فيكتور بوت.. ما سر إصرار موسكو على استعادة «تاجر الموت»؟

بسام عباس

فيكتور بوت، الملقب بـ"تاجر الموت"، كان ضابطًا عسكريًّا سوفيتيًّا سابقًا، وكان مسجونًا بالولايات المتحدة بتهمة التآمر لقتل أمريكيين.


أتمت واشنطن وموسكو أمس الأول الخميس 8 ديسمبر 2022، عملية تبادل سجناء بوساطة إماراتية وسعودية.

وبينما أفرجت موسكو عن لاعبة كرة السلة الأمريكية بريتني جرينر، المتهمة بحيازة مواد ممنوعة، أفرجت واشنطن عن تاجر الأسلحة الروسي فيكتور بوت، المحكوم عليه بالسجن 25 عامًا، تحت إصرار روسي أثار الجدل والانتباه.

تاجر الموت

سلطت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، الضوء على ما وصفته بإصرار روسيا على استعادة تاجر السلاح فيكتور بوت، الذي يتحدث 6 لغات، واعتقله عملاء مكافحة المخدرات الأمريكيون في تايلاند عام 2008، وجمدت السلطات أصوله بأمريكا عام 2004 ومنعته من أي عمليات تحويل مالية، بزعم تورطه في أنشطة تهريب.

ووفق “سي إن إن“، كان بوت، الملقب بـ”تاجر الموت”، ضابطًا عسكريًّا سوفيتيًّا سابقًا، وكان مسجونًا بالولايات المتحدة بتهمة التآمر لقتل أمريكيين، والحصول على صواريخ مضادة للطائرات وتصديرها، وتقديم دعم مادي لمنظمة إرهابية، وتأجيج صراعات دموية في العديد من دول العالم.

علاقات بوت بقيادات روسيا

قالت “سي إن إن” إن أهمية بوت الكبيرة لروسيا هي لغز محير، وتساءلت كيف يمكن لرجل واحد أن يكون ذا قيمة كبيرة لموسكو، لدرجة أنها تقضي عقودًا في السعي لإطلاق سراحه بأي وسيلة ممكنة، لافتة إلى أنه رفض التعاون مع السلطات الأمريكية، رغم سجنه لأكثر من عقد.

وأوضحت صحيفة “واشنطن بوست” أن فيكتور بوت له “علاقات مهمة مع دوائر الحكومة الروسية”، وقالت إن التقارير تشير إلى علاقات وثيقة تجمع بين بوت ونائب رئيس الوزراء الروسي السابق، إيجور سيتشين، وأنهما عملا معًا في الجيش السوفيتي بإفريقيا خلال الثمانينات.

رجل ينفي كل شيء

ترى “واشنطن بوست” أن رغبة موسكو في استرجاع “تاجر الموت”، لا ترتبط بتفاصيل إدانته أمام القضاء الأمريكي، بل بصلاته وعلاقاته بدوائر القرار والمخابرات العسكرية الروسية.

لكن الصحيفة أفادت أن بوت ينفي أي روابط بينه وبين وحدة المخابرات العسكرية الروسية، ويصر على أنه لا يعرف إيجور سيتشين، مشيرة إلى أن تشبثه بالصمت ونفيه أي صلة بالأجهزة أو المسؤولين الروس، قد يكون هو السر وراء تشبث موسكو به.

وذكرت “سي إن إن” أن بوت كان قريبًا جدًّا من الصراعات في إفريقيا، واتهمه العديد من المحللين والمحققين بالأمم المتحدة، بنشر الأسلحة عبر القارة السمراء خلال تسعينات القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، وتلقى اتهامًا بتسليح تنظيم “القاعدة” الإرهابي، لكنه ينفي كل ذلك.

الوطن لن ينساكم

نقلت “واشنطن بوست” عن عضو مركز “بيلفر” للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفارد، سايمون سارادجيان، قوله إن “بوت لم يكن ليدير مثل تلك الأعمال التجارية الضخمة لتهريب الأسلحة من دون حماية حكومية”، لافتًا إلى أنه لم يتحدث مطلقًا عن علاقاته بالحكومة الروسية، ولهذا تحرص موسكو على استعادته.

وبدوره، يذهب الخبير في الأمن الروسي، مارك جاليوتي، إلى اعتبار أن الإفراج عن بوت، قد يكون رسالة من السلطات إلى كل المتعاونين معها، مفادها أن “الوطن لن ينساكم”. ومن جانبها، قالت عضو مجلس دوما الروسي، ماريا بوتينا: “نحن لا نتخلى عن أبناء شعبنا”.

مكاسب أعمق

صرحت المحللة السياسية الروسية بمجموعة “آر بوليتيك” للتحليل السياسي، تاتيانا ستانوفايا، بأن بوتين يهدف من خلال هذه الصفقة، إلى “مكاسب أعمق من الحسابات السياسية”. وربط آخرون بين إصرار موسكو على استعادة بوت، وما يعرفه عن مصير مخابئ أسلحة الاتحاد السوفيتي، ومخازن السلاح بأوكرانيا، حسب “واشنطن بوست“.

ووصف الصحفي الأمريكي، دوجلاس فرح، الذي أصدر كتاب “تاجر الموت” عام 2008، فيكتور بوت بأنه “ضابط سوفيتي أحسن اغتنام الفرصة السانحة نتيجة 3 عوامل أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي: طائرات متروكة على المدارج، ومخزونات هائلة من الأسلحة بحراسة جنود لم يستلموا رواتبهم، وفورة الطلب على الأسلحة”.

تشويه صورة موسكو

في المقابل، يرى البعض في روسيا أن واشنطن تبالغ في ما تنسبه إلى فيكتور بوت من أعمال، لتجعل منه فزاعة، ولتشوه صورة موسكو. وكتب الصحفي الروسي، ألكسندر جاسيوك، أن “الأسطورة التي اختلقتها الولايات المتحدة حول بوت قصة مشينة: قصة روسي شرير يبيع أسلحة بنحو غير شرعي ويحاول إلحاق الضرر بأمريكا”.

وفي عام 2005، صدر فيلم “سيد الحرب” (Lord of War) المستوحى من حياة فيكتور بوت، ولعب فيه الممثل الأمريكي نيكولاس كيدج، دور تاجر الأسلحة يوري أورلوف الذي يطارده الإنتربول.

انتصار أم ضعف؟

أشارت “سي إن إن” إلى أن هذا التبادل الذي حدث في أثناء الحرب الروسية الأوكرانية، يكشف عن أمرين، أولهما أن موسكو وواشنطن قادرتان على التواصل حتى في وقت الحروب، لافتةً إلى أن هذا يعني أن بعض الأفكار الرائعة تسود، وأن المصالح الأساسية تنتصر.

وأضافت أن الأمر الثاني الذي يكشف عنه هذا التبادل، هو وجود بعض الضعف لدى بوتين، الذي يتباهى بخطاب نووي متشدد ضد الغرب، وفي نفس الوقت يوافق على صفقة دبلوماسية رفيعة المستوى لاستعادة شخصية ذات أهمية كبيرة للنخبة الروسية، ومجتمع الاستخبارات، والكرامة الوطنية.

إشادة بانتصار بوتين

أشادت وسائل إعلام روسية، أمس الجمعة، بما وصفته بأنه انتصار بوتين في تبادل السجناء مع الولايات المتحدة. وقالت عضو مجلس الدوما الروسي، ماريا بوتينا: “إنه استسلام أمريكي”، وكذلك رحب مؤسس مجموعة “فاجنر” العسكرية الروسية الخاصة، يفيجيني بريجوزين، بعودة بوت وقال: “تهانينا لفيكتور بوت.. أنا سعيد جدًّا من أجله”.

وذكرت وكالة أنباء “رويترز“، أن رئيسة تحرير محطة “آر.تي” الروسية، مارجريتا سيمونيان، قالت إن التبادل يظهر أن روسيا “ستنتصر” لأن واشنطن اختارت ترك جاسوس أمريكي مدان في السجن في روسيا، بدلًا من أن تشمله صفقة التبادل، في إشارة إلى الجندي السابق بمشاة البحرية الأمريكية، بول ويلان.

بيدق جيوسياسي

اتهمت السلطات الروسية لاعبة السلة الأمريكية، بريتني جرينر، بحيازة “جرام من زيت الحشيش”، وحكمت عليها بالسجن 9 سنوات، لكن “سي إن إن” ترى أن الضغوط السياسية أكسبت جرينر أهمية للأمريكيين، بناءً على مزاعم بأن روسيا اعتقلتها لتكون بيدقًا جيوسياسيًا عشية الحرب الروسية الأوكرانية.

وأضافت الشبكة الأمريكية أن هذه الضغوط دفعت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لبدء المفاوضات مع الكرملين، في أسوأ نقطة في العلاقات الأمريكية الروسية، منذ نهاية الحرب الباردة على الأقل.

انتقاد جمهوري أمريكي

سخر الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من تبادل لاعبة كرة سلة في مقابل رجل مثل فيكتور بوت “المسؤول عن عشرات الآلاف من الوفيات والإصابات المروعة”، مع إهمال جندي البحرية الأمريكي، بول ويلان. وكتب ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي يقول: “يا له من إحراج غبي وغير وطني للولايات المتحدة”.

وكتبت النائبة ليزا ماكلين، على “تويتر”: “أعاد الرئيس بايدن تاجر الموت إلى روسيا، وترك جندي البحرية الأمريكية بول ويلان محتجزًا في سجن روسي.. يجب أن يكون على متن تلك الطائرة عائدًا إلى الوطن أيضًا”. وكتب النائب تيم والبيرج، على “تويتر”: “هذه ثاني عملية تبادل للأسرى يتخلى فيها الرئيس بايدن عن بول ويلان”.

ربما يعجبك أيضا