عولمة التجارب السريرية.. فقراء يدفعون الثمن والربح للأغنياء

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

سباق زمني للبحث عن لقاح لفيروس كورونا المستجد، شرعت فيه العديد من الدول بإجراء تجارب على الطبقات الفقيرة لسهولة إجراءاتها وانخفاض تكلفتها، في وقت أثبتت فيه بعض التجارب فشلها وتأثيرها على الصحة، ورغم ذلك يحتدم السباق للوصول إلى اللقاح المرتقب ليحطم معه معايير السرعة والأمان دون وجود أي ضمان يثبت فاعليتها ليدفع ثمنها فقراء العالم.

تجارب اللقاح

“نحن في حاجة ماسة لعلاج أو لقاح ولكن ترى ما كلفة ذلك على فئران التجارب البشرية” هكذا عنونت صحيفة الأوبزرفر البريطانية، لتسلط الضوء على حقيقة ما يجري في سباق البحث عن لقاح ضد فيروس كورونا القاتل.

وبحسب الصحيفة، ففي الوقت الذي شرع فيه أطباء وعلماء من جامعة أكسفورد بحقن أول مجموعة من المتطوعين في أوروبا بلقاح محتمل لفيروس كورونا، أرسلت الصين شحنة من لقاح محتمل إلى قرية باكستانية فقيرة لتجريبه على عدد من المتطوعين من سكانها.

وتشير التجربتان إلى أن هناك اتجاهين مختلفين في تجريب اللقاح، فبينما اختارت جامعة أكسفورد تجريب اللقاح في أوروبا، يوجد اتجاه متزايد من شركات الأدوية في أوروبا والولايات المتحدة والصين لتجريب العقاقير واللقاحات الجديدة على الفقراء في دول بعيدة.

التجربة الصينية يسميها الكثيرون “عولمة التجارب السريرية”، فحتى على العشرين عامًا الماضية قامت الشركات الأمريكية والأوروبية ، والأكثر من ذلك، الشركات الصينية بنقل التجارب إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، ففي عام 2017، تم اختبار 90٪ من الأدوية الجديدة التي وافقت عليها وكالة الغذاء والدواء الأمريكية جزئيًا على الأقل خارج الولايات المتحدة وكندا.

وتنفق العديد من الحكومات وشركات الأدوية مليارات الدولارات في سباق تطوير لقاح فيروس كورونا، رغم أن احتمال نجاحه منخفض للغاية، ويعد حجم الوصول إلى اللقاح هو الأكبر من نوعه، فقد أعلن تحالف ابتكارات التأهب الوبائي CEPI أن أكثر من 115 لقاحًا يجري اختبارها في جميع أنحاء العالم، ويحطم هذا السباق معايير السرعة والأمان في تطوير الأدوية واللقاحات، حيث دفعت سرعة تفشي الفيروس والمخاطر التي يسببها مراكز البحث إلى اختبار بعض اللقاحات المقترحة، من دون وجود أي ضمان يثبت فاعليتها.

وتعمل شركات الأدوية والحكومات والمستثمرون على تعزيز الإنفاق بطرق غير مسبوقة للحصول على اللقاح في أسرع وقت وبأقل تكلفة ممكنة، ولهذا يلجأ العديد من الدول للتجارب السريرية لحل الأزمة المتفاقمة منذ ديسمبر الماضي.

عولمة التجارب السريرية

عولمة التجارب السريرية لها العديد من الفوائد المحتملة، ومن الممكن أن تساعد في معالجة الأمراض التي تم تجاهلها لفترة طويلة، لكن بعض من تلك التجارب لا تهتم بصحة ورفاعية المشاركون في الاختبارات، بقدر اهتمامها بخفض التكاليف وتحقيق الأرباح.

عادة تجارب اللقاح تحتاج إلى سنوات من الاختبارات حتى يتم إثبات فعالياتها. لكن هذه القواعد التقليدية لتطوير الأدوية واللقاحات تم تجاهلها في وجه فيروس أصاب نحو 2.9 مليون شخص، وقتل أكثر من 200 ألف، ودمر الاقتصاد العالمي.

 فالعالم يسعى لإيجاد لقاح ضد كورونا واختباره وإنتاج ملايين الجرعات منه في غضون 12- 18 شهرًا فقط. وستحصل الشركات في حال التوصل إلى اللقاح على أرباح مالية كبيرة، خصوصاً إذا كانت هناك حاجة للتلقيح الموسمي ومحاولة أغلبية البلدان الحصول على مخزون استراتيجي من اللقاح. بالإضافة إلى الفوائد الأخرى من زيادة شهرتها وتعزيز مكانتها في سوق الأدوية العالمية الأخرى.

ومن أجل هذا قامت العديد من الدول بتصميم تجارب سريرية في بعض الدول مثل الهند وباكستان، فضلًا عن دعوة بعض العلماء في فرنسا لإجراء تجارب لقاح كورونا في أفريقيا وهو ما أثار غضب مواقع التواصل الاجتماعي وأدانته منظمة الصحة العالمية.

لماذا الفقراء؟

لجوء بعض الدول لاختبار العقاقير في الدول الفقيرة، يعود إلى أن القواعد المنظمة لتجارب الدواء تكون أقل صرامة، فضلًا عن انخفاض تكلفة الأطقم الطبية والعثور على أشخاص يمكنهم المشاركة في تجريب العقاقير بصورة أسهل وأقل في التكاليف بنسبة من 30 لـ40%.

يضاف إلى ذلك، أن الضوابط الأخلاقية للتجارب الدوائية تتطلب عادة حصول المشاركين في التجارب على أفضل سبل العلاج لحالتهم، ولكن في الدول الفقيرة يدفع فقر المرضى الشركات المجربة للعقاقير إلى التغاضي عن هذا المطلب.

في الهند على سبيل المثال تم تجريب أدوية على مرضى دون علمهم أنهم يتلقون دواء في مرحلة الاختبار والتجريب، ونجم عن ذلك مضاعفات صحية للكثيرين كما توفي الكثيرون جراء هذه التجارب.

ويعود السبب في اختيار الهند بسبب عدد سكانها الهائل وارتفاع مستويات الفقر بها ووجود مختبرات وعلماء، لذا أصبحت الهند في العقد الأول من هذا القرن البلد الفقير المفضل للعديد من شركات الأدوية، حيث ارتفعت نسبة التجارب السريرية العالمية التي أجريت بها من أقل من 1٪ في عام 2008 إلى 5٪ بعد ست سنوات، تقريبًا.

ومما يثير القلق بنفس القدر أن التجارب السريرية في البلدان الفقيرة نادرًا ما تعالج المشاكل الصحية المحلية، في كل عام تتسبب الأمراض المعدية في خسائر فادحة للدول الفقيرة مثل السل، كما يحدث اليوم في الهند، حيث تتجاهل شركات الأدوية مضاعفات التجارب مستغلة أجساد الفقراء للتخفيف من أمراض الأغنياء.

وفي حال توصل العالم للقاح هذا العام أو ما بعده، سيظل هناك ملايين في جنوب العالم يموتون بسبب نقص الأدوية والأبحاث الأساسية، فهل سنأخذ حياتهم على محمل الجد مثلما نأخذ حياة أولئك الذين دمرهم الفيروس التاجي؟ هل سنعيد التفكير في طريقة إجراء الأبحاث السريرية وما هي أولوياتها؟ أم سنستمر في تجاهل الفقراء والاستمرار في السماح للأرباح بالسيطرة على أرواحهم؟

ربما يعجبك أيضا