بعد البريكست البريطاني.. لماذا فقد الاتحاد الأوروبي بوصلة الخدمات المالية؟

آية سيد

منذ خروج بريطانيا تتشتت أسواق الاتحاد الأوروبي عبر عدة مراكز مالية ما يهدد مشروعات "اتحاد الأسواق الرأسمالية" و"الاتحاد المصرفي"


كان من الممكن أن يخلق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي زخمًا جديدًا، لكي يعزز التكتل أسواقه الرأسمالية، أو يكمل سوقًا موحدة للخدمات المصرفية.

ولكن بعد مرور 3 سنوات على خروج لندن، يضل الاتحاد الأوروبي طريقه في ما يتعلق بالخدمات المالية، بحسب ما أورد تقرير لصحيفة بوليتيكو، في 3 مايو 2022، الذي أشار إلى معاناة أجندة الخدمات المالية الأوروبية بعد البريكست، مع عدم تقدم أي دولة لتشغل مكان بريطانيا.

دور بريطانيا في تكوين سياسة الخدمات المالية

قال الزميل في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، نيكولاس فيرون، إن “بريطانيا كانت عقدة مركزية في النقاش بشأن سياسة الخدمات المالية. وكانت الدول الأعضاء الأخرى تتفاعل فقط مع المواقف البريطانية، لكن هذا انتهى الآن”. ولفت التقرير إلى أن مشروعات “اتحاد الأسواق الرأسمالية” و”الاتحاد المصرفي” للاتحاد الأوروبي قد تتحول إلى شعارات فارغة.

وذكر أن أحد الأمثلة على ذلك هو الخطة الرئيسة التي وضعها رئيس مجموعة اليورو، باسكال دونوهو، لكسر الجمود حول الاتحاد المصرفي. وقوبلت الخطة ببرود يوم أمس الثلاثاء، وظل وزراء مالية معظم الدول متمسكين بمواقفهم الوطنية. وتعقيبًا على ذلك، قال دونوهو، “يظل الاتحاد المصرفي مشروعًا غاية في التعقيد، على المستويين الفني والسياسي”.

غياب التواصل مع الأسواق المالية

ترى بوليتيكو في تقريرها، أن البريكست جعل بروكسل تفتقر إلى التواصل المباشر مع الأسواق المالية، ونقلت عن الرئيس التنفيذي لمعهد الدراسات الأوروبية، كاريل لانو، “لدينا أسواق رأسمالية منظمة أكثر مما ينبغي، ونحتاج إلى وجود لوائح تنظيمية أكثر مرونة وأكثر تكيفًا”.

ولا يزال الاتحاد الأوروبي يتابع بريطانيا من كثب، وتوضح وثيقة، حصلت عليها بوليتيكو، أن المفوضية أحاطت خبراء في العواصم الأوروبية بشأن تحليل مفصل للاختلافات بين إصلاحات الأسواق الأوروبية والإصلاحات المتبعة في لندن. وتشير هذه الخطوة الاستثنائية، بحسب المجلة، إلى المجالات التي يسلك فيها الاتحاد الأوروبي وبريطانيا اتجاهات مختلفة.

إصلاحات الأسواق الرأسمالية الأوروبية

يقول التقرير “ضمن أكبر الإصلاحات جهد يهدف إلى خلق شريط أسعار للأسهم والأدوات المالية الأخرى. وهذا الشريط يساعد اللاعبين في السوق على تحديد أفضل سعر وحجم لتداولاتهم، عبر أسواق الاتحاد الأوروبي المتفرقة، ودون لندن، تتشتت أسواق الاتحاد الأوروبي عبر عدة مراكز مالية، مثل أمستردام ودبلن وفرانكفورت ولوكسمبورج وباريس، وأنواع مختلفة من أماكن التداول.

وذكر التقرير أن إحدى العقبات الرئيسة أمام شريط الأسعار المعزز، هي أن النقاش حوله مستقطب بشدة، لأن أسواق الأسهم، والبنوك الاستثمارية، ومديري الصناديق المالية، وحتى المستثمرين في بيع التجزئة يخوضون حربًا بشأن التصميم المحدد للمشروع. ولفت التقرير إلى أن البورصات تمانع، لأن شريط الأسعار سيلتهم نموذج عائداتهم، وهذا يخلق مشكلة سياسية، لأن العواصم الفردية لا تريد الإضرار بأماكن التداول الوطنية الخاصة بها.

الاستقلال الاستراتيجي

أفاد التقرير أن أجندة فرنسا “للاستقلال الاستراتيجي” اكتسبت زخمًا جديدًا، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. وبالنسبة إلى الخدمات المالية، أصبح الميل للحمائية أكثر وضوحًا في النقاش، بشأن مقاصة اليورو. وتحاول المفوضية فرض تحوّل على القارة لتعزيز نظامها المالي وبناء قدراتها.

وتظل المقاصة المجال الوحيد في الخدمات المالية البريطانية، الذي يحظى بإمكانية دخول مستمرة لأسواق الاتحاد الأوروبي، لكن الرغبة في نقل المقاصة داخل الاتحاد هي جزء من التشديد على تقليل الاعتماد على مدينة لندن، بما يتوافق مع أجندة الاستقلال الاستراتيجي.

منتدى أفكار

قالت رئيسة الخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي، مايرد ماجينيس، في خطاب مثير للجدل بسبب مقارنة اعتماد الاتحاد على النفط الروسي بالاعتماد على غرف المقاصة اللندنية، “يتعلق الأمر بالوقوف على قدمينا، والثقة بمكانتنا في العالم، مع الحفاظ على الانفتاح والتنافسية”. وذكر التقرير أن ماجينيس وضعت خططًا لإنشاء “منتدى أفكار” مع الصناعة والمواطنين حول المستقبل المالي.

وسيحاول المنتدى إلقاء نظرة على “الصورة الأكبر” ومعالجة القضايا، مثل تغير المناخ والتحول الرقمي. وإضافة إلى هذا، توجد خطط لاستراتيجية استثمار في بيع التجزئة بنهاية العام. وقد يساعد هذا المنتدى الاتحاد الأوروبي في تحديد ما يريده من الخدمات المالية، ويشمل هذا كيفية وضع حد فاصل بين النظام المالي القوي والأسواق المفتوحة.

ربما يعجبك أيضا