فنان بلا هوية.. شبح بانكسي يعود مرة أخرى

مها عطاف

رؤية – مها عطاف

“الرغبة في التدمير هي أيضاً رغبة إبداعية”.. أثار فنان الجرافيتي البريطاني مجهول الهوية “بانكسي”، الجدل مجددًا، بعد أن بيعت لوحته “الفتاة والبالون” في 5 أكتوبر، بمزاد سوثبيز مقابل 1.4 مليون جنيه إسترليني في لندن، وفور انتهاء المزاد، بدأت اللوحة بتمزيق نفسها ذاتيًا أمام دهشة صادمة أمام الحاضرين، وهي تخرج عن إطارها مرورًا بآلة لتمزيق الورق، يبدو أنها كانت مخبأة داخل الإطار، وعلق بانكسي على المشهد قائلًا: “إنها تختفي.. تختفي.. اختفت”.

بانكسي الغامض.. فنان بلا هوية

“لا أعلم لماذا يحرص الناس على وضع تفاصيل حياتهم الخاصة للعلن، لقد نسوا أن التخفي قوة خارقة”.. يبدو أن هذا مبدأ بانكسي في الحياة، الذي يطلق على نفسه هذا الاسم، ولا أحد يعرف حقيقته، فهو يبتعد عن الأضواء، تاركًا شهرة أعمالة العالمية بلا صاحب، وكل ما يعرف عن هويته أنه فنان بريطاني من مواليد بريستول عام 1974، وقد انتشرت أعماله ولمع نجمه في أواخر التسعينيات.

معروف فنيًا برسومه الجدارية الساخرة واللاذعة والناقدة، التي غالبًا ما تكون سياسية وتعرض في الهواء الطلق، في بدايته كان بانكسي فنان غرافيتي مغمورًا، لا تثير أعماله على جدران مدينة بريستول بإنجلترا أي جدل، لكن الأوضاع تغيرت تمامًا حين أدرك الناس القيمة الفنية الكبيرة لأعماله.

الفضول دفع محبي أعمال بانكسي لمحاولة التعرف إليه، والاسمان اللذان يرجح الباحثون عنه أنه أحدهما هما روبرت بانكس أو روبن غونينغام، وهو الذي يجمع أغلب الناس على كونه بانكسي، وهو فنان ولد في بريستول أيضًا عام 1973، وانتقل إلى لندن في عام 2000 مع بداية انتشار أعمال بانكسي هناك.

الخروج من متجر الهدايا

بدأ بانكسي بالرسم اليدوي، ومع تزايد البحث عنه تحول للرسم بالإستنسل “ملء لوحات مفرغة مسبقًا، بالألوان” وهو ما يساعده على إنجاز أعماله بسرعة ودقة دون الكشف عن هويته، وهو يرسم على المجسمات أيضا، انتشار أعماله نجح في تغيير وجهة النظر عن رسوم الشارع، من مجرد كونها أعمال تخريبية إلى تثمينها كقطع فنية مبهرة، وأصبح بانكسي ملهمًا للكثير من فناني الشوارع حول العالم.

يحرص بانكسي على عدم الكشف عن هويته، فما يريده في الحقيقة أن يكون بطل المشهد الوحيد هو العمل الفني، وما يحمله من قضايا، وأن يكون هذا العمل متاحًا في الشارع أمام كل الناس، لا أن تحده صالات العرض ومزادات البيع، وقد أنتج فيلما وثائقيا في عام 2010 بعنوان “الخروج من متجر الهدايا”، تناول فيه العلاقة بين الفن التجاري وفن الشوارع، وعرض الفيلم في مهرجان صندانس السينمائي للأفلام، وترشح لجائزة أكاديمي.

في عام 2003 كان أول ظهور لرسوم بانكسي على جدران بريستول، ولندن، وقد أثارت العديد من التساؤلات حول شخصه وأفكاره، وفي 21 مايو 2007 حصل بانكسي على جائزة أعظم فنان يعيش في بريطانيا، والتي وزعتها قناة “أي تي في” البريطانية، وكما كان متوقعًا لم يحضر بانكسي لاستلام جائزته واستمرت شخصيته مجهولة حتى اللحظة.

جداريات بانكسي حول العالم

لم تكن تلك المرة الأولى التي يثير فيها بانكسي الجدل برسوماته وفنه، حيث أنه سبق ورسم رسومًا على الجدار العازل الذي بنته إسرائيل بالضفة الغربية المحتلة، وقدم من خلالها اعتذارًا ملكيًا بسبب دعم بريطانيا لإقامة وطن لليهود في فلسطين، وله لوحة شهيرة تمثل دمية هوائية بالحجم الطبيعي في هيئة أحد معتقلي “غوانتانامو”، وضعها في أحد متنزهات ديزني لاند، وصورة الموناليزا وهي تحمل قنبلة.

تضامن بانكسي مع الفنانة التركية “زهرا دوجان” التي اعتقت من قبل السلطات التركية والحكم عليها بالسجن لمدة ثلاث سنوات، لرسم لوحة زيتية تحاكي صورة فوتوغرافية شاهدتها في إحدى الجرائد تظهر فيها أبنية مدمرة معلق على جدار كل واحدة منها العلم التركي.
وقد رسم في أحد أعياد الميلاد السيدة مريم ويوسف النجار وهما يواجهان جدار الفصل في طريقهما إلى بيت لحم، وقبل أحد عشر عامًا زار المنطقة، ورسم على الجدار العازل رسومًا عديدة لها نفس ذات المغزى..

كانت الحيوانات ظاهرة بشكل واضح في أعمال بانكسي، فاستخدم الفئران والقرود بشكل واضح في رسومه، فكانت القردة تشير لأفراد الأسرة المالكة ببريطانيا للتعليق بشكل ساخر على سياسات النظام، أما الفئران فقد كان يصحبها دائمًا بجملته الشهيرة، حتى وإن فزت بسباق الفئران، فأنت ما زلت فأرًا.

قضية اللاجئين كانت أحد موضوعات بانكسي أيضًا، فقد رسم بمناسبة الذكرى الثالثة للنزاع السوري على الجدران المقابلة لمبنى السفارة الفرنسية في لندن رسم جدارية انتقد خلالها تعامل السلطات الفرنسية مع اللاجئين في مخيم كاليه بشمال فرنسا، رسم كوزيت فتاة مسرحية البؤساء وهي تبكي من أثر قنبلة غاز مسيلة للدموع.

صافرة الإنذار تنطلق.. الفن ليس للبيع

بعد أن انطلقت صافرة الإنذار وسط دهشة الحضور، بدأت صورة “الفتاة والبالون” في التمزيق ذاتيًا، وكأن اللوحةَ التي تظهر فتاة صغيرة مرسومةً بدرجات اللون الأسود، تتابع بحزن بالوناتها الحمراء، المصنوع على شكل قلب تحاول الإمساك به ولكنه يهرب منها، ترفض أن تباع، ومن المحتمل أن تكون تلك رسالة من بانكسي بأن الفن لا يقدر بثمن، وأن الفن للجميع وليس لفئة معينة، خاصة أنه ملقب بفنان الشارع.

وكانت تلك الصورة حصدت لقب العمل الفني الأقرب لمشاعر البريطانيين، والصورة في الأصل مطبوعة بالأستنسل على حائط ملطخ بالنفايات، وظهرت أشهر نسخة من “الفتاة والبالون” على جانب جسر فى لندن عام 2002. وتوجد الصورة الآن فى كل مكان، مطبوعة على الورق وبطاقات التهنئة والأكواب والصحون.

ربما يعجبك أيضا