في رمضان.. طرائف لا تنسى لفناني الزمن الجميل

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

لحظات رمضان جميلة دائماً فهي ذات مذاق خاص لأنها مواقف ثابتة لا يستطيع الزمن إزالتها من الذاكرة بالرغم من كثافة تفاصيل الحياة اليومية ، وفي كل عام يبدأ كل شخص بتقليب شريط محفوظاته الذهنية الذي يحتوي العديد من المواقف المرتبطة بهذا الشهر، منها الصعب ربما ومنها الطريف، ولكنها في النهاية هي حصيلة جميلة تضفي على الشهر الفضيل طابعه الخاص.

كان نجوم الزمن الجميل يلتقون دائما في رمضان وتجمعهم موائد ومواقف وحكايات كثيرة، حيث كانت تربطهم علاقات صداقة قوية، وكانت هذه اللقاءات تتسم بروح الود والدعابة و تمتلئ بالنوادر والمواقف الطريفة.

وحكى نجوم الزمن الجميل عن كثير من هذه المواقف سواء في مذكراتهم أو في مقالات نشروها في الصحف والمجلات، كما غطت المجلات الفنية التي صدرت وقتها كثير من هذه اللقاءات ورصدت ما كان يدور فيها.

قمر الدين عبدالوهاب

في عدد نادر من مجلة الكواكب صدر في شهر رمضان عام 1961 نشرت المجلة عددا من النوادر التي حدثت لنجوم الزمن الجميل في رمضان بالأعوام السابقة.

ومن هذه النوادر ما حدث في رمضان سابق على صدور العدد النادر بين موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب والفنان الكبير فريد الأطرش، حيث كان الأطرش دائما عنواناً للكرم بين زملائه، وكان بيته مفتوحا دائما لهم يقيم فيه الموائد وخاصة في شهر رمضان.

وفى أحد الأعوام دعا فريد الأطرش عددا من زملائه للإفطار وكان بينهم محمد عبدالوهاب، وكان المشروب الوحيد في السهرة هو مشروب قمر الدين، وكان من بين المدعوات فتاة جميلة تطوعت لتوزيع المشروب، وما أن وصلت الفتاة إلى موسيقار الأجيال لتقدم له المشروب حتى تعلقت عيناه بها وظل يراقبها بنظراته وهو يرشف كوب العصير.

وذكرت المجلة أن عبدالوهاب من شدة إعجابه بجمال الفتاة طلب كوباً آخر من العصير حتى تقف الفتاة أمامه مرة ثانية، فما كان من فريد الأطرش الذي كان يتابع الموقف من بعيد إلا أن ذهب لخادمه عبده وأوصاه بتقديم كوب العصير لعبدالوهاب.

وفوجئ موسيقار الأجيال بيد خشنة تقدم له العصير فنظر ليجده عم عبده الذي يتناقض تماما مع رقة وجمال وجه الفتاة، فأغمض عبدالوهاب عينيه وصاح غاضباً:” مين؟.. أنا.. لا أن ما بحبش قمر الدين.. حالف ماشربوش”.

وهنا لم يتمالك فريد الأطرش نفسه من الضحك بعد أن شرب عبدالوهاب المقلب بدلاً من أن يشرب عصير قمر الدين.

بيت فوزي

أما منزل الفنان محمد فوزي فلم يكن يخلو من السهرات الرمضانية وفي أحد السهرات الرمضانية في بيته بالهرم دعا فيها زملاءه من الفنانين والموسيقيين ومؤلفي الأغاني للسحور.

وكان من بين الحضور الشاعر سيد مرسي مؤلف الأغاني ، وحين جاء موعد السحور دعا فوزي الجميع للمائدة ولكن سيد مرسى حاول الاعتذار مشيراً إلى أنه تناول طعاماً كثيرا في وجية الإفطار وأنه مصاب بالتخمة ، ولكن فوزي ألح عليه فجلس يشارك الجميع الطعام.

وفى أثناء الأكل لاحظ الشاعر مأمون الشناوي أن سيد مرسى كان يتناول الطعام بشراهة ونهم شديد، حتى أنه أكل أضعاف ما أكله زملائه، فضحك مأمون وقال :”إيه ده يا سيد واضح إنك فطرت كازوزة النهاردة” ، فضحك باقي الحضور على سيد مرسى الذي كان قبل قليل يحاول الاعتذار لأنه شبعان ومصاب بتخمة.

جدير بالذكر أن شهرة الشاعر سيد مرسى انطلقت بعد أن كتب أغنية ع الحلوة والمرة التي غناها المطرب عبدالغني السيد وبعده غناها عدد من المطربين والمطربات، وكتب سيد مرسي بعدها مئات الروائع لكبار المطربين ومنهم شادية وهدى سلطان ووردة وفايزة أحمد وليلى مراد ومحمد قنديل وسعاد مكاوي ومحرم فؤاد وعفاف راضى وميادة الحناوي، ولحن أشعاره كبار الملحنين ومنهم محمد فوزي ومحمد سلطان وبليغ حمدي

شيك عبدالوهاب

وكان من بين هذه النوادر التي لا تنسى ما حدث لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وكتبته مجلة الكواكب في عدد نادر صدر في شهر رمضان عام 1962.

وحكى محمد عبدالوهاب عن موقف حدث له في باريس حيث صادف أن حل عليه شهر رمضان هناك، ونفدت نقوده وكان في انتظار أن يصرف شيكا بحوزته.

وقال موسيقار الأجيال:”أويت إلى فراشى وليس معى سوى 20 فرانكاً، وكان الجنيه المصري وقتها يساوي مائتي فرانك، أي أنني لم أكن املك سوى 10 قروش في باريس، ولكني كنت مطمئن أنني سأذهب في الصباح لأصرف الشيك الذي معي، وأوصيت عامل الفندق، يوقظني مبكرا حتى أستطيع صرف الشيك قبل موعد إغلاق البنك”

وأشار عبدالوهاب إلى أن عامل الفندق تأخر في إيقاظه وبعد أو وصل للبنك وجده قد أغلق أبوابه.

وتابع قائلا:”كانت كارثة بالنسبة لي وأعقد موقف قابلته في حياتي، وخاصة مشكلة الأكل، وكيف سأفطر في هذا اليوم من أيام رمضان، وأخذت أتجول في مقاهي باريس عسى أن أجد صديقاً أعرفه لأقترض منه مبلغاً من المال، ولكني لم أعثر على أحد”

وعن كيفية تعامله مع هذا الموقف قال موسيقار الأجيال: “أخذت طريقي إلى اتجاه جامع باريس حيث كان بجواره مطعم شرقي يملكه أحد المصريين وكنت أعرفه ويعرفني، ولكن لم يكن صاحب المطعم موجودا، ورغم ذلك جلست على مائدة بعد أن اقترب موعد الإفطار وطلبت طعاما ً كثيراً وأنا على ثقة أنا صاحب المطعم سيصل ويحل مشكلتي”

ولكن تأخر صاحب المطعم ولم يصل وظل محمد عبدالوهاب يتلكأ في تناول الطعام حتى لفت انتباه جميع الحاضرين ، وعندما يئس من حضور صاحب المطعم نادى على كبير العمال بالمطعم وكان مصرياً، وشرح له موسيقار الأجيال المأزق الذي وقع فيه وخلع ساعته ومعطفه وطلب منه أن يتركهما رهناً حتى يعود في اليوم التالي بقيمة المستحق عليه من أموال.

وأشار محمد عبدالوهاب إلى أن العامل كان كريماً جداً ، وقال له إن حسابه مدفوع من أول لحظة دخل فيها المطعم ، بل أخذ منه الشيك ودفع له قيمته حتى يستطيع أن يتحرك ومعه المال الذي يكفيه، على أن يصرفه في اليوم التالي.

وقال موسيقار الأجيال :”شعرت بأنه نجدني وأزال عني كل ما حملته من هموم، وبالفعل أخذت المال ودفعت بقشيش محترم لكل عمال المطعم”.

ربما يعجبك أيضا