في صراع النفوذ الأمريكي – الصيني.. هل يولد “ناتو آسيوي”؟

كتب – حسام عيد

لم يعد النزاع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية يقتصر فقط على الشق التجاري، فالتوجهات تصاعدت وانتقلت إلى الدفاع عن مصالح قومية وتكوين تحالفات عابرة للحدود.

أمريكا عملت في الفترة الأخيرة على إعادة علاقاتها مع دول آسيوية على خلاف مع الصين، مثل تايوان، عبر لقاءات متبادلة وتدريبات عسكرية وصفقات أسلحة.

الأمر الذي تعتبره الصين خطيرًا لأمنها القومي، وهذا ما دفع الرئيس شي جين بينغ إلى التفكير جديًا في إعادة هيكلة أمن المنطقة عبر تأسيس “ناتو آسيوي”.

تايوان.. سلاح تهديد أمريكي

الصين هي أكبر دولة شيوعية في آسيا، لذلك من الطبيعي أن ينالها نصيب الأسد من هجمات الرأسمالية الأمريكية اقتصاديًا وإعلاميًا وأمنيًا، خاصةً وأن ميلادها جاء في خضم الحرب الباردة بين المعسكر الأمريكي والمعسكر السوفيتي.

ورغم الاعتراف الدولي بجمهورية الصين الشعبية في 1949، وعودة جزيرتي هونج كونج وماكاو تحت سيادتها، بقيت تايوان دولة مستقلة تمثل ثغرة أمنية وكابوسًا استراتيجيًا للصين.

تايوان ظلت ورقة استراتيجية في بيد الرؤوساء الذي تعاقبوا على البيت الأبيض، واليوم في 2019، رأى فيها ترامب سلاحًا رادعًا لآمال وطموحات التنين الصيني سياسيًا، واقتصاديًا.

فكثير من أعضاء الكونجرس الأمريكي يروون تايوان “حاملة طائرات غير قابلة للغرق”، والقيادة الأمريكية تدرك أهمية تايوان الاستراتيجية كخنجر في خاصرة الصين يمكن طعنها به إذا تجاوز الخطوط الحمراء التي تضعها الولايات المتحدة.

وفي 8 يوليو من العام الجاري، أقرت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” صفقة أسلحة مع تايوان قيمتها 2.2 مليار دولار، هي الأكبر منذ عشرات السنوات. تشمل 108 دبابات “أبرامز”،  و250 صاروخ “ستينغر” أرض- جو قصير المدى، ومعدات متعلقة.

وكانت الولايات المتحدة أقرت في يوليو 2018 صفقة قطع غيار مُحدّثة لطائرات “إف – 15” و”إف – 5″، لصالح تايوان، بقيمة 330 مليون دولار.

والأمر الملفت هنا، أن الصفقتين جاءتا بعد فرض رسوم أمريكية على البضائع الصينية، وكلاهما شبهته الصين بسياسة اللعب بالنار، وحذرت واشنطن منها، فعمليات بيع أسلحة أمريكية لـ”تايوان” تعتبرها الصين إضرار بسيادتها وأمنها الوطني الشامل.

ناتو آسيوي.. “رادع” صيني مزعج

في منتصف يونيو الماضي، حث الرئيس الصيني، شي جين بينغ، المشاركين في قمة “التعاون وبناء الثقة في آسيا”، المنعقدة في عاصمة طاجيكستان دوشنبه، على التفكير في “هيكلية أمن” المنطقة.

يبدو الهيكل الدفاعي الذي تحدث عنه شي جين بينغ هدفًا بعيدًا، لكن مناقشة مثل هذه القضية الحساسة، أو حتى إثارة هذه المسألة ببساطة، في قمة بناء الثقة في آسيا قد تكون كافية لإزعاج الخبراء الاستراتيجيين في حلف الناتو.

يجب أن يمثل الأمر كابوساً لأي خبير استراتيجي عسكري أن يفكر في هيكل دفاعي يضم الصين وروسيا والهند مع دول آسيوية أخرى بينما تنجرف تركيا، المنعزلة عن حلف الناتو، نحو هذا الهيكل الجديد. وربما تكون إشارة “بينغ” إلى إنشاء هيكل أمني إقليمي قد ساعدت تركيا على نزع فتيل التوتر مع الولايات المتحدة أو تخفيف حدته، وإبرامها صفقة منظومة صواريخ S-400 الروسية.

فيما رأى بعض المحللين صعوبة قيام “ناتو آسيوي”، على الأقل في المستقبل القريب تحت قيادة بكين.

من جانبه، قال فاسيلي كاشين، المحلل بمركز البحوث الأوروبية والدولية الشاملة، إن الأحاديث عن خطط الصين لتشكيل بديل للناتو خاص بها تأتي من عدم فهم كيفية أداء السياسة في آسيا، النظام الآسيوي بالغ التعقيد، ولا يمكن تطبيق المعايير الأوروبية عليه.

ولفت كاشين إلى أن غياب أي تكاتف بين دول آسيوية يقيد وإلى حد بعيد إمكانات الولايات المتحدة في بناء تحالفات واسعة، يمكن لواشنطن الاعتماد عليها في “ردع” الصين، وذلك إضافة إلى تخوف دول جنوب شرق آسيا من الوقوف أمام ضرورة “الاختيار” بين هذا الطرف أو ذاك في حال حدوث مواجهة بينهما.

ومما يعكس هذه الحقيقة، قول رئيس وزراء سنغافورة، لي هسين لونغ، الذي رد على دعوة نائب الرئيس الأمريكي، مايك بينس، للوقوف في وجه “العدوان” كما يصفه: “إذا كنت صديقا لبلدين متضادين، فبإمكانك أحيانا أن تكون على علاقة جيدة مع كلاهما على حد سواء، لكن الأمر قد يكون صعبا في أحيان أخرى. والأحرى ألا نقف إلى جانب أي طرف، مع أن الظروف قد تجبرنا على الاختيار. وأملي أن لا يحدث ذلك قريبا”.

ربما يعجبك أيضا