“كازانوفا”.. زير النساء المثقف

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

“الفكر الديمقراطي مترسخ  لدى الشعب البريطاني أكثر مما هو مترسخ لدى الشعب الفرنسي، إلاّ أن قوّة  الدّستور تجبره على الخضوع والطاعة، أما فكر التمرد فهو موجود في كل المدن الكبيرة، والعمل الحكيم للحكومة هو إبقاؤه في حالة خمود وسبات فإن استيقظ فإنه يتحوّل  الى سيل جارف لن يتمكن أحد من إيقافه والتحكم فيه” كانت هذه كلمات “كازانوفا”، أشهر زير نساء عرفه التاريخ، والذي ملأ العالم بقصصه عن غرامياته ونزواته الأسطورية، لدرجة أنه عاشر 565 سيدة على مدار حياته لدرجة أن صيته وصل إلى إمبراطورة روسيا كاترين الثانية.

ساعدته وسامته الشديدة وكلامه الساحر فى إيقاع ضحاياه من النساء، وكانت الأولى هي شقيقة معلمه الذي اصطحبه لرعايته في منزله، ومن هنا كانت بداية غراميات زير والنساء، وخيانته لأصدقائه المقربين.

المغامر

هو “جياكومو جيرولامو كازانوفا”، مغامرٍ مُحبٍ للسفر، ومؤلفٌ وكاتبٌ إيطالي من البندقية، ولد في يوم 2 أبريل 1725م، وكَسب شهرته من خلال مؤلفاته التي تتعلق بالنساء من جانب، وبالملوك الأوروبيين، والباباوات، والكرادلة من جانب آخر.

ترتيبه الابن الأول بين 6 أشقاء، كان والداه يعملان في مجال الفن، وهما “جايتانو جوسيب كازانوفا”، و”زانيتا فاروسي” لذا اعتنت جدته بتعليمه حتي حصل علي الدكتوراة فى القانون بسن الـ 17، وبعد وفاتها دخل ديرًا ولكنه طرد منه بعد فترة قصيرة، وتنقل بين عواصم أوروبية شهيرة مثل”باريس، وبرلين، وارسو، مدريد، و روما”، عانى كثيرًا من صورة والدته الفنانة المشوهة بداخله، فقرر الانتقام من النساء بنزواته التي وصلت بالمئات، وكان خائنًا لأصدقائه المقربين.

عمل بالكثير من المهن وهي:”ضابط، محامي، عازف كمان، راقص، رجل أعمال، دبلوماسي، سياسي، مسعف، عالم رياضيات، فليسيوف، وأخيرًا كاتب مسرحي”، وقد بلغ مجمل أعماله 42 كتابًا ومسرحية، من أشهرها “قصة حياتي – رصاص فينيسيا”.

طنين الساعة

كان يخاف من 3 أشياء بحسب كتاب “قصة حياتي”، حيث جاء النص كالتالي:”حين جن الليل استحال على أن أغمض عيني لأسباب ثلاثة: أولها الفئران، وثانيها طنين ساعة كاتدرائية القديس مرقس الرهي التي كانت تدق وكأنها في حجرتي، وثالثها ألوف البراغيث التي أغارت على بدني تعضني وتلدغني وتسمم دمي بحيث أصابتني انقباضات عنيفة بلغت حد التشنجات”.

سجن الرصاص

في عام 1755 تمّ القبض واقتيد إلى سجن “الرصاص” السيئ السمعة ومُتحدثًا عن تجربة السجن المريرة، كتب يقول: “الخمسة عشرة شهرًا التي أمضيتها في  سجن “الرصاص” وفّرت لي الوقت لكي أتعرف على كلّ أمراض فكري، لكن كان من الضروري أن أمكث هناك فترة أطول لكي أبتكر الوسائل والطرق الناجعة لعلاجها”.

مدينة الخداع

عن الفرنسيين، كتب يقول: “الفرنسيون يتباهون بأنهم يحبون ملكهم إلاّ أنهم لا يكفون عن إظهار تقززهم واستيائهم منه، واليوم أصبحت معرفتنا للفرنسيين أفضل من ذي قبل، والحقيقة أن الفرنسيين هم دائما أنفسهم بحيث لا يتغيرون أبدا، هذه الأمة جعلت لكي تكون أمة عنيفة، وليس هناك شيء حقيقي عندها، وكل شيء خادع ومزيف، وهي شبيهة بباخرة يستهويها الإبحار من ريح إلى ريح، والريح التي تهب بحسب هواها هي دائمًا جيدة، أما باريس فقد وصفها بـ “مدينة الخداع الذي يحقق الجاه والثروة”.

حرية النساء

في العام الماضي قررت مدينة البندقية تكريم أشهر أبنائها بافتتاح أول متحف في العالم مخصص لكازانوفا العاشق الذي وصلت مغامراته إلى قلب الإمبراطورية الروسية في سان بطرسبورغ، والجاسوس والدبلوماسي والعالم والموسيقي والكاتب الذي كان صديقاً لفولتير وروسّو وموزار.

متحف من أجله

يقع المتحف في قصر من القرن الرابع عشر، وتقتصر معروضاته على مجموعة من الكتب والأدوات الشخصية التي كان كازانوفا يستخدمها، لكن الجولة في المتحف تبدأ عندما يضع الزائر على عينيه نظارات إلكترونية تحمله إلى عالم افتراضي يعيش فيه مغامرات كازانوفا، ويستعرض مآثره.

يضمّ المتحف 6 قاعات ومكتبة تحوي أفلاماً وثائقية عن حياته وأسفاره، إضافة إلى بعض الملابس التي كان يرتديها ولوحات لكاناليتّو رسّام البندقية الأشهر، ويقدّم المتحف لزوّاره تطبيقاً يُحمّل على الهاتف، ويدلّ على الأماكن التي كانت أثيرة لديه في المدينة، مثل مقهى “فلوريان” الشهير الذي كان يواعد فيه عشيقاته و”ضحاياه”، وما زال قائماً بكل بهائه وفخامته إلى اليوم، وهو المقهى الذي كان يتردد عليه الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران خلال زياراته إلى البندقية.

كانت كلماته الأخيرة: لقد عشت فيلسوفاً، وأموت مسيحياً.

عن النساء يقول: “لقد أحببت  النساء بجنون، إلاّ أنني خيّرت دائمًا حريتي عليهن، وعندنا أشعر أن حريتي باتت في خطر بسببهن، أفر هاربًا منهن”، في روما عشق كازانوفا مارينشيا، وهي فتاة فائقة الجمال التقى بها بالصدفة في “شارع ضيق يخيم عليه الظلام والفقر“. وقد وصف جمالها قائلا: “كان لمارينشيا بياض يبرز للناظر إليه  لون وردي لا يمكن لأيّ رسام مهما كانت موهبته العثور عليه”.

وقد أقام “كازانزفا” في براغ، وفي فيينا، وفي إسبانيا، كما زار برلين حيث استقبل من قبل فريديريك الكبير. وفي موسكو استقبلته الملكة كاترين.

المتعة والألم

لم يشرع “كازانوفا” في كتابة مذكراته إلاّ عند بلوغه سن الثامنة والستين، وقد وجد في الكتابة ما ساعده على مواجهة أوجاع  الشيخوخة، وشبح الموت الوشيك، بل إنها أبعدت عنه هواجس كان من المحتمل أن ترمي به في هاوية الجنون.

وفي بداية مذكراته أشار كازانوفا إلى أنه لا يكتبها للشباب لأن الشباب يحب أن يعيش زمنه لاهيا عابثا، وإنما لمن امتحنتهم التجارب، وعركتهم الحياة، وتذوقوا مرها وحلاوتها، وهو يعتقد أن الحياة جميلة رغم آلامها وأوجاعها ومحنها، والمتعة الحقيقية هي تلك التي تكون مُقترنة  بالألم.

واستعرض أيضا فيها مغامراته النسائية مع أكثر من 122 امرأة.

حنان الأم

تقول المحللة النفسانية “ليديا فلين”: “إن كازانوفا كان من روّاد الحركة النسائية، فمغامراته العاطفية لم تقتصر على النساء فحسب، أما الباحثة “لورانس بيرغين” التي ساعدت المخرج الإيطالي الراحل فيدريكو فيلّيني عندما وضع فيلمه عن كازانوفا، فهي تعتبر أن افتقاره لحنان أمه التي هجرته صغيراً كان له الأثر الأكبر في سلوكه.

ربما يعجبك أيضا