في معسكرات شينجيانج.. الجلاد يخيّر الضحية بجريمته

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

لم يكتف الحزب الشيوعي الصيني بجريمة زج مئات الآلاف من الإيجوريين في معسكرات اعتقال بإقليم شينجيانج، بل كان الجلاد رحيما، وهو يترك حرية الاختيار أمام المحتجزين بمعكسرات التعذيب والجريمة التي سيحاكم عليها من بين قائمة من الجرائم تُقدم إليه في ورقة تحدد سجنه في البلد الشيوعي.

في معسكرات إعادة التأهيل في إقليم شينجيانج، كانت الحياة اليومية تتسم بالرعب والروتين والملل.. كان على المعتقلين تحمل ساعات لا تحصى من التلقين .

وكان عليهم أيضا مشاهدة الدعاية التلفزيونية التي تمدح الرئيس شي جين بينج لساعات متواصلة وأي محادثات جانبية أو مجرد همس يقابل بعقوبة سريعة وقاسية.

جرائم بأثر رجعي

لكن الأمر لم يكن يقف عند هذا الحدّ من الرعب والظلم. بعد شهور عديدة في السجن، يتذكر بعض المعتقلين السابقين يومًا كان مختلفًا عن بقية الأيام: وهو اليوم الذي أجبروا فيه على اختيار مخالفة أو مخالفات عدة من قائمة تم تسليمها لهم.

أي إنه كان على المعتقلين الاختيار بأثر رجعي، الجرائم التي سجنوا بسببها، وغالبًا لأشهر في معظم الحالات دون أن يتم إخبارهم عن سبب احتجازهم .

بعد انتقاء جريمة من القائمة تأتي محاكمة زائفة، لم يكن للمحتجزين فيها تمثيل قانوني وأدينوا بدون دليل أو محاكمة عادلة .

تقرير صادم

في تقرير لها، تحدثت قناة “دويتشه فيله” الإخبارية الألمانية إلى أربعة محتجزين سابقين، رجلين وامرأتين من شينجيانج التي واجه معظم سكانها من المسلمين القمع من قبل السلطات الصينية.

أمضى المعتقلون الأربعة شهورًا في سجن شينجيانج في 2017 و 2018. وقد أجريت المقابلات بشكل مستقل عن بعضهم البعض على مدار أسابيع عدة.
وهم اليوم يتذكرون الورقة التي تسلموها وكانت تحتوي على أكثر من 70 جريمة وأجبروا على اختيار واحدة أو أكثر منها.

ومنذ ذلك الحين، انتقل المعتقلون الأربعة السابقون إلى كازاخستان المجاورة، بعد ضغوط من أفراد الأسرة الذين يعيشون هناك، وعلى الأرجح، الجهود الدبلوماسية من وراء الكواليس من قبل الحكومة الكازاخية. 

ونتيجة لذلك، أفرجت الحكومة الصينية عن أولئك الذين يحملون تصاريح إقامة وجوازات سفر وأفراد أسر من الكازاخ يعيشون في كازاخستان، وهي موطن لجالية كبيرة من الإيجور.

أما بالنسبة لأولئك الذين ليس لديهم روابط خارجية وجنسية، فمن المستحيل عمليا الهروب من شبكة القمع والمراقبة المستمرة في الصين.

شهادات مروعة

شهد المعتقلون الأربعة المحاكمات الصورية في ثلاثة معسكرات مختلفة عبر شينجيانغ. تمكنت “DW” من التحقق من موقعها باستخدام صور الأقمار الصناعية والمواد المتاحة للعموم.

وبعد قراءة الأحكام الصادرة عليهم، أجبروا على الاعتراف بجرائمهم. “كان عليهم أن يقولوا:” أعدكم أنني لن أكرر أخطائي”.

وبدا أن الإجراءات تختلف قليلاً من معسكر إلى آخر: في أحدهما ، كان أقارب السجناء حاضرين وأجبروا على توقيع الحكم.

وفي حالة أخرى، حُكم على السجناء بشكل فردي، واحدًا تلو الآخر، وأُرغموا على التوقيع على الوثيقة التي تفصل عقوبتهم.

لماذا يضطرون لاختيار جريمتهم؟!

يتساءل البعض لماذا يضطر الإيجوريون على اختيار جريمة لم يقترفوها؟ الجواب جاء على لسان الشهادات الحية التي اعتمدتها “دويتشه فيله”:

إيجورية محتجزة قالت: “لقد هددونا.. إذا لم تختر أي شيء، فهذا يعني أنك لم تعترف بجريمتك. إذا لم تعترف، فستبقى هنا إلى الأبد”.

وقال آخر: على الأقل عرفنا الآن الفترة الزمنية التي سنقضيها في المخيم. قبل ذلك، لم يخبرنا أحد كم من الوقت علينا البقاء. كما أُبلغ المعتقلون أنهم إذا تعاونوا، فقد ينخفض ​​عدد السنوات التي سيضطرون إلى قضائها في المخيم.

وبينما خضع جميع المعتقلين للضغوط للتوقيع، رفض رجل واحد الاعتراف بجريمة لم يرتكبها في حادثة نادرة من الشجاعة داخل معسكر الاعتقال. وتمكن من الإفلات من العقاب لكونه يحمل تصريح إقامة صالحًا في كازاخستان.

الإسلام هو المستهدف

في معسكرات الاعتقال في شينجيانج، تبدو قوائم الجرائم جاهزة، ولئن كان بعضها يتضمن جرائم غير ضارة مثل السفر أو الاتصال بالأشخاص في الخارج، إلا أن معظمها كانت أعمالا دينية، مثل الصلاة أو ارتداء الحجاب. وهو ما يؤكد أن الصين تستهدف المعتقدات الإسلامية للإيجور بالدرجة الأولى.

عقوبات أمريكية.. هل تردع بكين؟

خطوة تصعيدية جديدة من واشنطن تجاه بكين، هذه المرة عبر بوابة المسلمين الإيجور. الخطوة جاءت بعد تعيين نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكية “نوري توركيل” في اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية. وهي اللجنة التي تقدم توصيات فيما يتعلق بالحريات الدينية حول العالم للخارجية الأمريكية.

بإمكان اللجنة اقتراح فرض عقوبات على الدول التي ترتكب انتهاكات في مجال الحريات الدينية. “توركيل”حقوقي صيني ينتمي لأقلية الإيجور المسلمة، ولد خلال الثورة الثقافية الصينية في أحد معسكرات الاعتقال، وأمضى طفولته الأولى مع والدته في الأسر.

وفي منتصف التسعينيات وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية كطالب حقوق وكان أول محام من الإيجور حاصل على تعليم أمريكي.

خطوة تعيين توركيل تأتي في ظل توتر متصاعد بين واشنطن وبكين لا سيما بعد انتشار وباء كورونا، فقد وجهت واشنطن ضربة قوية إلى قطاع الاتصالات الصيني بعد قرار إدارة ترامب بمنع إمدادات المعالجات  إلى عملاق صناعات التكنولوجيا “هواوي”.

جدير بالذكر أن مجلس النواب الأمريكي أقر مشروع قانون يدعو إدارة دونالد ترامب لفرض عقوبات على المسؤولين الصينيين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بأقلية الإيجور في الصين. ومن المقرر أن يتم تقديمه للرئيس ترامب، فيما لم يشر ترامب إلى ما إذا كان سيوقع على مشروع القانون ليتخذ صفة قانون، هذا ويدفع التشريع إدارة ترامب إلى تحديد المسؤولين الصينيين المتورطين في قمع أقلية الإيجور وجماعات مسلمة أخرى في إقليم شينجيانج، بيد أن التشريع يمنح الرئيس مهلة ليقرر عدم فرض عقوبات إذا كان ذلك في المصلحة الوطنية.

ربما يعجبك أيضا