صفقة الصواريخ الروسية.. معضلة «أردوغان» في مد الجسور مع «بايدن»

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

العلاقات الأمريكية التركية في تناقض مستمر فأنقرة أعلنت عدم تخليها عن صواريخ إس-400 ولوحت بعقد صفقة جديدة متحدية التحذيرات الأمريكية الرافضة لامتلاك تركيا العضو في الحلف الأطلسي لهذه المنظومة كونها تقوض أمن الحلف، وهو ما يضع أردوغان أمام معضلة إما الصدام مع واشنطن وفرض عصا العقوبات وإما مواجهة الغضب الروسي في حال تخلت أنقرة عن منظومة الصواريخ، وبين هذا وذلك تأمل تركيا فتح صفحة جديدة مع إدارة بايدن والتوصل لتفاهمات، إلا أن الأخيرة عبرت عن مخاوفها وسط توقعات بصدام قريب إذا لم تبحث تركيا عن مخرج بديل لحل الأزمة قبل تصعيدها مع واشنطن.

تركيا وصواريخ إس 400

وسط توتر متصاعد مع الولايات المتحدة، أعربت تركيا، عن إصرارها على امتلاك منظومة الدفاع الصاروخية الروسية “إس-400″، مؤكدة أنها “لن تتراجع” عنها، وذلك بعد العقوبات التي فرضتها واشنطن على أنقرة لدفعها لاتخاذ تلك الخطوة.

وفي وقت سابق، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ، أن أنقرة تعتزم مناقشة توريد منظومة ثانية من “إس-400” خلال المحادثات مع روسيا نهاية يناير، مؤكدًا أن تجربة بلاده لمنظومة الدفاع الجوي الروسية، “إس-400″، لا تتعارض مع التزاماتها كعضو ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، داعية الدول الحليفة لاقتراح بدائل لتوفيق المنظومة مع أسلحة الحلف.

ورغم التحذير الأمريكي وتعليق مشاركة تركيا في برنامج بتعليق مشاركة تركيا في برنامج تصنيع طائرات حربية أمريكية حديثة من طراز اف-35 خشية أن تتسبب منظومة الصواريخ في كشف أسرارها التكنولوجيا، أجرت أنقرة أول اختبار لنظام إس-400 في أكتوبر الماضي وهو ما أكده أردوغان في تصريحات رسمية له.

مخاوف أمريكية

وفي أول تعليق لإدارة بايدن، أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، اليوم أن حصول تركيا على منظومة صواريخ “إس-400” للدفاع الجوي الروسية، يقوض تماسك حلف الناتو وفعاليته.

وأكد سوليفان خلال اتصال هاتفي مع المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، رغبة إدارة الرئيس بايدن في بناء علاقة بناءة مع تركيا، وتوسيع مجالات التعاون وإدارة الخلافات بين البلدين بشكل فعال، كما أن الإدارة الجديدة ملتزمة بدعم المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون.

ونقل سوليفان نية الإدارة الأمريكية الجديدة تعزيز الأمن عبر المحيط الأطلسي من خلال الناتو، معربًا عن “القلق من أن حصول تركيا على أنظمة الدفاع الجوي الروسية “إس-400″ الحديثة، يقوض تماسك التحالف وفعاليته”.

واتفق الجانبان على مواصلة التشاور عن كثب في القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، والتعاون بشأن عدة تحديات عالمية، مثل جائحة فيروس كورونا و التغير المناخي.

العصا أم الجزرة

وبين التوقعات ببدء صفحة جديدة في العلاقات بين الجانبين، وبين احتمال تصاعدها  بفرض عقوبات أمريكية على خلفية منظومة الصواريخ الروسية، يمكن طرح رؤية كلا الجانبين، لكن إقرار شكل العلاقة ربما ستحدده الأيام القادمة في حال قام الرئيس التركي بتفعيل منظومة الصواريخ الروسية.

فمع تولي إدارة بايدن كان هناك تحذير على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكين من إتمام صفقة “إس-“400 التركية مع روسيا، بفرض مزيد من العقوبات على أنقرة.

ومع ذلك، فإن رد الفعل والرد الرسمي التركي المثير للجدل تم التعبير عنه لأول مرة من قبل المتحدث باسم أردوغان، إبراهيم كالين الذي توقع من إدارة بايدن أن تفتح صفحة جديدة فيما يتعلق بالعلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا ، وقال إنهم “يريدون تطوير علاقات جيدة وطي الصفحة”.

ورغم تحذيرات الولايات المتحدة وحلفاء الناتو الآخرين، أصر أردوغان على تحدي مبادئ الناتو ووقع صفقة صواريخ إس -400 مع بوتين بقيمة 2.5 مليار دولار، بل وأعلن مرارًا أن تركيا لن تتراجع، حتى عندما قطعت الولايات المتحدة شريكًا ماليًا ومصنعيًا من برنامج F-35 وفرضت عقوبة أيضًا.

وبالتالي، فإن فتح صفحة جديدة في العلاقات بين واشنطن وأنقرة في ظل إدارة بايدن سوف تمليه الولايات المتحدة بكل تأكيد، ولا يتعين على أردوغان سوى الالتزام بشروطها، إلا إذا أصرت على الصدام وإتمام الصفقة أي تفعيلها وتهديد مصالح أمريكا وحلف الناتو والتي قد يقابل بفرض مزيد من العقوبات لن تتحملها أنقرة في ظل الازمات الاقتصادية التي تواجهها.

معضلة أردوغان

الاختيار بين العقوبات الأمريكية والصواريخ الروسية، يضع أردوغان أمام معضلة صعبة، فالمضي في هذه الصفقة أي تفعيلها قد يعرض العلاقات الأمريكية التركية للقطيعة وربما الصدام، وقد تتفاقم الأمور باتجاه دعم غدارة بايدن للمعارضة التركية للإطاحة به عبر صناديق الانتخابات.

وفيما يتعلق بموقف موسكو بشأن صفقة S-400 التي خدمت المصالح الروسية، فإن إعادة النظر أو التراجع من جانب أردوغان قد يكون له نتائج خطيرة. علاوة على ذلك ، ليس لدى أردوغان المزيد من الخيارات لأنه يدرك أنه بدون الدعم الروسي، لن يغزو ويتدخل في مناطق أخرى مثل سوريا وليبيا وجنوب القوقاز ودول البحر الأبيض المتوسط الأخرى مثل اليونان وقبرص.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل سيبقي أردوغان هذه المنظومة غير مفعلة بشكل دائم كي يتجنب القطيعة والصدام مع الإدارة الأمريكية الجديدة؟ وهو ما يضع أردوغان امام مفترق طرق وقد يسعى للبحث عن مخرج لأزمته  بصفقة يعقدها مع ساكن الجديد في البيت الأبيض، صفقة قد تبدأ بطرح تركيا من جديد استعدادها لشراء منظومة باتريوت، وإعادتها إلى صناعة المقاتلة إف-35، مقابل تقديم تنازلات في شرقي المتوسط، وانتهاج سياسة جديدة في شمال شرق سوريا، فالنظام التركي يدرك جيدًا أن الذهاب إلى الصدام مع الإدارة الأمريكية الجديدة حتى النهاية لن يكون سوى بمثابة انتحار سياسي لحكم أردوغان.

ربما يعجبك أيضا