واشنطن تخفف بعض عقوباتها على فنزويلا.. الأهداف والأسباب

رنا أسامة

القرار الأمريكي بشأن فنزويلا يُمثل ثاني تحوّل رئيسي في سياسة الولايات المتحدة تجاه الأنظمة الاستبدادية بأمريكا اللاتينية


أعلنت الولايات المتحدة يوم 17 مايو 2022، تخفيفًا محدودًا لبعض العقوبات الاقتصادية على فنزويلا، بهدف تشجيع استئناف الحوار السياسي بين الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، والمعارضة.

وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى لصحفيين، إن القرار “مرتبط باتفاق المُعسكرين على استئناف المفاوضات”، لإيجاد مخرج للأزمة “سيعلنان عنه قريبًا”، مُشيرًا إلى أن القرار جاء “بطلب من الحكومة الفنزويلية الانتقالية”، برئاسة المعارض خوان جويدو، الذي تعترف به واشنطن رئيسًا شرعيًا لفنزويلا.

ماذا تعني الخطوة؟

بموجب تخفيف واشنطن بعض عقوباتها على كاراكاس، سيُسمح لشركة شيفرون، آخر شركة نفط أمريكية كبرى لا تزال تعمل بفنزويلا منذ عشرينات القرن الماضي، بالتفاوض على ترخيصها مع شركة النفط الوطنية الفنزويلية لمواصلة أعمالها في البلاد، لكن دون السماح لها بحفر أو تصدير نفط من أصل فنزويلي، وفق تصريح مسؤولان حكوميان أمريكيان لوكالة أسوشيتد برس في 16 مايو.

كانت شيفرون، ومقرها في كاليفورنيا، تنتج مع شركة النفط الوطنية الفنزويلية حوالي 200 ألف برميل نفط يوميًا في عام 2019، لكن الحكومة الأمريكية أمرتها في عام 2020 بخفض الإنتاج. وبلغت قيمة استثمارات الشركة في حقول النفط والآلات الفنزويلية خلال القرن الماضي 2.6 مليار دولار أمريكي اعتبارًا من عام 2020.

ماذا عن باقي العقوبات؟

بالإضافة إلى ذلك، سيُحذف اسم كارلوس إريك مالبيكا فلوريس، وهو مسؤول سابق رفيع المستوى بشركة النفط الوطنية الفنزويلية ونجل شقيق السيدة الأولى لفنزويلا، من قائمة الأفراد الخاضعين لعقوبات، على حد قول المسؤولين اللذين تحدّثا شريط عدم كشف هويتهما. وبعد ساعات من إعلان ذلك، أقرّت المعارضة والحكومة الفنزويليتين ببدء محادثات حول استئناف مُحتمل للمفاوضات.

لكن سيظل عشرات الفنزويليين، بمن فيهم النائب العام ورئيس نظام السجون، وأكثر من 140 كيانًا، بينهم البنك المركزي الفنزويلي، خاضعين لعقوبات أمريكية. وستواصل وزارة الخزانة حظر المعاملات مع الحكومة الفنزويلية. كما أن مادورو الذي تعدّه الإدارة الأمريكية ديكتاتورًا نفسه مُتهمًا بالتآمر “لإغراق الولايات المتحدة بالكوكايين” واستخدام تجارة المخدرات “كسلاح ضد أمريكا”.

لِماذ علّقت حكومة فنزويلا محادثاتها مع المعارضة؟

علّقت حكومة فنزويلا محادثاتها مع المعارضة المدعومة من واشنطن في أكتوبر 2021، بعد تسليم حليف رئيس لمادورو للولايات المتحدة بتهم غسل أموال. واشترط مادورو حينها الإفراج عن رجل الأعمال أليكس صعب، الذي سلّمته دولة الرأس الأخضر الإفريقية، مقابل عودته إلى طاولة المفاوضات التي جرت في مكسيكو سيتي، بتوجيه من دبلوماسيين نرويجيين، وفق أسوشيتد برس.

وسحبت الولايات المتحدة ودول أخرى اعترافها بمادورو، بعد اتهامه بالتزوير في إعادة انتخابه رئيسًا لفنزويلا في 2018. بدلًا من ذلك وعلى مدى الـ5 سنوات الماضية، استخدمت الولايات المتحدة العقوبات المالية والشخصية، ولوائح الاتهام الجنائية، في حملة فاشلة لإزاحة مادورو واستعادة ما تُسميه “ديمقراطية فنزويلا المسروقة”.

إعادة نظر أمريكي

في مارس الماضي، سافر مسؤولون أمريكيون إلى كاراكاس، للقاء مادورو، بعد أن قلبت الحرب الروسية الأوكرانية النظام العالمي، وأجبرت واشنطن على إعادة النظر في أولويات أمنها القومي. بعد اللقاء، أطلق مادورو سراح سجينين أمريكيين ووعد باستئناف المفاوضات مع خصومه.

وقال مسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة ستعمل على ضبط العقوبات بناءً على نتائج ملموسة في المفاوضات، وستعيد فرضها في حالة التراجع في عملية الحوار. أضافوا لصحفيين: “إنه نهج دقيق للغاية يبحث في خارطة طريق واضحة في فنزويلا، السبيل الوحيد لتخفيف العقوبات هو مفاوضات تقود لنتائج ملموسة”، وفق أسوشيتد برس.

أمل فنزويلي

بعد الخطوة الأمريكية، غرّدت نائبة رئيس فنزويلا، ديلسي رودريجيز، بالإنجليزية، قائلةً: “تأمل فنزويلا أن تمهد هذه الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة الطريق أمام الرفع الكامل للعقوبات غير القانونية التي تؤثر على شعبنا بأكمله”.

في الوقت نفسه، شارك شقيقها، خورخي رودريجيز،  كبير مفاوضي مادورو، زعيم الجمعية الوطنية في فنزويلا، صورة له وهو يصافح كبير مُفاوضي المعارضة الفنزويلية، جيراردو بلايد، في إشارة إلى إعادة تنشيط المحادثات المتوقفة.

تحوّل رئيس في أمريكا اللاتينية

القرار الأمريكي بشأن فنزويلا يُمثل ثاني تحوّل رئيس في سياسة الولايات المتحدة تجاه الأنظمة الاستبدادية بأمريكا اللاتينية. فأعلنت إدارة بايدن يوم 16 مايو الجاري، تخفيف بعض القواعد التي كانت سائدة في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب بشأن كوبا، بما في ذلك السماح بمزيد من الرحلات التجارية والطائرات العارضة، بحسب سي إن إن الأمريكية.

وصرّح مسؤول أمريكي للشبكة بأن ذلك التحوّل لا يرتبط بقمة الأمريكتين التاسعة، المُزمع أن يستضيفها الرئيس جو بايدن في لوس أنجلوس الشهر المقبل. لكن بدلًا من ذلك، ترمي هذه الخطوات لدعم الحوار الذي قد يساهم في الوصول إلى نتائج أفضل، مع الاستمرار في الدفاع عن حقوق الإنسان.

الأمريكيون المحتجزون في فنزويلا

إذا مكّن تخفيف العقوبات الأمريكية على فنزويلا، الولايات المتحدة من معالجة قضايا مثل الإفراج عن الأمريكيين المحتجزين حاليًا في فنزويلا، توقّع مسؤول أمريكي أن تواصل واشنطن تخفيف مزيد من العقوبات على كاراكاس.

وأُطلق سراح أمريكيين كانا مُحتجزين بفنزويلا في مارس الماضي، بعد زيارة اثنين من كبار المسؤولين الحكوميين الأمريكيين إلى كاراكاس. قال مسؤول أمريكي يوم 17 مايو الجاري إن مسؤولين أمريكيين سيُجرون زيارة أخرى لفنزويلا إذا كانت ستفضي إلى تحرير محتجزين أمريكيين آخرين، وفق سي إن إن.

ربما يعجبك أيضا