تآكل العمل الصحفي.. كيف يهدد عمالقة الإنترنت عرش صاحبة الجلالة؟

كتبت – علياء عصام الدين

مع التحول الرقمي الهائل وسيطرة عمالقة الإنترنت على القصص الإخبارية والإعلانات في شبكات التواصل الاجتماعي، تشهد صناعة الصحافة التقليدية والمواقع الإخبارية الإلكترونية مزيدًا من التدهور وتعاني المزيد من الضغوط القاسية التي لازمتها لسنوات.

فقد اقتطع عمالقة الإنترنت المسيطرين على الشبكة العنكبوتية جزءًا هائلًا من عائدات صاحبة الجلالة لصالح المنصات الرقمية وباتت الغلبة تحسب لصالح شركات التكنولوجيا الأمريكية يومًا بعد يوم.

وفي ضوء هذه السطوة ما زالت هناك محاولات للانفلات من قبضة حيتان الإنترنت من أجل منح قبلة الحياة مجددًا لميدان الصحافة.

اقتحام المجال الصحفي

على الرغم من سيل الانتقادات التي تتلقاها شبكات التواصل الاجتماعي يوميًا تارة بسبب تجاوزها للخصوصية وأخرى في تعاملها مع المنافذ الإخبارية والمنشورات، أطلق العملاق الأزرق “فيسبوك” مؤخرًا خاصية جديدة للأخبار في بريطانيا لعرض مقالات من الصحف المحلية والوطنية، يستطيع من خلالها المستخدمون الوصول إلى عناوين الأخبار والقصص الحديثة حسب اهتماماتهم، فضلًا عن ملخصات الأخبار خلال الأحداث الكبرى كجائحة كورونا على سبيل المثال، دون العودة والاتفاق مع أصحاب المؤسسات الصحفية بحكم حقهم الفكري في حفظ محتواهم الصحفي والإعلامي.

ومما لا شك فيه أن مثل هذه الممارسات وإن بدأت بلندن فقد تتوسع إلى دول أخرى بالتالي تلحق المزيد من الخسائر لأصحاب المؤسسات الصحفية من جانب والعاملين في مجال الصحافة من جانب آخر.

تفكيك نموذج العمل الصحفي

أدت موجة التقليص ومحالة التعايش مع الأزمة إلى تآكل التغطية القوية الضرورية لمتابعة الأحداث السياسية فضلًا عن التوجه لقتل المحتوى “الهام” لصالح المحتوى الاجتماعي “الجاذب” و الأقل أهمية والذي يندرج تحت ما يسمى بـ”التريند” الأمر الذي شوه العمل الصحفي الجاد وأعاقه عن القيام بمهمته الأساسية بوصفه “رقيبًا” على المؤسسات الحكومية ومعدلًا لمساراها، إذ فقدت الكثير من الصحف مصداقيتها في بحثها عن جذب مزيد من الإعلانات وجمع المال لإنعاش الوضع المتردي الذي تعاني منه، وباتت تنشر قصصًا ضعيفة وأخبارًا مغلوطة في كثير من الأحيان.

وتسببت التقنيات الحديثة في مجال الإنترنت إلى تفكيك “نموذج العمل الصحفي” بعد أن قدم طرقًا أكثر سلالة وسرعة لربط المستخدمين والمشترين بالباعة الأمر الذي صرف نظر المعلنين عن الصحف الأساسية لصالح منصات التواصل الاجتماعي الناشرة للمحتوى الخبري الذي أضحت أداه أكثر فاعلية بالنسبة للمعلنين لجذب المزيد من المستهلكين.

قانون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه

حالة واسعة من الجدل أثارها مشروع قانون قدمته الحكومة الأسترالية ديسمبر الفائت للبرلمان، فقد أثار قانون “مساومة وسائل الإعلام” الجديد حفيظة شركات التكنولوجيا العملاقة مثل “جوجل” و”فيسبوك” وذلك لأنه سيحتم على المنصات الرقمية الدفع لوسائل الإعلام المحلية والناشرين لربط محتواهم بموجزات الأخبار ونتائج البحث في حال ما تم تمرير القانون.

وفي حالة عدم توصل الطرفان إلى اتفاق ستقوم لجنة حكومية بتقرير السعر، ويأتي هذا القانون الذي سينتقل صداه خارج أستراليا في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالنسبة للنشر الصحفي والصحافة التقليدية وحل أزمة الإيرادات التي تواجه ناشري الإخبار بعد موجة تسريح العاملين من غرف التحرير.

في المقابل رفض موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” القانون الأسترالي شكلًا وموضوعًا وزادت بالتهديد بحذف القصص الإخبارية الأسترالية، فيما قالت “جوجل” إنها سوف تغلق خدمة البحث في أستراليا إذا مضت الحكومة قدما في “قانون المساومة الإلزامي”.

الصحافة تواجه أزمة وجودية

تلمست مجموعة “ذا آيريش تايمز” الإيرلندية هي الأخرى هذا الخطر وأكدت في خطاب له رفعته للحكومة أن الصحافة التقليدية تواجه ما أسمته بـ”تهديدات وجودية” داعية إلى ضرورة تقديم الدعم المالي لصناعة الصحافة ودعم الاستثمار في مجالات التكنولوجيا الرقمية التي تدعم الناشرين ومنافذ الأخبار فضلًا عن توصيل الصحف إلى المنازل.  

لم تكن هذه الدعوات الأسترالية والإيرلندية هي الأولى من نوعها، فقد تكررت خلال السنوات الماضية مثل هذه الدعوات في أماكن متفرقة من العالم  لتدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بالصحف وما تعانيه وعانته مؤخرًا بسبب أزمة وباء كورنا التي عمقت أزمتها متسببة في إغلاق الكثير من الصحف، فيما اضطرت أخرى لقصر خدماتها على الوجود الرقمي وتسريح الكثير من الصحفيين ودمج المنافذ الإخبارية وتقليص المطبوعات.

كل هذه الضغوط دفعت المجلة الأمريكية “كولومبيا جورناليزم ريفيو” إلى إطلاق مشروع أسمته ” أزمة الصحافة” الهادف إلى توثيق الخسائر في غرف الأخبار وجمع الشهادات بشأنها من جميع أنجال العالم في محاولة للوقوف لتقدير خطورة المشكلة وتقديرها والاعتراف أولًا بما فقدته الصحافة فضلًا عن التوثيق المنهجي للأزمة في محاولة لحلها في المستقبل القريب وهذا ما قد تحتاج حكومات العالم الإجماع عليه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والحفاظ على صحافة المصلحة العامة.

ربما يكون هذا القانون هو البداية لتحريك المياه الراكدة بشأن أزمة الصحافة حول العالم  من أجل دعوة الحكومات لوقف الزحف التتاري لحيتان الإنترنت الهادفين للربح فقط، فما يحدث في أستراليا قد يجسد الصدام المتوقع في المستقبل فقطاع صاحبة الجلالة متضرر بشكل لا يمكن تخيله فهل تتحرك الحكومات للحفاظ على المهنة التي شكلت عبر تاريخها وعي شعوب بأكملها وحمايتها من الاندثار والتشويه؟

ربما يعجبك أيضا