داعش يلفظ أنفاسه الأخيرة في الرقة.. والصراعات تحتدم

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

أوشك تنظيم داعش أن يُطرد من مدينة الرقة السورية، بعدما فقد الكثير من مواقعه ومقاتليه وأسلحته وبات يبحث عن مخرج آمن لما تبقى من عناصره.. ومع لفط داعش لأنفاسه الأخيرة ستواجه الرقة سيناريوهات عدة للتصادم ما بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن وبين قوات النظام السوري المدعومة من روسيا وإيران، فضلًا عن الحليف التركي الذي يسعى لمنع تمدد الأكراد بسوريا خشية من استغلاله في تحقيق حلم الانفصال.. فأصبحت مدينة الرقة بؤرة صراع عالمية تتسابق عليها الأطراف بانتظار ساعة الحسم.

داعش ينهار

منذ بدء العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في مدينة الرقة (معقل التنظيم)، توالت خسائر “داعش” من مواقع ومقاتلين وأسلحة حتى بات التنظيم المتشدد مُحاصرًا، بعد أن تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على 90% من مدينة الرقة بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ووفقًا للمرصد، فما تبقى من عناصر التنظيم، تقهقروا إلى حي الأمين، ومركز المدينة، والمجمع الحكومي، وبعض المباني في وسط المدينة، وسط قصف متواصل وقتال عنيف، ونقص في المعدات العسكرية، والذخيرة، والأسلحة، والمواد الغذائية والمياه.

ولاتزال الاشتباكات العنيفة مستمرة في أطراف أحياء الرقة بين عناصر داعش وقوات سوريا الديمقراطية، وسط استمرار غارات التحالف والقصف الصاروخي.

من جهته، يسعى التنظيم المتشدد لتشديد إجراءاته العقابية ضد من يحاول الفرار من المدنيين، فضلا عن اعتقاله للعديد منهم لبث حالة من الرعب والخوف لمن يفكر من الفرار من جحيم المعركة، واستخدامهم كدروع بشرية إلى جانب الألغام التي قاموا بزرعها لعرقلة تقدم القوات العسكرية.

بدورها، قالت الأمم المتحدة: إن العديد من المدنيين مازالوا محاصرين داخل أحياء سيطرة داعش، وقدرت أعدادهم بنحو 25 ألفًا، في الوقت الذي تدخل فيه معركة الرقة مراحلها الأخيرة.

من يقاتل في الرقة؟

على أرض المعارك، تتواجد أطراف عدة تشارك في عملية تحرير الرقة، وإن كان النصيب الأكبر فيها يعود لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أعلنت معركتها لتحرير الرقة من براثن داعش في فبراير 2016، وتقدر قواتها بنحو 30 ألف مقاتل من فصائل العرب والكرد والتركمان، فضلا عن القوات الأمريكية الداعمة لها.

ومع إصرار الولايات المتحدة على تسليح قوات سوريا الديمقراطية والتي تشارك فيها وحدات الحماية الكردية، أعلنت تركيا عدم مشاركتها في عملية تحرير الرقة بجانب الأكراد، ولكنها أبدت قلقها من تسليح الأكراد، واكتفت بالاضطلاع على معلومات التسليح من واشنطن، فضلًا عن قيامها بين الحين للأخر بعمل مناورات عسكرية على الحدود المشتركة.

وهناك قوات النخبة، التي يقودها الائتلاف الوطني السوري بقيادة أحمد الجربا، والتي تعتبر نفسها شريكًا مع قوات سوريا الديمقراطية في معارك التحرير، عقب الاتفاق الأخير الذي عقده الجربا مع البنتاجون لإشراك قواته وقوامها ثلاثة ألاف مقاتل في معركة الرقة.

من جهة أخرى، توجد قوات النظام السوري المدعومة من روسيا وإيران، والتي تقوم بعمليات إنزال جوي وعمليات قتالية وجوية في المناطق الإدارية والحدودية المتاخمة للرقة، في مسعى لفرض سيطرتها ونفوذها داخل مدينة التي تستحوذ فيها قوات سوريا الديمقراطية على النصيب الأكبر من معاركها.

ويرى المراقبون أن مرحلة ما بعد داعش، ستواجه سيناريوهات عدة للتصادم بين القوات المشاركة في عملية التحرير، فكل منهما سيسعى لفرض نفسه على أرض الواقع لاسيما الولايات المتحدة وروسيا.

سيناريوهات التصادم

مع اقتراب عملية تحرير الرقة من تنظيم داعش، من المتوقع أن تحدث صعوبات ومشاكل كبيرة ، بسبب تعدد أطراف الصراع وتضارب المصالح بين الدول الداعمة.

ميدانيًا، تعلن الولايات المتحدة الأمريكية حسم المعركة لصالحها بفضل “قوات سوريا الديمقراطية” التي تدعمها ، والتي قادت على الأغلب أكبر المعارك والاشتباكات مع داعش واستحوذت على العديد من المناطق كان يسيطر عليها التنظيم.

ومع الحديث عن قوات سوريا الديمقراطية، لا يمكن إغفال مشاركة قوات النخبة السورية بقيادة الجربا، فهل ستعتبر نفسها شريكًا في النجاح وبسط النفوذ؟ أم ستفكر في بسط سيطرتها على الرقة, والتي كانت من أولى المدن التي سيطرت عليها المعارضة السورية منذ بدء الثورة في 2011 وفقدتها بعد ذلك.

وهناك أيضًا القوات النظامية السورية المدعومة من روسيا وإيران، والتي شاركت في بعض عمليات التحرير وقتال داعش إلى جانب استهدافها للفصائل المسلحة الأخرى، وتسعى من الحين للآخر لفرض سيطرتها على واقع الأرض، مستغلة في ذلك اتفاقاتها الأخيرة بشأن وقف إطلاق النار وإقامة مناطق آمنة.

ومع اقتراب دخول الرقة، بدأت المواجهات مُبكرًا بعد قيام القوات السورية المدعومة من روسيا بقصف “قوات سوريا الديمقراطية” في دير الزور، في حين استبعد محللين حدوث صدام بسبب الدعم الأمريكي لـ”قوات سوريا الديمقراطية”.

وبين هذا وذلك يتواجد الحليف التركي، الذي يقوم بين الحين والأخر بعمل مناورات عسكرية مشتركة على الحدود، خشية من تمدد “قوات سوريا الديمقراطية” والتي تتكون من قوات كردية، تعتبرها تركيا امتدادًا لـ”حزب العمال الكردستاني” المحظور الذي يشن تمردًا في جنوب شرق تركيا منذ 1984.

ويأتي التخوف التركي، نتيجة لكون الرقة محاذية لمدينة الحسكة ذات الوجود الكردي، وهو ما قد يسهل حلم الأكراد في بسط نفوذهم وتحقيق حلمهم بالانفصال، لذا فهي تترقب وتناور وتُهدد باحتمال القيام بعمليات عسكرية في حال سمحت واشنطن بتمدد الأكراد في سوريا.

‎والخلاصة، أن الحرب مع داعش، لن تننهي في يوم وليلة، وعلى دول المنطقة أن تبدي مسؤوليتها ورغبتها في القضاء على الإرهاب، إلا أن الواقع يشير إلى أن المرحلة القادمة ستشهد صراعات عدة بين مصالح الدول الداعمة والتي ستفتح الباب لإطالة عمر الأزمة السورية.

ربما يعجبك أيضا