تيريزا ماي.. رهينة “داوننج ستريت” نحو أيام عصيبة

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

يبدو أن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تسير نحو أيام عصيبة، ستزيد من وحدتها في جبهة المدافعين عن الخروج من الاتحاد الأوروبي، فبعد صفعة الانتخابات التشريعية المبكرة في يونيو الماضي وما تبعها من استقالات بالجملة لعدد من مستشاريها ومسؤولين من وزارة البريكست، وصولا إلى استقالة وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون الأربعاء الماضي ومطالبات بإقالة نائبها داميان جرين ووزير الخارجية بوريس جونسون، طالعتنا صحيفة صنداي تايمز بخبر من العيار الثقيل، مفاده أن نحو 40 نائبا بالبرلمان البريطاني من الحزب الحاكم وافقوا على التوقيع على رسالة لطرح الثقة في ماي.

هذا العدد، وإن كان يقل بنحو ثمانية عن العدد اللازم للإطاحة برئيسة الوزراء من زعامة “المحافظين”، ومن ثم إجراء انتخابات داخلية لاستبدالها بزعيم آخر، فهو يمثل مؤشرا خطيرا على الارتباك الذي يعيشه الحزب الحاكم وتصاعد وتيرته مع حاجة ماي لحشد برلماني قبل مناقشة قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بشكله النهائي تحت قبة البرلمان، إذ حددت حكومة ماي موعد 29 مارس 2019 كموعد للخروج النهائي من التكتل الأوروبي، وذلك لطمأنة مؤيدي الخروج الذين يخشون من أن تتسبب المعارضة الداخلية وبطء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي في حدوث تأجيل لهذه الخطوة المرتقبة.

فيما يطالب حزب العمال الذي تمكن من حرمان “المحافظين” في انتخابات يونيو المبكرة من الأغلبية المطلقة، بأن تكون الكلمة الفصل في تمرير مشروع “الانسحاب” للبرلمانيين وليس الوزراء، فى التصديق على الاتفاق أو رفضه، ويشدد على أنه سيعمل مع كافة القوى السياسية ليصبح ذلك واقعا.

“العمال” هنا يراهن -بحسب خبراء- على إمكانية عرقلة خطة ماي للخروج عبر دعمه لتعديلات على مشروع القانون تقدم بها نواب محافظون يعارضون مشروع القانون المقدم من طرف فريق “ماي”، وتعود أهمية هذا الملف إلى كونه يشكل محاولة من الحكومة لتلاشي الفراغ القانوني المتوقع عقب زلزال البريكست، إذ يختص هذا القانون الجديد بنسخ آلاف البنود من القانون الأوروبي ونقلها إلى مجلد القوانين الأساسية البريطانية.

رهينة “داوننج ستريت”

تصارع تيريزا ماي من داخل مكتبها المطل على أحد أشهر شوارع لندن “داوننج ستريت” في ثلاث جبهات، فهي من جهة تواجه ضغوطا من الاتحاد الأوروبي الذي أمهلها الخميس الماضي، أسبوعين لتوافق على تسوية بنحو 60 مليار دولار كفاتورة للخروج وللانتقال إلى المحادثات التجارية في قمة الاتحاد المزمع إجراؤها في ديسمبر المقبل، ومن جهة أخرى تواجه انقاسامات حادة داخل حزبها دفعت 40 نائبا إلى محاولة للإطاحة بها، وتواجه أيضا معارضة شرسة من قبل “العمال”، كما تضررت أخيرا من عدة فضائح أخلاقية طالت عددا من الوزراء أبرزهم وزيرة البيئة ووزير الدفاع الذي غادر الحكومة تاركا “ماي” وحدها بعد سنوات من التعاون بينهما منذ أن كانت تشغل منصب وزيرة الداخلية في الفترة ما بين 12 مايو 2010 إلى 13 يوليو 2016.

يرجح البعض ألا يتم التوصل إلى اتفاق البريكست النهائي مع بروكسل في ديسمبر المقبل كما كان متوقعا، وهو ما يزيد المشهد ضبابية في لندن، ويؤكد وجود أزمة داخل حكومة ماي بشأن ملف الخروج، فبحسب ما كشفته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية اليوم قام وزير الخارجية بوريس جونسون ووزير البيئة مايكل جوف أخيرا بتقديم خطاب سري يحمل توجيهات لرئيسة الوزراء يطالب بضرورة الانتهاء من الترتيبات الانتقالية للخروج من الاتحاد بحلول 30 يونيو 2021.

وأشارت الصحيفة إلى أن الخطاب المسرب يوجه هجوما خفيا للمستشار البريطاني فيليب هاموند الذي يؤيد البقاء في الاتحاد ويرى افتقار المملكة المتحدة “للطاقة الكافية” في الإعداد لمستقبلها خارج الاتحاد، من جانبه اتهم كاير ستارمر، الوزير المكلف بملف الخروج من الاتحاد الأوروبي، “ماي” بتجاهل مخاوف المحافظين والعمال بشأن مشروع قانون الانسحاب، مؤكدا في تصريحات صحفية أن الحكومة قد تمنى بهزيمة جديدة، إذ لم تقدم تنازلات لطمأنة مخاوف ما بعد البريكست خلال جلسة البرلمان الجمعة الماضية.

غرور “ماي”

وقال ستارمر، لـ”صنداي تايمز”، من غير المقبول أن تتجاهل تيريزا ماي المخاوف الخطيرة لدى حزب العمال ونوابه بشأن مشروع قانون الانسحاب، وتسعى لتهميش البرلمان لتوسيع سلطاتها وإطلاق يدها، وكان من المفترض أن تستغل الفترة الماضية لإعادة التفكير في إمكانية قبول مطالب “العمال” بشأن ما يلزم تغييره في مشروع القانون، لاسيما فيما يتعلق ببنود الاستخدام الواسع لسلطات الحكومة وحماية حقوق العمال والمعايير البيئية، وذلك لضمان ترتيبات انتقالية قوية ترسم خاطرة طريق لما بعد الانفصال.

فيما أكدت النائبة العمالية سيما مالهوترا، أنه في الوقت الذي تخطط أوروبا فيه لمرحلة ما بعد انفصال بريطانيا لا تزال  المملكة المتحدة عالقة في عدم دستورية “الخروج”، كما شدد مستشار لرئيس وزراء أوروبي أخيرا على أن محادثات البريكست أصبحت رهينة للتقلبات النفسية للحزب المحافظ في بريطانيا، ومعرضة للعرقلة في أي وقت نتيجة الاقتتال الداخلي بين صقور وحمائم الحكومة البريطانية من مؤيدي ومعارضي الانفصال.

يبدو أن تيريزا ماي في حاجة إلى قراءة المؤشرات الداخلية والخارجية بوضوح أكبر، فداخليا هناك محاولة جديدة للإطاحة بها على غرار المحاولة التي أعقبت خسارتها في الانتخابات المبكرة في يونيو الماضي والتي دعت لها بغية الانفراد بالكلمة داخل البرلمان لتمرير آمن لكافة التشريعات اللازمة لمرحلة البريكست وما بعدها، إلا أن هذا كلفها الأغلبية البرلمانية، وخارجيا الاتحاد الأوروبي نفذ صبره بشأن فاتورة الخروج ووضعها في موقف حرج بمهلة الأسبوعين.

جميع المؤشرات تقول رأيا واحدا وهو أن تيريز ماي وهي السيدة القوية، المشهود لها منذ أن كانت وزيرة للداخلية عام 2010، في حاجة إلى التنازل بعض الشيء عن غرورها وثقتها الزائدة عن الحد، لتجد مقاربة على الصعيد الداخلي لإعادة ترتيب بيت المحافظين، ومن ثَم الوصول إلى مقاربة مرضية مع حزب “العمال” لضمان مرور سلس لكافة التشريعات اللازمة لمشروع الانسحاب، بما يمكنها من الذهاب إلى بروكسل الشهر المقبل بخارطة طريق واضحة المعالم لمرحلة ما بعد البريكست.

ربما يعجبك أيضا