خفض الالتزام النووي.. خطوة إيرانية نحو عودة العقوبات الدولية

يوسف بنده

رؤية

أعلنت طهران تخليها عن جميع القيود على أنشطتها النووية بموجب الاتفاق النووي المبرم بين إيران والسداسية الدولية.

وورد في بيان للحكومة الإيرانية: “الخطوة الخامسة والنهائية تنص على التخلي عن جميع القيود المفروضة على أنشطتنا النووية بموجب الاتفاق النووي بما في ذلك مستوى تخصيب اليورانيوم وكمية اليورانيوم المخصب وعدد أجهزة الطرد المركزي”.

وشددت على أنه من اليوم فصاعدا لن يكون أمام برنامج إيران النووي أي قيود على مستوى تخصيب اليورانيوم وسيكون النشاط النووي وفقا لحاجة البلاد الفنية، مؤكدة أن إيران ستواصل التعاون كما في السابق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وأشارت في بيانها أيضا إلى أن السلطات الإيرانية مستعدة للعودة إلى تطبيق جميع التزاماتها بالاتفاق النووي في حال رفع العقوبات الأمريكية، وأنه تم إبلاغ منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بتنفيذ الخطوة الخامسة بالتنسيق مع رئيس البلاد.

اللافت في هذا الاجتماع والإعلان عنه، أنه يأتي فيما تنشغل كل دوائر السلطة في إيران بمراسم تشييع جثمان قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وقبل أن يوارى الثرى.

ويتسق مع هذه الخطوة الإيرانية، ما ذكره المنتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي من أن “الحرب بين إيران والولايات المتحدة لا يمكن التنبؤ بها، طهران لا تبحث عن الحرب، لكنها أعلنت أنها مستعدة لأي وضع”، مضيفًا: “سيحاول النظام تعديل الرد حتى يندم العدو، وفي الوقت ذاته، لا تتورط إيران في حرب”.

وربط موسوي بين مقتل سليماني وجولة وزير الخارجية جواد ظريف الأخيرة إلى روسيا والصين، والمناورات البحرية في بحر عمان، قبل أيام، قائلا: إن مقتل سليماني “جاء عقب زيارة ظريف لروسيا والصين”، وأن الحادث “وقع في أعقاب مناورة عسكرية ناجحة بين الدول الثلاث، في بحر عمان. المواقف التي اتخذتها الحكومتان الصينية والروسية جيدة، ونحن نقدرها، وقد تم الحديث عن التنسيق لمنع مثل هذه الأعمال غير القانونية”.

وحول محاولات الوساطة الدولية والإقليمية، لتهدئة الأوضاع، خاصة من قبل سلطنة عمان، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: “لم يأت أي وفد من عمان إلى طهران، وآخر لقاء جمع مسؤولي البلدين كان زيارة ظريف لمسقط”.

يأتي تصريح موسوي هذا بينما أفادت بعض المصادر الصحفية الإيرانية أن طهران رفضت استقبال الوفد العماني الذي زارها للتوسط بين إيران والولايات المتحدة.

وشدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، في مؤتمره الصحفي، على أنه “ينبغي على من يدعو إلى عدم زيادة التوتر أن يقدم هذه التوصية إلى الولايات المتحدة، وليس لنا”.

خطوة لإلغاء الإتفاق النووي

وقد حذر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، من أن إعلان إيران تخليها عن القيود المفروضة على نشاط تخصيب اليورانيوم، يمكن أن يكون الخطوة الأولى نحو إنهاء الاتفاق النووي للعام 2015.

وقال ماس في حديث إذاعي اليوم الاثنين: “بالتأكيد سنتحدث مرة أخرى مع إيران، غير أن ما تم إعلانه لا يتسق مع الاتفاق”، مضيفا أن مسؤولين من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا سيبحثون الوضع اليوم الإثنين.

وتابع: الأمر “لم يصبح أسهل، وقد تكون هذه الخطوة الأولى لإنهاء هذا الاتفاق، وهو ما سيشكل خسارة كبيرة لذلك سنبحث هذا الأمر بمسؤولية شديدة الآن”.

وكان زعماء ألمانيا وفرنسا وبريطانيا قد دعوا إيران -في بيان مشترك أمس الأحد- إلى “التخلي عن الإجراءات التي تتعارض مع الاتفاق النووي”، وذلك بعد أن أعلنت طهران المرحلة الخامسة والأخيرة من تقليص التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق، مؤكدة التخلي عن “كل القيود المتعلقة بعدد أجهزة الطرد المركزي”.

وحتى الآن فإن الهدف المعلن للاحتياجات الفنية الإيرانية هو تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 5% فقط، وهي نسبة كافية لإنتاج الوقود النووي اللازم لتشغيل محطة الطاقة النووية الكهربائية.

وبدأت طهران في مايو/ أيار الماضي بالتخلي تدريجيا عن التزاماتها النووية ردًّا على انسحاب الولايات المتحدة الأحادي الجانب قبل أكثر من عام من الاتفاق الذي أبرمته الجمهورية الإسلامية مع مجموعة “5 1”.

وفي مايو/ أيار 2018، انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، الموقع في 2015، بين إيران ومجموعة (5 1)، التي تضم روسيا وبريطانيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، وفرضت على طهران عقوبات اقتصادية.

وينص الاتفاق على التزام طهران بالتخلي، لمدة لا تقل عن 10 سنوات، عن أجزاء حيوية من برنامجها النووي، وتقييده بشكل كبير، بهدف منعها من امتلاك القدرة على تطوير أسلحة نووية، مقابل رفع العقوبات عنها.

نحو عودة العقوبات الدولية

ومن الممكن أن يبدأ أي طرف من الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق؛ وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا، عملية تنتهي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال فترة قد تصل إلى 65 يوماً، فقط بإعادة فرض عقوبات المنظمة الدولية على إيران.

والطرفان الآخران الموقعان على الاتفاق؛ روسيا والصين، هما حليفا إيران، ومن المستبعد أن يأخذ أي منهما تلك الخطوة.

ويمكن لإيران بموجب عملية فض النزاع المنصوص عليها في الاتفاق أن تجادل بأن الانسحاب الأمريكي وحملة العقوبات التي فرضتها واشنطن تمثل �امتناعاً مؤثراً عن أداء الواجبات� الواردة في الاتفاق “وتعتبر المشكلة غير المحسومة مبرراً للامتناع عن أداء التزاماتها”.

ومن الممكن أيضاً أن تجادل إيران بأن تقليص التزاماتها لا يمثل انتهاكاً للاتفاق لأن الاتفاق ينص في بند آخر على أن “إيران أوضحت أنها ستعتبر هذه العودة لتطبيق العقوبات أو إعادة فرضها… أو فرض عقوبات جديدة تتصل بالمسألة النووية، مبرراً للامتناع عن أداء التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة هذه كلياً أو جزئياً”.

والخطوات التي تسير بها عملية فض المنازعات قد تستغرق 65 يوماً ما لم يتم التوافق على تمديدها.

خطوات فض المنازعات من خلال اللجنة المشتركة:-

الخطوة الأولى:

إذا اعتقد أي طرف من أطراف الاتفاق النووي أن طرفاً آخر لا ينفذ التزاماته فله أن يحيل الأمر إلى لجنة مشتركة يتكون أعضاؤها من إيران وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي (كانت الولايات المتحدة عضواً في اللجنة قبل انسحابها من الاتفاق). ويكون أمام اللجنة المشتركة 15 يوماً لتسوية المشكلة ما لم يتوافق أعضاؤها على تمديد تلك الفترة الزمنية.

الخطوة الثانية:

إذا اعتقد أي طرف أن المشكلة لم تحل بعد تلك الخطوة الأولى، فله أن يحيل الأمر إلى وزراء خارجية الدول الموقعة على الاتفاق. وسيكون أمام الوزراء 15 يوماً لتسوية الخلاف ما لم يتوافقوا على تمديد تلك الفترة الزمنية.

وبالتوازي مع نظر وزراء الخارجية في الأمر، أو بدلاً منه، يمكن للطرف صاحب الشكوى أو الطرف المتهم بعدم الالتزام أن يطلب أن تبحث لجنة استشارية ثلاثية المشكلة. ويعين كل طرف من طرفي النزاع حينئذ عضواً لهذه الجنة ويكون العضو الثالث مستقلاً. ويتعين على اللجنة الاستشارية أن تقدم رأيها غير الملزم في غضون 15 يوماً.

الخطوة الثالثة:

إذا لم تتم تسوية المشكلة خلال العملية الأولية التي تستغرق 30 يوماً، فأمام اللجنة المشتركة 5 أيام للنظر في رأي اللجنة الاستشارية في محاولة لتسوية النزاع.

الخطوة الرابعة:

إذا لم يكن الطرف صاحب الشكوى راضياً بعد ذلك ويعتبر أن الأمر �يشكل امتناعاً مؤثراً عن أداء الواجبات�، فبوسعه �أن يعتبر المشكلة غير المحسومة مبرراً للامتناع عن أداء التزاماته بمقتضى خطة العمل الشاملة المشتركة كلياً أو جزئياً�.

كذلك يمكنه أن يخطر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمؤلف من 15 عضواً بأن المشكلة تشكل �امتناعاً مؤثراً عن أداء الواجبات�.

ويتعين على هذا الطرف أن يصف في الإخطار المساعي حسنة النية التي بذلت لاستنفاد عملية حل النزاع من خلال اللجنة المشتركة.

الخطوة الخامسة:

بمجرد أن يخطر الطرف صاحب الشكوى مجلس الأمن يتعين على المجلس أن يصوت خلال 30 يوماً على مشروع قرار بشأن الاستمرار في تخفيف العقوبات عن إيران. ويصدر القرار بموافقة 9 أعضاء وعدم استخدام أي من الدول دائمة العضوية؛ الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا؛ حق النقض (الفيتو).

الخطوة السادسة:

إذا لم يصدر قرار في غضون 30 يوماً يعاد فرض العقوبات المنصوص عليها في كل قرارات الأمم المتحدة، ما لم يقرر المجلس غير ذلك. وإذا أعيد فرض العقوبات فلن تسري بأثر رجعي على العقود التي وقعتها إيران.

نحو القنبلة النووية

وقد رصدت وكالة “أسوشيتد برس”، في تقرير لها الإثنين، 3 تطورات قالت إنها تجعل إيران قريبة من إنتاج قنبلة نووية.

وأضافت الوكالة الأمريكية أن تلك التطورات تتمثل في تعهد القائد الجديد لـ”فيلق القدس” الإيراني، إسماعيل قآني، بالثأر لمقتل الجنرال قاسم سليماني، وإعلان طهران تعليق جميع تعهداتها ضمن الاتفاق النووي، ودعوة البرلمان العراقي لطرد القوات الأمريكية من البلاد.

وأردفت أن إيران ربما تلجأ -ردا على مقتل سليماني- إلى تنفيذ هجوم عسكري على مصالح أمريكية من جانبها أو عن طريق أحد وكلائها وتمكين تنظيم “داعش” من العودة إلى العراق.

وتابعت أن ذلك سيجعل الشرق الأوسط مكانا أكثر خطورة وأقل استقرارا.

واليوم، جدد قآني تعهده بالثأر لمقتل سليماني، قائلا في حديث للتلفزيون الإيراني: “بالتأكيد سيتم اتخاذ إجراءات”.

وفي سياق متصل، صوت البرلمان العراقي بالأغلبية، الأحد، على قرار يلزام الحكومة “بالعمل من أجل إنهاء وجود جميع القوات الأجنبية على الأراضي العراقية”. كما أعلنت إيران، في اليوم ذاته، تعليق جميع تعهداتها في إطار الاتفاق النووي الموقع بينها ومجموعة (5 1).

يأتي هذا، ردا على قتل واشنطن قائد “فيلق القدس” الإيراني، قاسم سليماني ونائب رئيس “هيئة الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، و أشخاص كانوا برفقتهما، فجر الجمعة، إثر قصف جوي أمريكي استهدفت سيارتين على طريق مطار بغداد.

ربما يعجبك أيضا