ظاهرة «النينيو» تهدد بتفاقم أسعار المواد الغذائية العالمية

تشير التوقعات إلى أن ظاهرة النينيو ستؤدي إلى أشهر من الحر الشديد في مناطق من جنوب آسيا وأمريكا الوسطى، وهطول أمطار غزيرة على جبال الأنديز.

وحسب تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، الثلاثاء 29 أغسطس 2023، هذه الظاهرة، الناتجة عن التقلب في درجات الحرارة في المحيط الهادي، ستؤثر في أسعار الغذاء العالمية، وتفاقم التضخم في الأسواق الناشئة.

3 صدمات

بداية من سبتمبر المقبل، من المتوقع أن تسفر ظاهرة النينيو عن أشهر من الحر الشديد في مناطق من جنوب آسيا وأمريكا الوسطى، وهطول أمطار غزيرة على جبال الأنديز، حسب الصحيفة البريطانية.

وهذه الظاهرة تعطل دورات المحاصيل، ومن المرجح أن تضيف المزيد من الضغط على إنتاج الغذاء العالمي وأسعاره بعد أن أجبرت الأمطار الغزيرة الهند على حظر تصدير الأرز الأبيض، وانسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب وقصفها محطات الحبوب الأوكرانية.

ارتفاع التضخم

أشارت فاينانشال تايمز إلى أن “هذه الصدمات الثلاثة قد ترفع توقعات التضخم على المستوى الأسري في الدول الأفقر، التي يمثل الغذاء نحو 30% من الإنفاق التقليدي على البضائع والخدمات الاستهلاكية، وهو ضعف الرقم في الاقتصادات المتقدمة”.

اقرأ أيضًا| كيف تؤثر غازات الاحتباس الحراري في ظاهرة النينيو والنينيا؟

وهذه التداعيات قد تزيد الضغط على البنوك المركزية في الأسواق الناشئة لإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لوقت أطول، ما يثير التقلبات في أسواق الأسهم المحلية والسندات السيادية التي جرى تسعيرها، بناءً على خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق هذا العام.

تقييم الضرر

لفتت المحللة في مجموعة “مينتك” المعنية بأبحاث السلع، زانا أليكساهينا، إلى أن “المستثمرين لم يحسبوا بعد حجم تأثير الطقس المتطرف في أسواق السلع والأسواق المالية”، حسب فاينانشال تايمز.

وقالت: “نحن ننظر لتوقعات الطقس قبل أسبوعين إلى 6 أسابيع مثل المجانين، سوف تكون حاسمة، لكن السوق لا ترغب في احتساب أي نوع من علاوات المخاطرة حتى الآن”.

تأثير ملموس

بدأ تأثير الخطوات التي اتخذتها والهند وروسيا في الظهور في أسعار الغذاء العالمية، ووفق الصحيفة، هبط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لأسعار الغذاء 26% في الفترة بين مارس 2022 ويونيو 2023، لكنه ارتفع 1.3% في يوليو، مع ارتفاع أسعار الزيت النباتي 12.6%.

وارتفعت أسعار القمح الدولية 1.6%، وهي أول زيادة شهرية منذ ديسمبر الماضي، في حين ارتفع مؤشر الفاو لأسعار الأرز 2.8%، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ سبتمبر 2011.

آراء الخبراء

قالت مديرة أبحاث الأسهم المستدامة للأمريكيتين بمؤسسة مورجان ستانلي، لورا سانشيز، إن “ظاهرة النينيو تبلغ ذروتها في الفترة من نوفمبر إلى فبراير، لكن التداعيات على تضخم الغذاء، والميزانيات المالية، والسياسة النقدية، والناتج المحلي الإجمالي، والتجارة، في الأسواق الناشئة، تستمر لفترة أطول”.

اقرأ أيضًا| كيف يؤدي حظر التصدير الهندي للأرز إلى أزمة غذاء عالمية؟

في ما رأت خبيرة الأسواق في “كابيتال إيكونوميكس”، ديانا إيوفانيل، أن البنوك المركزية للأسواق الناشئة “ستحتاج إلى إبقاء أسعار الفائدة أعلى لفترات أطول لمكافحة ارتفاع التضخم المستمر”، مضيفة أن هذا سيرفع تكاليف الاقتراض الحكومي في وقت يستبعد المستثمرون التخفيضات المتعددة في أسعار الفائدة.

رياح معاكسة

في يونيو الماضي، لفت محافظ البنك المركزي الهندي إلى وجود “مخاوف” بشأن الطقس الجاف الذي تسببه النينيو لاحقًا هذا العام، وبعدها بيومين، حذرت لجنة السياسة النقدية في تايلاند من ضربة محتملة لأسعار الغذاء الخام.

وحسب البنك المركزي البرازيلي، يبرز “الغموض بشأن تأثير ظاهرة النينيو كرياح معاكسة رئيسة لانخفاض أسعار الغذاء المحلية”.

ووفق فاينانشال تايمز، توقع محلل استراتيجيات السوق في “بنك أوف أمريكا”، إيهواريو إيفيني، ارتفاع الطلب على الأسمدة، والمبيدات، والأطعمة المعدلة وراثيًّا. وأضاف أن “الأسهم المتعلقة بسلسلة إمداد الأعمال الزراعية، التي تشمل الآلات والمواد الكيميائية والمعالجة، ستكون مستفيدة أيضًا”.

تداعيات أبعد من الغذاء

لفت بنك جيه بي مورجان إلى أن تأثير النينيو في التضخم العالمي “قد يمتد أبعد من الغذاء”، وفق ما نقلت فاينانشال تايمز. ووجد تحليل أجراه البنك لبيانات البنك الدولي الخاصة بأسعار الغذاء منذ الستينيات أن ظواهر النينيو، التي تحدث مرتين في العقد، ترتبط بارتفاع الأسعار العالمية للمطاط، والخشب، والزنك.

وفي أستراليا، تتسبب النينيو في هطول الأمطار الغزيرة على منطقة بليبرا الغربية، التي تُعد موطنًا لاحتياطيات ضخمة من خام الحديد. وتمثل أستراليا 60% من سوق الحديد الخام المنقول بحرًا، ما يعني ارتفاع الأسعار في حالة التعطل الناتج عن الطقس.

الأسواق المتقدمة

أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن التأثير سيطال الأسواق المتقدمة أيضًا، وفي أمريكا الوسطى، حيث من المتوقع أن تتسبب النينيو في موجات حر شديدة، تعاني مناطق كثيرة الجفاف الحاد الذي أجبر السلطات على تخفيض عدد العبور اليومي عبر قناة بنما.

ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على الغاز الطبيعي المسال الذي تحمله الناقلات المنتظرة على جانبي الممر التجاري لقناة بنما، إذا تسببت النينيو في شتاء أكثر برودة في أوروبا.

وفي هذا الصدد، قال خبير الطاقة الاستراتيجي في “رابو بنك”، جو ديلورا: “نحن نعيش في عالم محفوف بالمخاطر وارتفاع الأسعار”، مضيفًا أن “العالم سيراقب عمق نهر الراين في مدينة كاوب، وعدد السفن التي تعبر قناة بنما ومخزونات المستودعات، وفق التقارير الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية كل أسبوع”.

اقرأ أيضًا| تعليق حركة الملاحة في بنما.. هل تكون قناة السويس بديلًا؟