ذاكرة حيّة.. لماذا تميل القارة الإفريقية إلى بكين وليس واشنطن؟

صحيفة صينية توضح كيف تختلف بكين عن واشنطن في العلاقات مع الأفارقة

محمد النحاس

يصف المقال نهج واشنطن بأنه يستند إلى "المركزية الأمريكية"، حيث تضع نصب عينها تقويض النفوذ الصيني في القارة، وذلك بدلاً عن معالجة القضايا الحيوية التي تحتاج القارة الإفريقية إلى المساعدة فيها.


انتقدت صحيفة “جلوبال تايمز” الصينية الناطقة باللغة الإنجليزية، سلوك الولايات المتحدة “التنافسي” مع الصين في التعامل مع القارة الإفريقية.

وفي مقال اليوم الاثنين 22 يناير 2024، قالت الصحيفة الصينية، إن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، يعتزم زيارة إفريقيا، في الوقت الذي تنخرط فيه واشنطن في سلسلة من الأزمات في الشرق الأوسط، وأوراسيا (إشارة إلى الصراع الروسي الأوكراني).

كيف تنظر واشنطن للقارة الإفريقية؟

نشرت “جلوبال تايمز” مقالاً، تناولت فيه التوجه الأمريكي تجاه القارة الإفريقية ووصفته بأنه ليس قائمًا على الاحترام والرغبة في التعاون والتنمية بقدر كونه بدفوع بالتنافس الجيوسياسي.

في المقابل تحاول بكين تقديم نموذج بديل، يتفهم الاحتياجات الإفريقية ويحترم خيارتها، في وقت بزغت فيه ما يسميه المقال “يقظة ذاتية” لدول القارة أدركت بها طبيعة التنافس الدولي ورفضت أن تكون مجرد أحجار على رقعة شطرنج.. فكيف تختلف علاقة الصين إذن بالقارة الإفريقية عن حالة التنافس بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة؟ وكيف يرى المقال النظرة الأمريكية لإفريقيا؟

ووفقًا للصحيفة الصينية، فمن المرتقب أن يزور بلينكن الرأس الأخضر وكوت ديفوار ونيجيريا وأنجولا، في محاولة لإثبات أن “الولايات المتحدة شريك رئيسي في قارة تمارس فيها الصين وروسيا نفوذهما”، كما ذكرت شبكة سي إن إن الأمريكية الإخبارية. ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية هذه الدول الإفريقية بأنها دول “مهمة للغاية” وتمثل “أولوية”.

مواجهة النفوذ الصيني والروسي

يرى المقال أن الولايات المتحدة لا تنظر إلى إفريقيا باعتبارها قارة ينبغي تطوير العلاقات معها، لكن يعود اهتمامها الخاص بالقارة إلى “نفوذ الصين وروسيا” هناك، مسلطًا الضوء على مسارعة وسائل الإعلام الأمريكية إلى مقارنة جولة بلينكن للقارة السمراء، بالرحلة الأخيرة إلى إفريقيا التي قام بها وزير الخارجية الصيني وانج يي، وهو تقليد بدأ قبل 34 عاما بجعل إفريقيا وجهة أول رحلة خارجية لوزير الخارجية الصيني.

وتنقل الصحيفة الصينية عن الأستاذ في كلية العلاقات الدولية والدبلوماسية بجامعة بكين للدراسات الأجنبية، سون وي أن هذا يظهر أن واشنطن تنظر بشكل إلى إفريقيا من منظور المنافسة، مشددًا على أن واقع إفريقيا أدى لعدم إعطاء واشنطن الأولوية لها على الصعيد الدبلوماسي.

ومفسرًا فشل الاستراتيجية الأمريكية تجاه القارة الإفريقية، يصف المقال نهج واشنطن بأنه يستند إلى “المركزية الأمريكية”، حيث تضع نصب عينها تقويض النفوذ الصيني في القارة، وذلك بدلاً عن معالجة القضايا الحيوية التي تحتاج القارة الإفريقية إلى المساعدة فيها.

عقلية المصلحة الذاتية

نظرًا إلى أن العلاقات الأمريكية مع إفريقيا مدفوعة بعقلية المصلحة الذاتية، فمن الصعب على واشنطن أن تفهم النهج الصيني، حيث التزمت الصين باحترام خيارات القارة، كما كانت مستعدة لمشاركة إنجازتها التنموية معها، وتساعد في بناء البنية التحتية للإزدهار لحياة شعوب القارة، وفقًا للمقال.

وفقًا لمقال الصحيفة الصينية، فلدى الولايات المتحدة خطط للبنية التحتية في بها إفريقيا، ولكن تأثير المنافسة يلقي بظلاله، مشيرةً في هذا الصدد، لحديث صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، هذا الأسبوع عن كيفية إسهام مشروع للسكك الحديدية تدعمه واشنطن في “تحدي هيمنة بكين” في أنجولا.

الاختلاف بين بكين وواشنطن

في ديسمبر من العام الماضي، ذكرت وكالة “فويس أوف أمريكا” كيف أبرمت الولايات المتحدة صفقات بمليارات الدولارات مع الدول الأفريقية لمواجهة نفوذ الصين المتزايد.

تعليقًا على ذلك، تنقل جلوبال تايمز عن المحاضر في كلية الدراسات الإفريقية بجامعة بكين للدراسات الخارجية، هوانج ليزي، أن وراء المشاريع الأمريكية توجه قيمي -غير مرئي- موضحًا أن الولايات المتحدة تأمل أنه ومن خلال مشاريعها، يمكن للدول الإفريقية تبني القيم الأمريكية والاتساق مع مواقف الولايات المتحدة عند الضرورة، معتبرًا أن هذا هو “الاختلاف الأكبر” بين واشنطن وبكين” حيث تظهر الأخير التقدير والاحترام لشعوب القارة.

إفريقيا.. ذاكرة حيّة

ولا تزال حروب الوكالة التي خاضها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة حاضرة في ذاكرة الأفارقة، ما يمنحهم فهمًا عميقًا لتنافس القوى الكبرى، لكن ومع تغيّر النظام العالمي، فإنهم يقاومون وضعهم في خانة “رقعة الشطرنج” على طاولة المنافسة الدولية، وفقًا للمقال.

وتأمل الدول الإفريقية في الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، ولكن ليس على حساب تقويض التعاون في مجالات التنمية مع الصين. يرى الخبراء هذه النظرة بأنها “يقظة ذاتية” لدول القارة.

وتجلى ذلك في انخراط الأفارقة في مبادرات الجنوب العالمي، كبريكس وغيرها، مدفوعةً بالسعي للتنمية المستقبلية وبشعور المسؤولية لتمكين نظام عالمي أكثر عدلاً، ختامًا يشدد المقال على أن العلاقات طويلة الأمد تتطلب الاحترام بدلاً من الحسابات الجيوسياسية.

ربما يعجبك أيضا