رؤية – بنده يوسف
وأدتْ إيران ثورتها الخضراء وما بعدها عن طريق تحريك المليشيات الموالية للنظام لقمع تظاهرات وإنتفاضات هذه الثورات. والأمر تكرر في وريا، والآن يجري في العراق ولبنان. تهدف طهران من ذلك عدم ضياع مصالح نظامها خشية من تغيير النظام في سوريا والعراق ولبنان. وتدفع بالمليشيات الموالية لها حتى يبدو الأمر شعبيًا ولا يكون الجيش في مواجهة هذه الثورات.
وبنفس العقلية، تكررت مثل هذه المواجهات في السابق داخل إيران حيث استعملت السلطة الإيرانية مجموعات الباسيج المنتمية إلى الحرس الثوري (وهي مليشيات مدربة في أغلبها بلباس مدني) في قمع احتجاجات الانتخابات الرئاسية في إيران سنة 2009.
كما استعملت إيران تلك القوات التي أسسها قائد الثورة الإيرانية روح الله الخميني في السبعينيات لمواجهة أية تحرك احتجاجي عمالي أو طلابي يطالب بالحقوق الاقتصادية أو الاجتماعية في إيران.
وعرف عن تلك المجموعات استعمالها المفرط للقوة تجاه المحتجين السلميين في إيران حيث سقط عديد من الضحايا في صفوف المحتجين الإيرانيين بنيران تلك الميليشيات ويبدو اليوم أن تلك التجارب السيئة تتكرر في العراق ولبنان بنفس العقلية لكن عبر أياد عربية موالية للسلطات في طهران.
وبعد سوريا، تعيش الساحتان العراقية واللبنانية تشابها كبيرا في مطالب المحتجين الداعين إلى مكافحة الفساد وإنهاء المحاصصات الطائفية والارتهان إلى الخارج والمطالبة بحقوق اقتصادية واجتماعية.
ولكن في المقابل تتشابه ردود الفعل في البلدين من قبل السلطة وخاصة من قبل مجموعات مسلحة وميليشيات مشاركة في الحكم لكنها مرتهنة لإيران ومستفيدة من بقاء الأوضاع كما هي خدمة لمصالحها.
وتأتي مواقف قادة المجموعات والمليشيات المسلحة في العراق ولبنان كرد فعل على الرفض الشعبي المتزايد للنفوذ الإيراني وتحميله مسؤولية الأزمة حيث تداولت وسائل الإعلام قيام محتجين بتمزيق وإحراق صور خامنئي في عدد من المحافظات الجنوبية في العراق وترديد شعارات ضد قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
في العراق
ارتكبت فصائل شيعية عراقية مموالية لإيران الجمعة الماضية، مجزرة بحق المتظاهرين الذين خرجوا تنديدا بالفساد وبالنفوذ الإيراني في احتجاجات عابرة للطائفية لم تهدأ منذ أسابيع. فقد سقط أكثر من عشرين قتيلا معظمهم برصاص ميليشيا عصائب أهل الحق احدى أكبر فصائل الحشد الشعبي التي تم دمجها في القوات المسلحة.
وقد أذعن رئيس وزراء العراق عادل عبدالمهدي لأوامر ومطالبات قادة ميليشيات موالية لإيران وصاحبة نفوذ عالي في البلاد بالتصدي بحزم وصرامة للمتظاهرين العراقيين الذين يواصلون احتجاجاتهم على الفساد والمحاصصة الطائفية وتنامي النفوذ الإيراني في بلدهم.
وأمر عبدالمهدي قوات خاصة لمكافحة الإرهاب بالانتشار في شوارع بغداد واستخدام أي وسائل لإنهاء الاحتجاجات.
وتعد هذه الأوامر بمثابة استجابة سريعة من رئيس الحكومة لقادة ميليشيات طالبت القوات الأمنية والعسكرية بالتدخل بصرامة ضد المحتجين. ويتهم المتظاهرون الميليشيات الموالية لإيران بإطلاق النار بشكل متعمد ومباشر عليهم في أكثر من منطقة.
ووفقا لتقرير مايكل نايتش، المحلل السياسي في معهد واشنطن، فقد انضمت مجموعة من الميليشيات العراقية وقادة الأمن العراقيين إلى ضباط في “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني لتشكيل خلية أزمة في بغداد في 3 أكتوبر الجاري. وانطلاقاً من غرفتي عمليات – منزل آمن سري في الجادرية ومبنى لهيئة تابعة لـ “قوات الحشد الشعبي” بالقرب من مستشفى إبن سينا – قدم ضباط اتصال إيرانيون المشورة بناءً على خبرتهم في محاربة النشطاء في إيران، بالإضافة إلى توفيرهم مواد استخبارية عن النشطاء والاتصالات الآمنة للقناصة.
وطالب مايكل نيتش في تقرير الإدارة الأمريكية، بفرض العقوبات على الشخصيات والهيئات التي تستخدمها إيران لقمع الثوار في البلدان العربية.
في لبنان
حتى الآن، لم تصل ردة فعل حزب الله إلى قنص المتظاهرين رغم التهديد والوعيد من أنصار الحزب الذين خرجوا إلى الشوارع والساحات في محاولة لقمع المتظاهرين وفك اعتصامهم في بيروت.
وهتف مقتحمو اعتصام بيروت الذين كانوا يرتدون قمصانا سوداء يشتهر بها أنصار حزب الله وحركة أمل الشيعية “لبيك، نصر الله” في إشارة إلى حسن نصر الله الأمين العام للحزب.
واندلعت مواجهات مماثلة ليل الخميس الماضي في نفس الموقع من وسط بيروت. وقبل أيام حالت قوات الجيش اللبناني دون اقتحام العشرات من أنصار حزب الله كانوا على متن دراجات نارية لساحة الاعتصام وسط العاصمة اللبنانية في مشهد يشير إلى النهج الإيراني الذي يعتمد الفوضى كوسيلة لمواجهة أية مطالب مشروعة.
بل وتمادى الأمر بتلك المجموعات إلى الاعتداء على قوات الأمن في استهانة واضحة بهيبة الدولة اللبنانية.
ووجه نصرالله الجمعة رسائل تهديد مباشر للحراك الشعبي متحدثا عن احتمال الانجرار لحرب أهلية رافضا فكرة استقالة الحكومة متحدثا في الوقت ذاته عن مؤامرة تستهدف لبنان وهي الرواية التي تروج لها إيران منذ فترة في معظم وسائل إعلامها.
وتحدث نصرالله عن تمويل التحركات الاحتجاجية من قبل جهات أجنبية وهي نفس الادعاءات التي يطلقها قادة الميليشيات في العراق ضد المحتجين العراقيين حيث اتهموهم بالولاء للولايات المتحدة الأميركية وتنفيذ مخططاتها.
يقول الكاتب العراقي، فاروق يوسف، الحرب الأهلية التي يهدد بها نصرالله هي حرب حزبه على الشعب الذي لا يزال مصرا على إنهاء الوجود الشاذ لحزب الله.
وأعلن الحريري خطة إصلاح “جذرية” تضمنت خفضا بنسبة النصف لرواتب المسؤولين، ووعودا بإصدار قانون لاستعادة الأموال المنهوبة، وغيرها، لكن الشارع لم يتفاعل معها.
ويرفض نصرالله، كما نبيه برّي، تقديم تنازلات تفتح الباب لتنازلات أكبر من دون نتيجة، خاصة أن خطاب نصرالله، الجمعة، الذي حاول فيه الانحناء للعاصفة ومغازلة المحتجين بإظهار تفهم لمطالبهم، لم يلق أي تفاعل في الشارع خاصة لما رافقه من تحذيرات واتهام “سفارات” بالوقوف وراء الاحتجاجات وتأجيجها.
المتظاهرون الخونة
الملاحظ أن مجموعات حزب الله وحركة أمل في لبنان أو الميليشيات العراقية كالعصائب وحزب الله العراقي في العراق ترفع نفس صور الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي وتردد نفس العبارات والتهم الإيرانية في مواجهة المحتجين.
وتتفق الميليشيات في العراق و لبنان على وصف المتظاهرين بالخونة وبأنهم مندسون و يتلقون دعما خارجيا لتبرير العنف المسلط ضدهم واستغلال ضعف الدولة وأجهزتها.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=330317