توثيق جرائم اليمين المتطرف وخطاب الكراهية في ألمانيا بات مطلوبًا

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

ينص القانون الألماني الأساسي، في المادة الخامسة: “يحق لكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بحرية بالقول والكتابة والصورة”، وتقول “فرانسيسكا شروتر”، من مؤسسة فريدريش إيبرت (FES) إن مصطلح “كراهية الأجانب” المثير للجدل، يُستخدم في غياب بديل أفضل: “نحن نعلم أننا بهذا نوصل مشاعر غربة للآخرين”. وأضافت:”إن العداء هو نتيجة شعور بالغربة والاختلاف، الذي يوصله شخص لآخر”.

وضمن مساعي الحكومة في مواجهة خطاب الكراهية، أصدرت السلطات الألمانية غرامة قدرها مليونا يورو بحق شركة فيسبوك بموجب قانون هدفه مكافحة خطاب الكراهية، وقال مكتب العدل الاتحادي في الثاني من شهر يوليو الجاري 2019، إن شركة التواصل الاجتماعي فشلت في الوفاء بمتطلبات الشفافية في تعاملها مع شكوى خطاب الكراهية، وأضاف أن تقرير فيسبوك عن النصف الأول من العام 2018 لم يعكس العدد الحقيقي للشكاوى من المحتوى غير القانوني المشتبه به، والذي يتضمن في ألمانيا الإهانات المعادية للسامية، والمواد التي تحرض على الكراهية ضد أشخاص أو مجموعات استنادًا إلى ديانتهم أو عرقيتهم.

وكان رد فعل وزير العدل في ولاية بافاريا الألمانية، غيورغ آيزنرايش، سريعًا، يوم 08 يوليو 2019 بقوله: “سيكون بوسع المؤسسات الإعلامية ودور النشر في المستقبل الإبلاغ على نحو أسهل عن تعليقات مهينة أو مثيرة للفتن. الإبلاغ أولا ثم إزالة التعليقات”. وأضاف آيزنرايش: “لا ينبغي لنا في مجتمعنا قبول أي تربة خصبة للأفكار المتطرفة”، مؤكدا على ضرورة إلزام شبكات التواصل الاجتماعي بشكل أكبر بمكافحة خطاب الكراهية.

وفي أعقاب اغتيال لوبكه عمدة مدينة كاسل على يد يمين متطرف خلال شهر يونيو الماضي 2019 أراد وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” أن يرسل إشارة ضد اليمين المتطرف، دعا الوزير الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي إلى الإشارة إلى السياسيين المحليين والمتطوعين الذين يتعرضون باستمرار للكراهية والتحريض على الانترنت.وقال ماس متحدثاً عن الجريمة: “هذا غير مقبول”، مشيراً إلى أنه قام بدعوة جميع الكتل البرلمانية إلى المشاركة في هذه الحملة.

وربط الرئيس الألماني، “فرانك فالتر شتاينماير”، بين هذه التصريحات المتطرفة التي يتم تبادلها على الإنترنت وبين أعمال العنف، خلال حديث له الى وسائل الإعلام في شهر يونيو الماضي 2019، وقال في هذا الصدد “عندما تصبح اللهجة عنيفة تصبح الجريمة قريبة”، مشيرا إلى تعليقات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي رحبت بقتل لوبكه، الذي أسهم عام 2015 في تأسيس مراكز لاستقبال اللاجئين، وشددت المستشارة الألمانية  ميركل  يوم 26 يناير2019  على الحاجة الملحة لمكافحة معاداة السامية والعنصرية والكراهية بعد أكثر من 70 عاما على المحرقة داعية إلى إيجاد سبل جديدة للحفاظ على ذكرى ملايين الناس الذين قتلوا على أيدي النازية.

الترويج لرسائل الكراهية

أثار تمزيق مصاحف في مسجد بمدينة بريمن شمال غربي ألمانيا غضباً شديداً في الأوساط السياسية الألمانية وفي أوساط المنظمات الإسلامية، وقال عمدة المدينة كارستين زيلنغ وهو من الحزب الاشتراكي الديمقراطي يوم 11 يونيو 2019 “نحن نقف بقوة إلى جانب مواطنينا المسلمين”، فيما قال توماس ريفوكامب رئيس كتلة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي البرلمانية في بريمن “إنه مستوى جديد من أفعال الإسلامو فوبيا، ويجب الكشف عنها دون تحفظ، التسامح تجاه الأديان الأخرى لا جدال فيه”. ويبدو أن تيارات اليمين المتطرف يعمل  الترويج لرسائل الكراهية من خلال السيطرة على وسائل إعلام حكومية والتضليل في مواقع التواصل الاجتماعي .

نظريات المؤامرة

خلصت نتائج دراسة ألمانية حديثة بعنوان “دراسة عن الوسط السياسي”. ليس التطرف اليميني المتشدد والمتمثل في مواقف فردية، وحده ما يحذر منه القائمون على الدراسة الألمانية الحديثة بعنوان “دراسة عن الوسط السياسي” “Mitte-Studie”. وأظهرت الدراسة أن نسبة المواطنين الألمان المتبنين للفكر اليميني، ثابتة منذ عامين على 2.5 في المائة. وتؤكد فرانسيسكا شروتر، من مؤسسة فريدريش إيبرت (FES) التي أعدت الدراسة: “إن الرفض أو التقليل من شأن بعض من فئات المجتمع، والإيمان بنظريات المؤامرة أو التأييد الخفي لأشكال الحكم الاستبدادي، هي المسيطرة على المشهد اليميني”. وأضافت: “المواقف اليمينية المتطرفة الفردية والمواقف اليمينية الشعبوية تجد لها مكاناً راسخاً في وسط المجتمع الألماني”.

الخلاصة

رغم اتساع رقعة خطاب الكراهية التي تقف وراءه التيارات الشعبوية في ألمانيا، يبقى غالبية الألمان يعترفون ويؤمنون بقيم الديمقراطية التي أقرها القانون الأساسي الألماني، ما بعد حقبة الحرب العالمية الثانية، والتي تنص على احترام الحقوق والتعددية الثقافية والمساواة ما بين جميع المواطنين بمختلف أصولهم وأعراقهم ودياناتهم.

إن اليمين المتطرف، والتيارات الشعبوية في ألمانيا هي أصلا موجودة في المجتمع الألماني ولم تكن بجديدة أبدا، فما زالت تيارات أصلا لا تؤمن بالنظام الديمقراطي الجديد وترفض الاعتراف به على سبيل حركة “مواطنو الرايخ” وحركات يمينية أخرى التي ترفض فكرة الاتحاد الأوروبي واستقبال المهاجرين. وكشفت الدراسات أن الفكر الشعبوي يتمركز في الولايات الشرقية، أكثر من الولايات الغربية، وتلعب العوامل الاقتصادية، والبطالة هناك دورا في نشر الأفكار المتطرفة.

والمشكلة، وفقا إلى استطلاعات معنية بصناعة ونشر خطاب الكراهية، تقول إن النقص في الثقة بالديمقراطية وبالأنظمة السياسية الحديثة، تدفع الكثير من الأشخاص إلى تاييد التيارات الشعبوية أو الانتماء لها والتورط بتنظيمات سرية يعاقب عليها الدستور.

ما ينبغي أن تقوم به الحكومة الألمانية هو، فرض التيارات الشعبوية للمراقبة من قبل وكالة حماية الدستور، الاستخبارات الداخلية، رغم أن هذا المقترح رفضته المحكمة الاتحادية، لكن تمادي اليمين المتطرف في خطاب الكراهية، ممكن أن يدفع مستقبلا المحكمة الدستورية على إخضاع التيارات الشعبوية للمراقبة الدستورية وضمنها أحزاب اليمين المتطرف أبرزها “البديل من أجل ألمانيا” الموجود في “البوندستاغ، البرلمان الألماني”. وتعزيز التعاون مع محركات الإنترنت بحذف الخطاب المتطرف، هو الآخر مطلوبًا، لكن الأهم هو توثيق جرائم اليمين المتطرف وخطاب الكراهية في مركز معلوماتي، من أجل وضع السياسات والقوانين المطلوبة في مواجهة الخطاب المتطرف وصناعة الكراهية.

ربما يعجبك أيضا