كاتب أمريكي: الولايات المتحدة تبالغ في رد فعلها تجاه منطاد التجسس الصيني

بسام عباس

كشفت حادثة إسقاط المنطاد الصيني أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين أصبحت علاقة منافسة صريحة وشبه عدائية على القوة والنفوذ العالميين.


لا تعرف الولايات المتحدة كيفية الرد على التهديدات الحقيقية، لأن ثقافتها السياسية مشبعة بالتخوف المستمر من المخاطر الأجنبية.

هكذا يرى الكاتب الأمريكي، هوارد فرينش، في مجلة فورين بوليسي، أن موقف واشنطن المتشدد إزاء الصين قائم على تضخيم التهديدات، ما ينتج حتمًا ردود فعل مبالغ فيها خطيرة مثل تلك التي رأيناها ردًا على منطاد التجسس.

أكثر جرأة

قال الكاتب، في مقال نشرته المجلة الأمريكية، الاثنين 13 فبراير 2023، إن حادثة إسقاط منطاد صيني دخل المجال الجوي الأمريكي، جاءت في توقيت غريب لتضخيم رد فعل طبيعي كان على بعض الأشخاص القيام به تلقائيًّا.

وأضاف أن الحقيقة الصارخة لهذه الحادثة تخبرنا أن الدولة الصينية، بقيادة الرئيس شي جين بينج، أصبحت أكثر جرأة ولم تعد بحاجة إلى إخفاء عمليات جمع المعلومات أولًا حتى إعداد قصة تغطية يشعر الناس العاديون بالراحة عند تقديمها بصورة صحيحة.

علاقة شبه عدائية

أوضح أن هذه الحادثة كشفت أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين أصبحت علاقة منافسة صريحة وشبه عدائية على القوة والنفوذ العالميين، ففي حقبة ما بعد ماو تسي تونج، بذلت بكين جهودًا كبيرة لإخفاء طبيعة طموحاتها لتصبح واحدة من القوى الأولى في العالم.

وأضاف أنه رغم استخدام الدبلوماسيين الصينيين في تلك الحقبة لعبارة “الفوز للجانبين”، فإن تحقيق هذا الهدف كان يعني دائمًا إسقاط الولايات المتحدة، كما يعني القيام بكل ما يمكن فعله للارتقاء بالصين، إذ لا يمكن فهم القوة إلا من منظور نسبي.

وطوال فترة وجوده في السلطة، تخلى الزعيم الصيني شي جين بينج عن أسلوب أسلافه الدبلوماسي بشأن تواضع بلاده، بينما أظهر استعدادًا صريحًا للتنافس مع الولايات المتحدة وتحديها علانية، لافتًا إلى أن الأمريكيين لم يعتادوا على مواجهة تحديات منهجية من أي منافس منذ زوال الاتحاد السوفيتي، والآن تخرج الصين لتمثل تحديًّا كبيرًا.

حدث هستيري

أعرب الكاتب عن قلقه من رد الفعل الأمريكي الأخير، موضحًا أن الولايات المتحدة تندفع بتهور تجاه السياسة الصناعية التي تركز على تصنيع رقائق الكمبيوتر، وأن السياسات المماثلة تسببت في فشل ذريع، مضيفًا أن تحويل حادثة المنطاد إلى حدث حزبي هستيري، فيصبح قياس الأداء موقفًا متشددًا تجاه الصين، بعيدًا عن أفضل طريقة لحماية المصالح الأمريكية.

وأضاف ان واشنطن لم تعتد مواجهة التحديات، فدخلت في حالة قلق ذهني من الصين بحيث أصبحت الدبلوماسية الرصينة شبه مستحيلة، ونتيجة لذلك، ينتهي الأمر بواشنطن في كثير من الأحيان بتسجيل الأهداف ضد نفسها.

وأوضح أن المسار الأكثر حكمة هو أن تقدم واشنطن تقييمًا متزنًا لحادث يحتمل أن يكون خطيرًا يشير إلى مساعي الصين لجمع المعلومات بالإضافة إلى رفع السرية عن المعلومات بشكل سريع ورصين ونشر ما هو معروف بشكل موثوق بعيدًا عن تضخيم قصة استهداف بكين للولايات المتحدة.

دبلوماسية هادئة

قال الكاتب إن ممارسة الدبلوماسية الهادئة في أي قضية ينبغي أن تكون منطقية، فضلًا عن تشجيع المجتمعات الأخرى على الالتزام بقواعد الوصول المتبادل، موضحًا أن من الممكن لواشنطن تبرير القيود الصارمة التي تفرضها، مع الحصول على مكاسب إضافية في أن يكتشف الجمهور الصيني أن حكومته رفضت الترتيبات العادلة التي ترضي الجميع.

وأضاف أن صناعة السياسة المتسمة بالحكمة تبدو وكأنها حلم أمريكي بعيد المنال، ففي فورة استجاباتها الحماسية للتحدي المتصور لبكين، تخون الولايات المتحدة قيمها الخاصة بتكلفة كبيرة على نفسها، على الصعيدين: المحلي من حيث صحة نظامها السياسي، والدولي من حيث القيم التي تقدمها للعالم.

واستشهد الكاتب بأحدث مثال على ذلك هو ضغط المشرعين في الولايات الأمريكية مثل تكساس وفلوريدا وأركنساس وكذلك في الكونجرس، لمنع المواطنين الصينيين من شراء العقارات في الولايات المتحدة.

منحدر شديد الانزلاق

ذكر هوارد فرينش أن مع تكرار مثل هذه الحوادث، تجد الولايات المتحدة نفسها على قمة منحدر شديد الانزلاق، فبدلًا من فهم الصين على أنها ضعيفة في الوقت الحالي بسبب أزماتها المتتالية، وتراجع اقتصادها، والافتقار إلى حلفاء حقيقيين، يعمل بعض الأشخاص، ممن يتخوفون من بكين، على تقويض الولايات المتحدة نفسها.

وأضاف أن نفس النمط يتكرر مع كل قضية عسكرية كبيرة جديدة تتبناها الولايات المتحدة، وسرعان ما يجد العقلاء أنفسهم إما مهمشين أو مجبرين على تقليد سلوك المتطرفين، محذرًا من أن يزداد الأمر سوءًا حين يتحول الإجماع المتشدد ضد الصين إلى عقيدة راسخة لا جدال فيها.

ربما يعجبك أيضا