بعد ضغوط على سلطات الاحتلال الاسرائيلي.. محتوى ممول لمواجهة المقاطعة

محمد عبد الدايم

كتب – د محمد عبدالدايم

كشفت وسائل إعلام إسرائيلية مستقلة بأن وزارة الشؤون الاستراتيجية والدعاية دفعت لصحيفة جيروزاليم بوست، في مقابل مقالات ورسائل موجهة تعبر عن سياسة الوزارة التي تعتبر إحدى الوزارات الجديدة نوعا ما في الحكومة الإسرائيلية، حيث تأسست للمرة الأولى عام 2006، وحمل حقيبتها في حينه أفيجادور ليبرمان، ثم تم إلغاؤها بعدها بسنتين، وعادت مجددا عام 2009، وحاليا تحمل حقيبتها الوزيرة أوريت فاركاش هاكوهين، وهي محامية إسرائيلية وعضو عن حزب كاحول لافان الشريك بالائتلاف الحكومي، والمسؤولية الرئيسية لهذه الوزارة هي مناهضة حملة المقاطعة وسحب الاستثمارت وفرض العقوبات (BDS)، وهي الحملة الاقتصادية الدولية التي ظهرت عام 2005.

من المعروف أن جيروزاليم بوست صحيفة إسرائيلية يومية تصدر باللغة الإنجليزية، وقد صدرت طبعتها الأولى عام 1932 قبل قيام إسرائيل، وكانت تسمى جريدة”The Palestine Post” ، ثم تغير اسمها إلى جيروزاليم بوست بعد قيام إسرائيل، وناشرها الحالي هو رجل الأعمال الإسرائيلي إيلي عازور أحد أقطاب صناعة الإعلام في إسرائيل.

تلميع مسؤولي الوزارة وداعمي إسرائيل
في مقابل الأموال الحكومية نشرت الصحيفة لقاءات صحفية مع مسؤولين بالوزارة وعاملين بمنظمات تابعة لها وتعمل بالتنسيق معها داخل إسرائيل وخارجها.
ومثلما تم الكشف عن دورها في التوسط بين الجيش ووسائل الإعلام (كما جاء في التقرير السابق لشبكة رؤية الإخبارية)؛ ظهرت دائرة النشر الحكومي (لابم) كجهة وسيطة في الصفقة بين وزارة الشئون الاستراتيجية وجيروزاليم بوست، وهي الصفقة التي بدأت في يونيو 2019، ولم تظهر تفاصيلها إلا مؤخرا، حيث خرجت اللقاءات الصحفية الممولة فيما يشبه الكتيب الإعلاني للوزارة، دون أن يُعلن دورها في التمويل، والدفع مقابل المحتوى.
من بين المقالات الممولة التي تم الكشف عنها في إطار الصفقة؛ حوار صحفي مع السيناتور الأمريكي عن الحزب الجمهوري تيد كروز، الذي تنافس سابقا مع ترامب قبل أن يخسر من الأخير الذي تأهل عن الحزب للانتخابات الأمريكية، ومن المعروف أن كروز أحد الكوادر السياسية الداعمة بشدة لإسرائيل داخل الحزب الجمهوري والولايات المتحدة، وأجرى الحوار معه المحرر ستيف ليندي، الذي شغل منصب رئيس تحرير جيروزاليم بوست، وحاليا يدير مجلة “جيروزاليم ريبورت”، وجاء الحوار الصحفي مع كروز بعنوان: “الولايات المتحدة تقول لا لحملة المقاطعة”.
إلى جانب كروز، اشتمل الحوار الصحفي الممول على لقاء مع تيد ديوتش، وهو يهودي أمريكي، وأحد أعضاء مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي، وفي هذا الحوار وصف المحرر ستيف ليندي الساسة الأمريكيين بأنهم “محاربون أقوياء” ضد حركة المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، كما تضمن اللقاء الصحفي كذلك جمل مفتعلة تتملق الرئيس الأمريكي ترامب، حتى أن تيد كروز، الذي واجه في السابق حربا شرسة من ترامب حينما تجرأ ونافسه داخل الحزب الجمهوري، قد مدح الرئيس الأمريكي، واعتبر أن قراره بنقل سفارة الولايات المتحدة للقدس بمثابة “رسالة قوية” لأعداء إسرائيل، باعتبار أن القدس “العاصمة الدائمة للشعب اليهودي منذ أكثر من 3000 عام”.
محتوى ممول لمواجهة المقاطعة
ليست هذه هي المرة الأولى التي تدفع فيها وزارة الشؤون الاستراتيجية أموالا لشراء مقالات صحفية تُلمع ساسة أمريكيين ومسؤولين بالوزراة، ففي نوفمبر 2017، تم توزيع ملحق خاص على مشتركي الجريدة الأسبوعية ماقور ريشون (المصدر الأول) التابعة لمجموعة يسرائيل هايوم، وتضمن هذا الملحق مقالات خاصة تمدح الساسة الذين يواجهون حملة المقاطعة.
من بين المقالات الممولة في هذا الملحق ما جاء تحت عنوان “في منطقة مزقتها الحروب إسرائيل ديمقراطية حقيقية”، وهو منشور في نوفمبر 2017، ويتضمن حوارا مع السيناتور الجمهوري ماركو روبيو أحد المؤيدين بشدة لإسرائيل، والذي تلقى في السابق دعما من الثنائي شيلدون ومريم أديلسون (صاحبا يسرائيل هايوم وماقور ريشون) من أجل سباق الرئاسة الأمريكية، قبل أن يحولا دعمهما للرئيس ترامب، ويمنحا حملته والحزب الجمهوري دعما ماليا وصل إلى ما يقرب من 200 مليون دولار.
نقلت مصادر صحفية أن مجموع ما دفعته وزارة الشؤون الاستراتيجية لشراء ملحق ماقور ريشون وصل إلى نحو 370 ألف شيقل إسرائيلي، فيما تلقت جيوزاليم بوست مبلغا وصل إلى 120 ألف شيقل، إضافة إلى ثلاث صفقات أخرى، تضمنت شراء مقالات، ورعاية مؤتمرات وصلت تكلفتها إلى 375 ألف شيقل دفعتها الوزارة لجيروزاليم بوست، علاوة على مئات الآلاف من الشواقل تم دفعها لشراء محتوى إعلامي موجه في مجموعة قيشت الإعلامية وصحيفة يديعوت أحرونوت ووسائل إعلامية أخرى.

كانت مسؤولية وزارة الشئون الاستراتيجية في وقت الصفقة مع جيروزاليم بوست مع الوزير جلعاد أردان (عن حزب هاليكود)، والذي يشغل حاليا منصب سفير إسرائيل بالأمم المتحدة، واللافت أن أردان لم يظهر اسمه كثيرا في إطار حملات الدعاية الممولة للوزارة، لأن القانون الإسرائيلي يقيد مشاركة الوزراء في الحملات الإعلامية الممولة من الوزارات الحكومية.

مقلاع سليمان ضد المقاطعة
من بين اللقاءات الممولة كذلك نشرت جيروزاليم بوست لقاء مع يوسي كوبرفارسر، الذي شغل منصب مدير عام وزارة الشئون الاستراتيجية، وأسس منظمة “قيلع شلومو” (مقلاع سليمان) التي عملت كجبهة “كدنية” تحت رعاية الوزارة لمواجهة حملات المقاطعة الاقتصادية، وعملت على تدشين حملات لجذب الوعي الجماهيري للمسألة، باعتبارها “حربًا اقتصادية على إسرائيل”.
سلطت جيروزاليم بوست الضوء على منظمة قيلع شلومو، ونشرت مقالا مصورا عن نشاطها، الذي يتضمن كذلك جمع تمويل والدفع لشركات دعاية أمريكية تواجه حملات المقاطعة، ورغم أن المنظمة أثبتت فشلا ذريعا في تحركاتها؛ فإن الصحيفة صورت نشاطها بأنه “مذهل” وحقق “نجاحا باهرا”.
تلميع المنظمات الداعمة لإسرائيل
من بين الحملات التي نشرتها صحيفة جيروزاليم بوست ومولتها وزارة الشؤون الاستراتيجية مجموعة من المقالات لصالح منظمات وجمعيات مؤيدة لإسرائيل، مثل منظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل”، ومؤسسة “الصداقة بين المسيحيين واليهود”، وكذلك “المنتدى القانوني الدولي”.

بعد الكشف عن هذه الصفقات الممولة من أموال حكومية في فترة الوزير جلعاد أردان، لم تصدر صحيفة جيروزاليم بوست تعليقا عن القضية، فيما ردت مصادر بالوزارة التي ترأسها حاليا أوريت فاركاش هاكوهين بأن مشاركة مسؤولين بالوزارة في حملات دعاية جاءت “متوافقة مع الضوابط القانونية الحاكمة، وتمت الموافقة عليها بعد موافقة المستشارة القانونية للوزارة”، فيما لم يشارك الوزير جلعاد أردان في الحملات الممولة بملحق جيروزاليم بوست، حيث لم يظهر في لقاء صحفي أو صورة أو إعلان دعائي لشخصه، وإنما ورد اسمه بشكل إعلامي روتيني بصفته الوزير المسؤول.

مما سبق وكشفته وسائل الإعلام المستقلة أن الوزارات الإسرائيلية تعمل بالتنسيق مع دائرة النشر الحكومي (لابم) لتنظيم حملات ممولة لصالح تلميع شخصيات ومؤسسات مؤيدة لإسرائيل وحكومتها وسياساتها، داخليا وخارجيا، وتركزت حملة وزارة الشؤون الاستراتيجية على الصفقات مع جيروزاليم بوست باعتبارها صحيفة ناطقة بالإنجليزية، يمكنها توصيل رسالة الوزارة للعالم الخارجي، وخصوصا المجتمع الأمريكي ومؤسساته الداعمة لليمين الإسرائيلي الحاكم، في إطار مواجهة الحملة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد لمقاطعة إسرائيل اقتصاديا ردا على سياساتها بحق الشعب الفلسطيني.

ربما يعجبك أيضا