بعد 175 عامًا .. واشنطن تنسف الدبلوماسية وتنحاز لصفقة القرن

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

مع بدء سريان قرار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، دمج القنصلية الأمريكية العامة في القدس مع السفارة، تكون الولايات المتحدة قد نسفت 175 عامًا مع العلاقات الدبلوماسية، ودعمت انحيازها المُطلق لإسرائيل قبيل الانتخابات المقررة في تل أبيب، فضلًا عن تقويض ملف التسوية في الشرق الأوسط بانتظار خطة ترامب المُرتقبة “صفقة القرن”، والتي بدأت تستعد لها بخطواتها المُنفردة في القدس والمخالفة للأعراف والقوانين الدولية، دعمًا لليمين المتطرف في إسرائيل وتمهيدًا لفرض تسوية سياسية على الفلسطينيين.

دمج القنصلية في السفارة

في خطوة متوقعة، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية -في بيان لها- أن قرار الولايات المتحدة خفض تمثيلها لدي الفلسطينيين سيدخل حيز التنفيذ، اليوم الإثنين، عبر دمج قنصليتها في القدس بسفارتها لدي إسرائيل.

وبحسب البيان، سيتم دمج القنصلة الأمريكية بالقدس بالسفارة الأمريكية لتشكلا بعثة دبلوماسية واحدة، بعد أن كانت القنصلية الأمريكية تمثل بحكم الأمر الواقع سفارة لدي الفلسطينيين منذ توقيع اتفاق أوسلو في تسعينات القرن الماضي.

وكانت القنصلية الامريكية قد افتتحت لأول مرة عام 1844 كبعثة دبلوماسية مستقلة لواشنطن في المدينة القديمة من القدس، داخل بوابة يافا، فيما يعرف الآن بمركز الدراسات المسيحية السويدية، وبهذا القرار الأمريكي تكون الولايات المتحدة نسفت 175 عامًا من العلاقات الدبلوماسية، بحسب المُحللين.

يذكر أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، كان قد أعلن عن قرار إنشاء بعثة دبلوماسية في القدس أكتوبر الماضي، على أن يتم تنفيذه على نطاق أوسع مطلع مارس الجاري.

وعن هذه الخطوة، قال وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، إنها لا تعني تغييرًا في السياسات الأمريكية تجاه الفلسطينيين، مُضيفًا أن “توحيد الخدمات الدبلوماسية سيعني أن القسم الخاص بالخدمات القنصلية الأمريكية المقدمة للفلسطينيين سيصبح في عهدة السفير الأمريكي ديفيد فريدمان”، الذي يعد واحدًا من أكبر المؤيدين للاحتلال الإسرائيلي والاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، روبرت بالادينو، إن القرار جاء من أجل كفاءة العمل، ولكي تكون هناك “استمرارية كاملة للنشاط الدبلوماسي، والخدمات القنصلية الأمريكية”، لافتًا إلى أن القرار لا يشير إلى تغير في السياسة الأمريكية بشأن القدس، أو الضفة الغربية أو قطاع غزة”.

ويأتي القرار بعد اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل ديسمبر 2017، ونقل السفارة من تل أبيب للقدس في مايو الماضي، متجاهلًا قراري مجلس الأمن 478، 476 اللذيْن تحدثا بشكل واضح عن منع نقل السفارات الى القدس باعتبارها أرضا محتلة، الأمر الذي دفع القادة الفلسطينيين لمقاطعة الجهود الأمريكية الرامية لصياغة خطة سلام طال انتظارها بين إسرائيل وفلسطين، مُتهمين واشنطن بالانحياز إلى إسرائيل.

غضب فلسطيني

 أثار هذا الدمج مخاوف الفلسطينيين، من أن إدارة ترامب تقلل من شأن التعامل معهم بشأن مدينة القدس المتنازع عليها والتي تضم أماكن مقدسة.

وبعد إعلان بومبيو لخطة دمج القنصلية مع السفارة، استنكر المسؤول الفلسطيني صائب عريقات القرار، ووصفه بأنه أحدث دليل على أن إدارة ترامب تعمل مع إسرائيل لفرض “إسرائيل الكبرى” بدلًا من حل الدولتين.

وقال عريقات: إن دمج القنصلية الأمريكية بالسفارة يمثل المسمار الأخير فى نعش دور الإدارة الأمريكية فى صناعة السلام، وأضاف عريقات أن القنصلية عملت 175 عامًا في القدس، وإغلاقها لا علاقة له بالأداء، وإنما بالإيديولوجيا المتعصبة التى ترفض أن يكون للشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير.

من جهتها، أدانت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د. حنان عشراوي، هذه الخطوة  قائلة: إن الإدارة الأمريكية تعمل على تنفيذ ما تسمى بـ”الصفقة الكبرى” من خلال خطواتها الأحادية بشأن القدس والأونروا وحجب التمويل عن فلسطين وغيرها من الممارسات التي تندرج تحت غطاء الانتظار لتفاصيل خطتها التي فشلت قبل أن تُعلن.

ولفتت عشراوي إلى أن هذه الخطوة تأتي في سياق الدعم الأمريكي المطلق لليمين الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص دعم ومساندة الوجه العنصري الاستيطاني المتمثل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وائتلافه المتطرف في خضم المعركة الانتخابية التي تجري على الساحة الإسرائيلية.

خطة ترامب المُستحيلة

كل هذه الإجراءات الأمريكية في القدس تتزامن مع ترقب إعلان خطة ترامب للسلام المنتظرة منذ فترة طويلة في الأشهر المقبلة، إلا أن الخطوات الأمريكية المنفردة بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي قد تجعل ملف التسوية في الشرق الأوسط مُستحيلُا.

من جانبها، نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، تقريرًا عن الصفقة النهائية التي يسعى ترامب لتمريرها، والتي باتت على وشك أن تدخل مرحلة ما قبل الإطلاق.

وبغض النظر عن الصفقة المُنتظرة، فهناك خطة أخرى للمنطقة قد بدأت بالفعل على الأرض، تحاول فيها الولايات المتحدة تقوية الجانب الإسرائيلي وإضعاف الفلسطينيين، وهو ما حدث مع إيقاف الدعم المالي عن “الأونروا” وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وإغلاق مكاتب الدبلوماسية الفلسطيسنية في واشنطن، ومؤخرًا إغلاق القنصلية الأمريكية التي كانت تخدم الضفة وغزة.

وإلى جانب ما سبق، تأتي جولة جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي ترامب ومستشارة لبحث خطة السلام في الشرق الأوسط بتمرير استثمارات مالية ضخمة للضفة وغزة ، مقابل تمرير ما يطلق عليه “صفقة القرن” والتي ستضر بمجملها بحقوق الفلسطينيين وتخدم مصالح إسرائيل والولايات المتحدة.

ويأتي قرار دمج القنصلية الأمريكية العامة بالقدس مع السفارة استكمالًا للخطوات الأمريكية الرامية لتنفيذ ما يسمى “صفقة القرن”، من خلال فرض تسوية سياسية على الفلسطينيين في إطار الصفقة التي ينتظر إعلانها بعد الانتخابات الإسرائيلية والتي تسعى إلي تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على فكرة حل الدولتين.
 

ربما يعجبك أيضا