حمام الشرايبي.. تاريخ مصري تحت أكوام القمامة

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل – عاطف عبداللطيف

تمر بجانبه دون أن يستوقفك شيء، فمعالمه تكاد تكون مطموسة ولكن القاطنون بالحي يعرفوه جيدًا عند التوجه إلى منطقة الغورية، ابحث عن حمام “الشرايبي” – أكبر حمامات القاهرة التاريخية- ستجد ما تبقى منه من فن ومعمار يؤكد على الدقة والجمال في عصور لم نكن بها ولكن رأينا ما تبقي منها.

تلال من القمامة سيطرت على مدخل الحمام التاريخي فالباب الرئيسي أصبح تحت الأرض لا تستطيع أن تعبره إلا بحركة بهلوانية، فعلى الرغم من أن الحمام مسجل عام 1985 ضمن الآثار الإسلامية برقم “628”، إلا أنه سقط من حسابات مسؤولي الآثار في مصر، وأدى إهماله الشديد عبر سنوات لسوء حالته، وأصبح مدخله فريسة للتعديات من سكان مجاورين له.

وعلى الرغم من مساحته الواسعة إلا أنه لا توجد من الخارج أي لوحات أو ما يشير لأن هذا حمام أثري، فعناصره المعمارية موجودة وكاملة خاصة المغطس والفرن وغرفة خلع الملابس وخزانات المياه وغيرها.

شهبندر التجار

ويذكر “على مبارك” في الخطط التوفيقية أن هذا الحمام بشارع الحمزاوي بالغورية له بابان أحدهما بجوار الحمزاوي بالقرب من كنيسة الأروام والثاني من جهة الفحامين بالقرب من ميضأة جامع الغوري وهو حمام قديم انشأه السلطان الغوري عام 906هـ -1500م بجوار منزل كان يسكنه ابنه، وكان يعرف سابقًا بحمام النملي، لمجاورته ضريح قديم يسمى سيدي علي النملي، ثم عرف الآن بحمام الشرايبي نسبة إلى الخواجة، والخواجا كلمة تطلق على أكابر التجار بمصر، “محمد الداده الشرايبي” شهبندر التجار بمصر، وهذا الحمام- زمن علي مبارك، جار في وقف الست بهانة في نظارة الشيخ حسن جلبي وله شهرة بالنظافة ويدخله الرجال والنساء”.

والخواجه “محمد الداده الشرايبي” المنسوب إليه هذا الحمام رجل مغربي الأصل مصري النشأة والوفاة اختار منطقة الغورية أكبر سوق تجاري في ذلك الزمان وأقام بها وكالته الشهيرة “وكالة الشرايبي” آثر رقم 460 والتي تخصصت في تجارة الأقمشة القطنية الهندية والخزفيات الصينية إلى جانب الأقمشة المحلية.

الحمامات في مصر

عرفت القاهرة الحمامات الشعبية قبل تسميتها بذلك الأسم من المعز لدين الله الفاطمي، إذ يرجع إنشاء الحمامات الأولى للعصر الروماني قبل الفتح الإسلامي لمصر، وهي الرواية الأقرب للمؤرخين.

ودائمًا كانت الحمامات الشعبية ترتبط في ثقافة المصريين بتجهيز العرائس لحفلات الزفاف، فقد كان أهل وأصدقاء العروسين، يزفونهما من حمام الرجال والسيدات في مواكب أغان على وقع الدفوف والطبول إلى مقر زفافهما، ثم تلاشت تلك المظاهر تدريجيًا، غير أن هناك أمثالًا شعبية شائعة استوحاها المصريون من الحمامات مثل “اللي اختشوا ماتوا”.

لم تكن الحمامات مجرد أماكن للاستحمام ونظافة الأبدان والاستشفاء فحسب، بل لعبت دورًا اجتماعيًا في نقل الأخبار والحكايات، كذلك استخدمها التجار في عقد الاتفاقيات التجارية، وتحديدًا في عصر المماليك الذي ازدهر فيه بناء الحمامات العامة.

الحمام من الداخل

يدخل إلى الحمام من ممر طويل ومنحنى يوصل إلى صالة كبيرة مكشوفة أرضيتها فسيفساء وزخرف حوائطها قوص قوطي مدبب, يتوسط صالة الاستقبال فسقية من الرخام الملون يعلوها شخشيخة (فانوس) محمولة على ثمانية أعمدة ويحاط بالفراغ أربع مصاطب بها فتحات لحفظ الأغراض وبوابة تطل على شارع الشرايبي.

ويلي المسلخ الحجرة الدافئة ثم الحجرة الساخنة وهي عبارة عن مسقط حلبي والفراغ الأوسط مغطى بقبو محمول على مثلثات كروية يحيط بالفراغ الأوسط أربع أيقونات مغطاة بقبوة فانوس.

ويتوسط الفراغ الأوسط فسقية ثم مغطى أول بقبو ذو مثلثات كروية بالركان ثم مغطى ثاني بقبة مركزية محمولة على أربعة أعمدة صغيرة بتنظيم حولها 8 قباب صغيرة ثم بيت النار المستوقد ويوجد بالقرب من فراغ المغطس، حيث تسخن المياه في قدور من الرصاص.
ويسحب الماء من البئر ويجمع في حوض كبير ثم يمر في غلاية ثم إلى غلاية ثانية ليكتسب قليلًا من الحرارة ثم ثالثًا حيث تسخن أكثر لتصل إلى درجة الحرارة المطلوبة ومنها إلى قنوات إلى المغاطس ويوضع في أرضية الحمام ملح للحفاظ على درجة الحرارة ويلحق بالمستودع بئر للمياه لتزويد الحمام.

منحة هولندية

وتستعد وزارة الآثار المصرية لترميم حمام الشرايبي، بعد أن وافق “المجلس” على الخطة المقدمة من المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث بشأن الترميم، حيث ستتم أعمال الترميم تتم تحت الإشراف الكامل لوزارة الآثار ممثلة في الإدارة العامة للقاهرة التاريخية، وبتمويل بمنحة من مؤسسة الأمير “كلاوس” بهولندا، دون تحمل مصر أية أعباء مالية، وذلك في إطار النهج الذي تنتهجه وزارة الآثار في استغلال المنح المالية الموجهة إليها من الحين إلى الآخر في ترميم المباني الأثرية وصيانتها، بما يضمن الحفاظ على هذه المباني وعلى قيمتها التاريخية والأثرية.
وسيتم المشروع على مرحلتين، المرحلة الأولى وتتضمن أعمال التدعيم والصلب الإنشائي للحمام من الداخل خاصة منطقة الفرن وإزالة أية مخلفات بالموقع، أما المرحلة الثانية فتتضمن أعمال ترميم الحمام معماريًا وإنشائيًا.

الحمام في يومنا هذا

يعاني الحمام من الإهمال منذ عشرات السنين، ما أدى إلى دمار زخارف الحمام من الداخل وتساقط وتهدم أجزاء منه وتصدعات وتشققات حوائطه والأسقف والغرف الداخلية المخصصة للاستحمام والمغاطس، وتحاصره تلال القمامة من كل مكان حتى محت معظم معالمه الأثرية والتاريخية، حتى أصبح الحمام فريسة للتعديات من سكان مجاورين له، ولا توجد من الخارج أي لوحات أو ما يشير إليه! .

ربما يعجبك أيضا