“كورونا” والوجه المظلم لـ”أمازون”

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

في الوقت الذي تعاني فيه دول وشركات من تداعيات جائحة كورونا، كل ثانية تمر منذ بداية الأزمة تكسب فيها عملاقة التجارة الإلكترونية “أمازون” آلاف الطلبيات وملايين الدولارات،  لدى الشركة مئات المخازن ومراكز التوزيع حول العالم، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام حققت مبيعات بنحو 75.45 مليار دولار، مقابل 59.70 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي، فيما ارتفعت ثروة مالكها الملياردير الشهير جيف بيزوس إلى 143 مليار دولار، بزيادة أكثر من 28 مليار دولار مقارنة مع 2019.

وبحسب التقديرات يتوقع أن يحصل بيزوس بحلول 2026 على لقب أول تريليونير في العالم، لكن ماذا عن عمال الشركة، إنهم يقضون ساعات عمل طويلة وشاقة لتغليف وشحن آلاف الطلبيات كل يوم مقابل أجور متدنية تدفعهم لقضاء ساعات عمل إضافية ليتجاوز الوقت الذي يقضونه متنقلين بين أرفف الطرود وأجهزة التغليف والنقل العشر ساعات في اليوم الواحد، مع وقت للراحة قصير للغاية للوصول إلى تحقيق الهدف المطلوب من كل واحد منهم، وهو تغليف ما يزيد عن 120 شحنة في الساعة الواحدة!

ظروف عمل غير آمنة
 
غدا الثلاثاء ستعيد أمازون فتح مستودعاتها الستة في فرنسا، بعد أن أغلقتها لعدم قدرتها على الامتثال لأمر قضائي ببيع وشحن المنتجات الأساسية فقط في ظل استمرار أزمة كورونا، وقدمت الشركة وعودًا لنقابات العمال الفرنسية باتباع إجراءات سلامة عالية في مراكز أعمالها لضمان سلامة العمال، لكن على أرض الواقع وفي الطرف الثاني من الكرة الأرضية تحديدًا في بلدها الأصلي تواجه أمازون انتقادات واسعة لعدم شفافيتها في التعامل مع أزمة كورونا.

ففي مارس الماضي، ومع بدء تسجيل مراكز أعمالها لإصابات بين العمال، تعمدت الشركة التكتم على الأرقام الحقيقية للإصابات، واكتفت برسائل تحذيرية للعمال بوجود إصابات وعزل المصابين، ما دفع العمال في أحد المستودعات المتواجدة بالعاصمة الأمريكية نيويورك للإضراب عن العمل والتنديد بعدم اتخاذ الشركة ما يلزم من إجراءات الوقاية من الفيروس التاجي، في وقت خرج أحد العمال للتأكيد على أن عدد الإصابات في مستودع “ستاتن” وصل إلى ستين إصابة، ومع ذلك لم يتوقف العمل بداخله.

ولكبح غضب الموظفين قامت الشركة بتسريح العمال الذين تأكدت مشاركتهم في الاحتجاج على ظروف العمل في ظل كورونا، وأمام هذا قام أحد نواب رئيس الشركة، وهو تيم براي بإعلان استقالته وقال في تصريحات: قرار فصل العمال استهدف خلق مناخ من الخوف بين العمال، شعرت بالفزع من ذلك، فيما أكدت بيانات الشركة الرسمية أن سبب “الفصل” هو انتهاك العمال لسياساتها الداخلية.

قبل أيام تلقت إدارة الشركة في 13 ولاية أمريكية رسالة من الادعاء العام تطالبها بتعزيز إجراءات الحماية الصحية للعمال في ظل الجائحة، لكن إدارة الشركة، وعلى لسان مدير العمليات ديفيد كلارك أكدت أنها تتبع كافة إجراءات الوقاية، وأنه ليس من المفيد الإعلان عن مجموع إصابات كورونا بين عمالها، هذا في وقت تقدر فيه هذه الإصابات بالمئات والوفيات المعلن عنها بسبع حالات حتى اللحظة، وبحسب “ديلي ميل” هناك عامل واحد على الأقل داخل 75 مستودعا من إجمالي مستودعات الشركة في أمريكا “110 مستودعات” أصيب بكورونا.

أمام هذا يرى المدافعون عن أمازون وعلى رأسهم نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الذي توجه بالشكر لها على تلبية احتياجات الشعب الأمريكي في ظل الجائحة، أن الشركة قدمت تجربة جيدة في الاستجابة لأزمة كوورنا، حيث أعلنت مطلع مارس الماضي عن برنامج للإجازات الطوعية وزيادة أجر العاملين بمقدار دولارين في الساعة، كما وفرت في مستودعاتها فحص درجات الحرارة ووسائل الوقاية من الفيروس من أقنعة وقفازات، كما أعلنت عن خطة لإعادة استثمار نحو 4 مليارات دولار في استجابتها لكورونا وقالت: إن نحو مليار دولار من هذا الرقم قد ينفق فقط على اختبارات كورونا لتوفير بيئة عمل آمنة.

خلال مارس وحده وظفت الشركة 100 ألف موظف جديد، للتعامل مع الطلب المرتفع الناتج عن الجائحة، وأعلنت أنها تخطط لتوظيف 75 ألف عامل خلال الفترة المقبلة.

ليست المرة الأولى وليست وحدها

أمازون لديها سجل حافل من انتهاك حقوق العمال، ويعد مشهد الإضرابات داخل مستودعاتها في أوروبا وأمريكا أمرًا معتادًا منذ سنوات، ففي أمريكا على سبيل المثال لم ترفع من مستوى الأجور المتدني لديها إلا بعد ضغوط سياسية، وهي تدفع الآن أكثر قليلًا من الحد الأدنى للأجور من 15 – 20 دولارًا في الساعة، وفي العام الماضي كشف تقرير لمنظمة Organise العمالية البريطانية عن أوضاع سيئة للعمل داخل مراكز الشركة أدت إلى إصابة 55% من العمال بالاكتئاب، إذ يضطرون للوقوف لأكثر من عشر ساعات ولتقليل استخدام الحمامات خوفًا من إضاعة الوقت وعدم تحقيق الهدف اليومي للعمل، فضلًا عن العمل بنظام النقاط الذي يعد تهديدًا مستمرًّا لهم بالطرد وفقدان مصدر رزقهم، وقال 81% من عينة استطلعت المنظمة رأيهم: إنهم لن يتقدموا للتوظيف في الشركة مرة أخرى إذا حصلوا على وظيفة جديدة.

وفي تحقيق أجرته “صنداي تايمز” عام 2016 كشفت أن الآلاف من عمال أمازون يعملون لساعات طويلة لتحقيق أهداف العمل المطلوبة منهم، لاسيما في مواسم الخصومات والأعياد، وبعضهم يضطر للمبيت في خيام بالقرب من مستودعات الشركة من أجل تحقيق هذه الأهداف، التي ما لم تحقق تعرض العامل للتسريح، وقالت الصحيفة: إن العامل الذي يتأخر عن العودة من فترة الاستراحة لمدة 30 ثانية فقط يحصل على إنذار، والأمر نفسه يتكرر في حال ارتكب خطأ أثناء تغليف طلبية ما أو قدم شهادة مرضية، ومع تراكم الإنذارات ووصولها إلى 6 إنذارات يواجه العامل عقوبات تأديبية قد تصل للفصل، ما يجعل العمال يعملون في بيئة عمل غير آمنة، ويشعرون بتهديد مستمر حيال استمرارهم في العمل.

أمازون ليست وحدها التي تواجه اتهامات بشأن حقوق العمال، فغالبية الشركات الكبرى ذات الوجه اللامع في أسواق العالم، لديها وجه مظلم، على سبيل المثال عملاقة التكنولوجيا مايكروسوفت تواجه اتهامات بممارسة سياسة التمييز العنصري، فبحسب بياناتها للعام الماضية 87% من موظفي الشركة كانوا من البيض أو الآسيويين، فيما سيطر الرجال على 73% من الوظائف، في وقت تتدعي فيه الإدارة أنها تسعى دائما للتنوع في العمالة لديها.

اتهامات من نوع آخر واجهتها جوجل العام الماضي، عندما أكد عدد من موظفيها أنها تقوم بالتجسس عليهم أثناء استخدامهم لمتصفح “جوجل كروم”، بهدف مراقبة أنشطتهم النقابية ومنعهم من الانخراط في أي تجمع نقابي بشكل جماعي، والشركة من جانبها لم تنف الاتهام بل قالت: إن الهدف من الأمر هو جعل الموظفين أكثر تيقظا أثناء إرسال دعوات الاجتماعات النقابية.

ربما يعجبك أيضا