بعد الانسحاب الأمريكي .. قلق تركي من عودة سوريا للحضن العربي

شيماء مصطفى

رؤية

تبدو خارطة الأحداث المتسارعة على الساحة السورية مؤخرا وما تثيره المواقف الأمريكية من ردود أفعال ومن سيستثمر في الورقة الكردية، تبدو تلك الخارطة متشابكة إلى حد بعيد.

هنالك كثير من مؤشرات أن الرياح هناك لا تسير بما تشتهي السفن التركية وعلى ما يشتهي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان الأكثر سعادة بالانسحاب الأمريكي المفترض لتتبع ذلك تصريحات أمريكية تحذر تركيا من الانتقام من الأكراد في أعقاب الانسحاب.

وأعربت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية، عن تخوف تركيا من عودة السفارات العربية إلى دمشق. واعتبرت أن العودة إلى سوريا يستهدف تركيا قبل إيران.

ودار الحديث في الآونة الأخيرة، عن احتمال عودة سوريا للحضن العربي. وتوقعت وسائل إعلام عربية مشاركة الرئيس الأسد في القمة العربية في آذار المقبل في تونس. أو في اتجاه دعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى القمة الاقتصادية التي ستُعقد في بيروت في التاسع عشر من كانون الثاني الجاري.

وحسب صحيفة اللواء اللبنانية، ما يرفع منسوب التوقعات باحتمال اتخاذ قرار إنهاء تجميد عضوية سوريا هو الاتجاه لدى العديد من الدول العربية لاستعادة دمشق إلى الحضن العربي. في معلومات أوساط الخارجية اللبنانية أن المغرب والجزائر وتونس والعراق والأردن ومصر أبلغوا لبنان رغبتهم في عودة سوريا إلى الجامعة، وأن ذهاب الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق وإعادة فتح سفارتي الإمارات والبحرين، يُؤشّران إلى عدم ممانعة سعودية، وإلى أن المناخ العربي حيال نظام الأسد قد تبدّل، لجهة قرار مقاطعته وعزله.

وأرسلت تركيا جيشها إلى سوريا مرتين لمهاجمة الوحدات الكردية، لكنها أرجأت هجوما على منطقة كبيرة خاضعة للأكراد في شمال شرق سوريا تنشط بها قوات أمريكية.

وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمردا في تركيا منذ 34 عاما.

بومبيو يحذر

صرح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو -مساء الخميس في مقابلة مع موقع “نيوزماكس” الإخباري الأمريكي المعروف بقربه من المحافظين- أنّ “الأهمية هي لضمان ألّا يقتل الأتراك الأكراد، ولحماية الأقليّات الدينية في سوريا. كلّ هذه الأمور لا تزال جزءًا من المهمّة الأمريكية”.

بدا بومبيو، وكأنه يذكر الأتراك بمذابح الأرمن وأظهر تخوّفا من تكرارها ضدّ الأكراد.

ورفض الوزير الأمريكي، كذلك، الإعلان عن الجدول الزمني المقرّر لسحب الجنود الأمريكيين من شمال سوريا، وذلك كي “لا يعرف خصوم” الولايات المتحدة “متى بالتحديد” سينسحب الجنود الأمريكيون من الأراضي السورية.

ويخشى الأكراد السوريون مصير منطقة عفرين قتلًا ونهبًا وتهجيرًا بعد أن احتلتها في مارس الماضي تركيا وقوات سورية مُعارضة موالية لأنقرة، مُعظمها إسلامية مُتشدّدة. ونشرت هيومن رايتس ووتش –مؤخرا- تقريرا قالت فيه: إن المعارضة المدعومة من تركيا “استولت على ممتلكات مدنيين أكراد في مدينة عفرين شمالي سوريا ونفذت عمليات نهب وتدمير”.

وهددت أنقرة بشنّ هجوم على وحدات حماية الشعب الكردي. وأثار قرار ترامب قلقا لدى حلفاء واشنطن، كما أدى إلى استقالة وزير دفاعه جيم ماتيس والمبعوث الأمريكي الخاص لدى التحالف الدولي لمكافحة الجهاديين بريت ماكغورك.

صدمة تركيا

ندّدت تركيا الجمعة، وتحت وقع الصدمة، بتصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو. واعتبرته تركيا فضيحة بحقها، فقد اعتبرت الوكالة التركية الرسمية أنّ ما أدلى به بومبيو هو بمثابة فضيحة بحق تركيا من خلال حديثه عن عدم قتل الأكراد من قبل الأتراك وحماية الأقليات الدينية في سوريا.

وتجنّبت تركيا التصعيد أكثر مع الولايات المتحدة رغم تصريحات بومبيو، وذلك حفاظا على مكاسب أنقرة –المُتراجعة- من جرّاء الانسحاب الأمريكي المتوقع من شمال سوريا، وفقا لمُتابعين للشأن التركي.

وقال حامي أقصوي -الناطق باسم وزارة الخارجية التركية- إن “قيام الوزير بومبيو بمساواة منظمة وحدات حماية الشعب الكردي الإرهابية مع الأكراد، حتى لو لم يكن ذلك مُتعمدا، ينمّ عن نقص مقلق في المعلومات”.

وتابع أقصوي، إنّ أنقرة “لا يمكنها أن تقبل بأن يتم اعتبار هذه المنظمة الإرهابية شريكًا في مكافحة” تنظيم الدولة الإسلامية مشددا على أن تركيا “ستواصل تأمين حماية أكراد سوريا”.

خدعة أمريكية للروس

من جهة أخرى، اعتبر عقيد أمريكي متقاعد أن قرار سحب قوات بلاده من سوريا “خطوة ذكية”، من شأنها أن تفسد العلاقة بين روسيا وحلفائها في المنطقة.

وقال العقيد دوجلاس ماكغريغور -في حديث لقناة فوكس نيوز الأمريكية- إن روسيا عملت جاهدة منذ فترة طويلة على إقامة علاقات مع تركيا وإيران والمتمردين السوريين، لكن انسحاب القوات الأمريكية سيفرض عليها ضرورة الاختيار بين تلك الأطراف.

وأضاف، وفقا لوكالة تاس الروسية، علينا مغادرة شمال سوريا في أسرع وقت ممكن، لأن هناك عشرات الآلاف من الجنود الأتراك المستعدين لمهاجمة الإرهابيين الأكراد الذين اعتدوا على تركيا في هذه المنطقة. لقد أجبرنا الحكومة السورية على دخول المنطقة، تزامنا مع مغادرتنا لها، وسيكون على روسيا أن تختار، وإذا سمحت لتركيا بدخول سوريا، سوف تفقد نفوذها على السوريين والإيرانيين.

وأضاف، أنه بسحب قواتها من سوريا، أزالت الولايات المتحدة العامل الذي كان يجمع بين الشركاء المختلفين، معتبرا أنه “لم يعد هناك أي أساس لتعاون الروس والأتراك والإيرانيين من حيث المبدأ، وهذا أمر جيد”.

ولملء الفراغ المتوقع، يريد الأكراد من روسيا أن تساعدهم في تأمين نشر الجيش السوري على الحدود الشمالية. وهذا جزء من جهد أوسع لإبرام اتفاق مع دمشق يصون وضع الحكم الذاتي الذي يتمتعون به.

تحالف الأكراد مع الأسد

الواضح، أن أكراد سوريا بدأوا يعدون العدة لما هو آت، بما في ذلك احتمالات قلب الطاولة على الجار العثماني المتنمر، الذي ينتظر الفرصة لينقض على تحالف الأكراد السوريين، أو ما يعرف بقوات حماية الشعب الكردي وتنظيم بي كاكا.

وفي آخر المستجدات، قال مسؤول كردي سوري بارز، لرويترز، إن زعماء أكراد سوريا يسعون إلى اتفاق سياسي مع حكومة بشار الأسد بوساطة روسية بغض النظر عن خطط الولايات المتحدة للانسحاب من منطقتهم.

وقال بدران جيا كرد: إن الإدارة الذاتية التي تسيطر على معظم شمال سوريا عرضت خارطة طريق لاتفاق مع الأسد في اجتماعات في الآونة الأخيرة في روسيا، وتنتظر رد موسكو.

وإذا أُبرم الاتفاق، فإنه سيوحّد مجددا أكبر منطقتين في البلد الذي مزقته الحرب الدائرة منذ ثمانية أعوام، وسيترك منطقة واحدة في شمال غرب البلاد في أيدي المعارضة المناوئة للأسد والمدعومة من تركيا.

وتشير المحادثات مع روسيا والمبادرات الجديدة تجاه دمشق إلى تغيير في الاستراتيجية الكردية منذ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا.

ومن أهم الأولويات الملحة للأكراد إيجاد سبيل لحماية المنطقة من تركيا التي تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية المسلحة تهديدا لأمنها القومي.

والأهداف الرئيسية لخارطة الطريق هي حماية الحدود من تركيا، وإيجاد وسيلة لدمج الكيانات الحاكمة في شمال سوريا في الدستور، وضمان التوزيع العادل للموارد في شمال وشرق البلاد.

وسيكون أحد التحديات الرئيسية التوفيق بين مطالب الحكم الذاتي الإقليمي وهدف الأسد بسط السلطة على كامل البلاد مرة أخرى. كان وزير الخارجية السوري قد قال -في الآونة الأخيرة- إن إقامة نظام اتحادي في سوريا غير مقبول.
 

ربما يعجبك أيضا