأخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بلاده، في وقت تخشى فيه الإدارة الأمريكية من قدرة الرادار المتطور لمنظومة إس-400 على كشف أسرار الطائرة الأمريكية الأحدث والأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة.

وبحسب المحللين، فقد كان مستبعدًا وجود أي ترتيبات مُسبقة تؤدي للتوتر والخلاف بين واشنطن وأنقرة، فهي نتيجة سلسلة من الأحداث؛ منها: استمرار الأزمة السورية، وفشل الدور التركي في إدارة المعارضة، ومن ثم دخول إيران عسكريًا بقوة في سوريا والمناطق المحاذية لتركيا، يليه دخول القوات الروسية، ودخول القوات الأمريكية في المناطق الكردية السورية، ودخول سلاح الجو الإسرائيلي في الحرب.

وفي حال فشلت أنقرة في توفيق سياستها مع واشنطن، فقد تتسبب الصفقة العسكرية في تغيير التحالفات، كما فعلت الصفقة التشيكية بمصر في عهد عبدالناصر والتي بسببها انتقل لمعسكر السوفيت.

وكما جاء في صحيفة “رأي اليوم”، فإن تركيا باستلامها الدفعتين الأولى والثانية من الصواريخ الروسية المتقدمة “قطعت الشريان الأخير فيما تبقى لها من علاقات تحالفية استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي استمرت لحوالي 70 عامًا، ولمصلحة العدو الذي قامت من أجل مواجهته، أي روسيا”.

انتقال تركيا إلى المعسكر الروسي الصيني الإيراني وابتعادها عن التبعية الأمريكية يعرضها لمخاطر كثيرة، أبرزها العقوبات الاقتصادية الأمريكية الانتقامية، وتمويل وتسليح واشنطن بعض الجماعات الانفصالية الكردية، ومواجهة هذه الأخطار تحتاج إلى مراجعات سياسية جذرية، خاصة في المحيط الإقليمي، وفي ملفين أساسيين، هما الملف السوري والملف العراقي”.

وبخلاف الصفقة العسكرية، فهناك شراكة اقتصادية بين روسيا وتركيا في عدد من القطاعات التي تجعل أنقرة تعتمد بشكل متزايد على موسكو؛ إذ تستمد 55% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وتم توقيع اتفاقية بين البلدين لبناء محطة طاقة نووية روسية واحدة على الأقل في تركيا.

عقوبات أمريكية انتقامية

ومن المقرر، أن يترتب على وصول هذه الصواريخ للجيش التركي عواقب خطيرة، أبرزها احتمال فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية قاسية على الحكومة التركية، واستبعاد أنقرة من برنامج الطائرات الأمريكية إف 35.

وفي حال قررت الولايات المتحدة إبعاد تركيا عن برنامج إنتاج هذه الطائرة، فسيكون لذلك تداعيات أبعد من وقف تسليمها هذه الطائرة؛ إذ سيؤدي ذلك إلى خسارة آلاف فرص العمل وخسارة مادية تقدر بعدة مليارات من الدولارات لتركيا.

ومن المتوقع، أن تشتري تركيا نحو مائة طائرة من هذا الطراز بينما يتدرب نحو 40 طيارًا تركيًا وطاقم صيانة في الولايات المتحدة إلى جانب نظرائهم الأمريكيين على قيادة هذه المقاتلة وصيانتها وشارفوا على انتهاء التدريب.

أوروبيًّا، أوضح مسؤول دفاعي بارز في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي أنه “لا يمكن لحلف شمال الأطلسي إجبار تركيا على عدم الشراء لكن إذا مضت أنقرة فيه قدمًا بالفعل، فيمكن أن يكون له تبعات على تبادل المعلومات المخابراتية داخل الحلف وعلى صفقات دفاعية أخرى”.

وفيما يتعلق بالعقوبات الأوسع، يمكن للإدارة الأمريكية فصل الكيانات التركية عن المؤسسات المالية الأمريكية، ومنع منح التأشيرات للمسؤولين أو التنفيذيين الأتراك، وتجميد أصولهم الأمريكية، وعرقلة قدرة تركيا على جمع الأموال في المؤسسات الدولية وغيرها.

ويمكن هنا الإشارة لأسباب التخوف الأمريكي من شراء منظومة الدفاع الروسية من قبل حلفائها، ومنها:

أولًا: توفر سلاح دفاعي بخصائص فنية متطورة سيمكّن الحلفاء من شراء أسلحة روسية أخرى.

ثانيًا: الحصول على تكنولوجيا تنافس التي تمتلكها إسرائيل، ومن ثم تهديد الحليف الرئيسي لواشنطن.

ثالثًا: تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة بما أن السلاح بات أحد الأدوات المؤثرة في العلاقات بين الدول.

رابعًا: بث روح الحرب الباردة من جديد رغم اعتقاد واشنطن بحسم الحرب بانهيار الاتحاد السوفيتي.

عودة شبح الحرب الباردة

وفي هذا السياق، بدأت التساؤلات عن إمكانية عودة الاستقطاب وبداية حرب باردة جديدة، في حال قرر أردوغان مغادرة المعسكر الغربي، فقد تتسبب الصفقة في سلسلة من الخلافات قد تعزل تركيا تدريجيًا وربما تقصيها من حلف الناتو.

توجه الحلفاء لشراء أسلحة دفاع روسية بمزايا متطورة، لم يخطر ببال إدارة ترامب إذ كانت تعتقد أنها ضمنت هذه الأسواق الحليفة، وأن المصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة التي تجمعها بها، كفيلة بتذويب أيّ طموح للتقارب مع الدب الروسي لكن العكس هو ما حدث.

وإلى جانب الصفقات الروسية، هناك تدريبات عسكرية للجيش الروسي، باتت الآن أكثر طموحًا، كما لو أن حربًا شاملة قد تندلع غدًا، وفي المقابل هناك إجراءات أمريكية تثير القلق وتقرب الأطراف المعنية من خطر المواجهة، ومن بينها تعليق ترامب التزامات بلاده في معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى المبرمة مع موسكو عام 1987 أثناء الحرب الباردة، وبدء انسحابه منها بحجة انتهاك موسكو للمعاهدة.

كل ذلك، يشير إلى سباق محموم على التسلح النووي وعودة سريعة لأجواء الحرب الباردة، وإعادة رسم خريطة التحالفات الاستراتيجية بما يثير القلق، ولكن هذه المرة سيكون السباق النووي مرعبًا، خاصة مع صعود الأحزاب اليمينية في أغلب البلدان، وسيطرة الرئيس ترامب على مقاليد الأمور في الولايات المتحدة.

ربما يعجبك أيضا