بعد 51 عامًا على رحيله.. الجزائر ترُد الجميل لـ”كازانوفا الشرق”

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

“محمد فوزي” أو كما يُطلق عليه “كازانوفا الشرق”، سبق عصره بألحانه وأغانيه المتفردة التي أثرت عالم الغناء والتلحين والإنتاج، لم يحبطه الفشل والإحباط في بدايته الفنية.. إصراره كان عنوانًا لرحلته المُثمرة التي أضاءت سماء الفن المصري والعربي وانتهت برحيله بعد معاناة طويلة مع المرض.

ورغم رحيله، يظل “محمد فوزي” أحد عباقرة القرن العشرين في الغناء والموسيقى، فعندما غنى ولحن التف حوله النساء والرجال، وبابتسامة بريئة بأغانيه عشقه جميع الأطفال، وألهب العاشقين بأجمل الأغاني والأفلام التي كانت ولا زالت من علامات الموسيقى والغناء والسينما.

واليوم يأتي تخليد الجزائر لذكراه وعطائه الفني بإطلاق اسمه على المعهد العالي للموسيقى ومنحه “وسام الاستحقاق الوطني” بعد الوفاة، ليعيد للأذهان لمسته السحرية في تلحين النشيد الوطني للجزائر “قسمًا”، وعدد كبير من أغانيه وألحانه التي ستظل خالدة رغم رحيله منذ 51 عامًا.

موسيقار العصر

الموسيقار الراحل “محمد فوزي” استطاع أن يقدم فنا مختلفا عن فناني جيله وعمن سبقوه، بألحانه المتميزة وأغانيه التي مست قلوب الملايين من الوطن العربي.

حتى الآن، يظل “محمد فوزي” أول من قدم لحنًا بدون آلات موسيقية، اعتمد فيها على الأصوات البشرية بتنوعاتها من السوبرانو إلى الباص، وهو ما عرف بفن “أكابيلا”، وكانت أغنية “كلمني وطمني” تعبيراً حياً عن هذا الفن.
كان أول من قدم أغنية فرانكو آراب “يا مصطفى يا مصطفى” والتي غناها برونوموري شقيق الفنانة العالمية داليدا والمطرب بوب عزام في عام 1961، وبعد ظهور الأغنية في السينما في فيلم “الحب كده” انطلقت عشرات النسخ من هذه الأغنية مترجمة إلى العديد من اللغات منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية وصولا إلى اللغة الأردية، كما قدم بعدها أغنية فرانكو أراب أيضا وهي “فطومة أنا قلبي حبك”.

كان صاحب اللمسة السحرية في تلحين النشيد الوطني للجزائر “قسمًا”، الذي نظمه شاعر الثورة الجزائرية مفدى زكريا.

وردًا لجميل هذا المُلحن العبقري، أصدر الرئيس الجزائري “عبدالعزيز بوتفليقة”، بالأمس أمرًا بإطلاق اسم المغني والملحن المصري الراحل “محمد فوزي” على المعهد الوطني العالي للموسيقى بالجزائر، فضلا عن منحه “وسام الاستحقاق الوطني” ما بعد الوفاة.

“يأتي هذا التكريم في إطار تخليد ذكرى مرور 60 عاما على تأليف نشيد (قسما) وكذلك عرفانا من الجزائر بمن قدموا لها الدعم والمساعدة في وقت كان يتطلب ذلك”، وهو ما صرح به وزير الثقافة عز الدين ميهوبي.

بساطة أغانيه

“كلماته بسيطة لدرجة التعقيد، خفيفة تمس المشاعر بلا انتظار لترجمة معانيها كالرصاصة تبهر الموسيقيين الجدد ليعيدوا توزيعها”، هكذا وصفه الموسيقار الراحل “محمد عبدالوهاب”.

قدم ” محمد فوزي” خلال مشواره الفني ما يقرب من 400 أغنية منهم 300 أغنية في أفلامه أشهرها”حبيبي وعينيه”، و”طير بينا يا قلبي”، و”تملي في قلبي”، و”وحشونا الحبايب”، و”اللي يهواك اهواه”، و”مال القمر ماله”، “شحات الغرام” التي كانت البداية لأغاني الدويتو فيما بعد.

كان أول من غنى للأطفال مثل “ماما زمانها جاية”، “ذهب الليل”، “هاتوا الفوانيس يا ولاد” وغيرها، وهي من الأغاني التراثية التي لا زالت حاضرة في أذهان الملايين.

نجاح بعد الفشل

حبه وشغفه للموسيقى منذ الصغر دفعه لتعلمها على يد أحد رجال المطافيء “محمد الخربتلي” أحد أصدقاء والده، فكان يصحبه معه للموالد والأفراح متأثرًا بأغاني “محمد عبدالوهاب” وأم كلثوم”، ليلتحق بعدها بفرقة “بديعة مصابني” ليكون علاقة متينة مع “فريد الأطرش” و “محمد عبد المطلب” ، حيث شارك معهم في تلحين الاسكتشات والاستعراضات وغنائها، وعندما بلغ العشرين من عمره تقدم لامتحان الإذاعة فرسب كمطرب ونجح كملحن فقط .

ورغم ذلك لم ييأس واستمر لإبراز موهبته الغنائية بإحياء أعمال سيد درويش، وعندما سنحت له الفرصة للغناء في مسرحية “شهرزاد” لسيد درويش واجه الفشل، ما أصابه بالإحباط والتواري لفترة عن عيون الجماهير التي لم ترحمه. 

بعد التحاقه بفرقة “فاطمة رشدي”، طلب منه الفنان “يوسف وهبي” المشاركة في فيلم “سيف الجلاد” عام 1944، أدى خلالها أغنيتين من ألحانه، استطاع من خلالهما أن يلفت نظر المخرج “محمد كريم” الذي أسند إليه دور البطولة في فيلم “أصحاب السعادة” ليحقق الفيلم آنذاك نجاحًا غير متوقعًا، وهو ما ساعده بعد ذلك على تأسيس شركة “أفلام محمد فوزي” عام 1947، ليتربع بعدها على عرش السينما الغنائية والاستعراضية بل والإذاعية وتحديدًا بعد ثورة 1952.

وفي عام 1958، أسس شركة مصرفون لإنتاج الإسطوانات وتفرغ لإدارتها، فكانت بمثابة الضربة القاضية لشركات الإسطوانات الأجنبية التي كانت تبيع الإسطوانة بـ 90 قرشَا، بينما كانت شركته تبيعها بـ 35 قرشَا، فأنتجت شركته أغاني لكبار المطربين في ذلك العصر أمثال “أم كلثوم” و”محمد عبدالوهاب”وغيرهما.

ضربة قاسمة

النجاح المنقطع النظير الذي حققته شركة “محمد فوزي” وجودة إنتاجها، دفعت الحكومة إلى تأميمها عام 1961، وتعيينه مديرًا لها براتب 100 جنيه، وهو الأمر الذي أصابه باكتئاب حاد كان البداية لرحلة مرضه الذي حير أطباء العالم في تشخيصه وأطلق عليه وقتها “مرض فوزي”.

ومنذ ذلك الوقت، دخل “محمد فوزي” في دوامة طويلة مع المرض بدأت بسفره إلى بريطانيا وألمانيا دون أن يكتشف الأطباء أسباب مرضه وكيفية علاجه حتى وصل وزنه إلى 36 كيلو، إلى أن عُرف بعد ذلك باسم “تليف الغشاء البريتوني الداخلي للبطن”، وانتهت برحيله في 22 أكتوبر 1966.

تزوج “محمد فوزي” في بداية مشواره الفني بالسيدة هدية وأنجب منها ثلاثة أولاد، وبعد زواج استمر 9 سنوات انفصل عنها، ليتزوج من الفنانة مديحة يسري التي أنجب منها طفلًا واحدًا، وانفصل عنها بعد زواج دام 8 سنوات، وكان أخر زيجاته مع الفنانة “كريمة” التي تركت كل شيء من أجله وأنجبت منه بنتًا وظلت معه حتى وفاته.

كانت أخر كلماته، ما جاء في الوصية التي كتبها بنفسه قبل رحيله : “إن الموت علينا حق وإذا لم نمت اليوم سنموت غدا وأحمد الله أنني مؤمن بربي فلا أخاف الموت الذي قد يريحني من هذه الآلام التي أعانيها، فقد أديت واجبي نحو بلدي و كنت أتمنى أن أؤدي الكثير ولكن إرادة الله فوق كل إرادة البشر والأعمار بيد الله لن يطيلها الطب ولكني لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصرا في حق نفسي وفى حق مستقبل أولادي الذين لا يزالون يطلبون العلم في القاهرة.. تحياتي إلى كل إنسان أحبني ورفع يده إلى السماء من أجلي.. تحياتي لكل طفل أسعدته ألحاني.. تحياتي لبلدي.. أخيرا تحياتي لأولادي وأسرتي”.

https://www.youtube.com/watch?v=H9T0fbR6yjQ
https://www.youtube.com/watch?v=ObOstg4SRuY&list=PLxaxmZKw938Q9BZ5Cm27x1Q835haOh17y
https://www.youtube.com/watch?v=I9dSAJ6sJ4o
https://www.youtube.com/watch?v=5ccUUBMVmPw
https://www.youtube.com/watch?v=f5htyxw4QTM

ربما يعجبك أيضا