كينو.. جزيرة منسية بلا رجال

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

بقلب كبير وابتسامة جميلة وأيدي قوية تظهر عليها علامات الزمن، تحكم النساء جزيرة “كينو” الواقعة على بعد سبعة أميال خارج الساحل الغربي لإستونيا في أوروبا الشرقية، وهي عبارة عن مكان ريفي هادئ، يبدو وكأنه قد ضاع في الزمن.

غالبًا ما يُنظر إلى “كينو” على أنها آخر مجتمع أمومي “قوامه المرأة” في أوروبا، حيث تتولى المسنات زمام الأمور ويعتنين هناك بكل شيء تقريبًا على الأرض بينما يتجول أزواجهن في البحار.

يُفتن زوار الجزيرة الهادئة، بشواطئها والغابات البكر المحيطة بها ومنازلها الريفية ذات الألوان الزاهية، وتعتبر “كينو”، سابع كبرى جزر إستونيا، التي تضم أكثر من 2000 جزيرة.

ظلت عديد من الجزر الإستونية على حالها دون أن تمس منذ أن كانت مأهولة بالسكان قبل قرون مضت، وعكس بقية جزر إستونيا، تبرز “كينو” على وجه التحديد، بسبب ساكنيها، إذ تشتهر الجزيرة بكثرة نسائها، ويسكن بالجزيرة التي تحكم فيها المرأة كل شيء حوالي 400 شخص فقط.

تغييرات كبيرة

لكن جزيرة كينو التقليدية الصغيرة تواجه مشكلة حديثة، تتمثَّل في تضاؤل عدد ساكنيها مع رحيل سكان الجزيرة، بسبب نقص الوظائف، كما أدَّت التغييرات في صناعة صيد الأسماك إلى جلب ضغوط جديدة، إذ يعود الرجال إلى ديارهم فترات أطول، وبعضهم يبقى.

تقول مار ماتاس: “سيتعين علينا التسويق تجاريا في نهاية المطاف، لكن السؤال يتمثَّل في تحديد الطريقة الأفضل بالنسبة لنا”.

تقول سيلفيا سويد، التي تعمل مصورة ومدربة رقص شعبي بالجزيرة، والتي كانت تعيش في مدينة فانكوفر بمقاطعة كولومبيا البريطانية قبل أن تأتي للعيش بالجزيرة في ديسمبر 2008؛ إكراما لجدتها الإستونية، التي فرَّت من الجزيرة خلال الحرب العالمية الثانية: “أتخيَّل توافر وظائف لسكان الجزيرة في مجالات الطهي والفندقة والمبيعات وخدمات تقديم الطعام”.

تضيف: “يريد الجيل الأكبر سنًا التمسّك بالتقاليد والثقافة، لذا يعلمون ما تعلموه بشأن ضرورة الحفاظ على ثقافة الجزيرة، وبالفعل، ثقافة الجزيرة جميلة حقا، لكنني أعرف أنَّ الجيل الأصغر سنا يشعر بالإحباط، هم يريدون زوار العالم الخارجي بجميع أطيافه، لأنَّ ذلك سيوفر لهم وسيلة للبقاء على قيد الحياة، إنَّها فرصة رائعة حقا لنساء كينو لكسب المال خلال موسم السياحة”.

بلا رجال 

اعتادت النساء في “كينو” على العمل الشاق والأوقات الصعبة، بعد أن تحملن الاحتلال السوفييتي لمدة 50 عامًا والشتاء القارس الذي يفصل الجزر عن بقية العالم، فهذه العزلة هي التي منعت عاداتهن من الموت.

“أسلوبنا في الحياة مختلف بالمقارنة مع أسلوب الحياة في إستونيا، عشت غالبية حياتي في هذه الجزيرة، ومن الجميل أن العديد من التقاليد القديمة، ما زالت حية”، بحسب مار ماتاس، مديرة مؤسسة الفضاء الثقافي المكرّسة لتعزيز تقاليد سكان الجزيرة وحماية تاريخهم الثقافي في حديثها لـ”الجارديان”.

تتمثل تقاليد “كينو” بأن الرجال يقضون أشهرًا في الصيد بالبحر، وفي الأثناء، تتكفل النساء بقيادة المجتمع والحفاظ على طريقة العيش فيه، وبسبب غياب الرجال عن الجزيرة بشكل كبير، فإن هذا هو السبب التاريخي لقوة النساء واستقلاليتهن بشكل كبير.

وعندما سُئلت مار عن عدد السكان الرجال، الذين يمكن رؤيتهم على مدار السَّنة في الجزيرة، صمتت فترة قصيرة، لتحسب العدد، ثم أجابت: “ربما خمسة”.

ورغم صعوبة الحياة على الجزيرة، إلا أن ثقافة كينو مثيرة للاهتمام، ويوصفها ساكنيها بأنها أشبه بجنة، ويعتبرونها المكان الأفضل في العالم.

وأُدرج كل ما في الجزيرة من ملابس، وموسيقى، ورقص، ضمن قائمة الـ”يونيسكو” للتراث العالمي، كما تعترف القائمة ذاتها، بنساء كينو بأنهن أمينات على تراث جزيرتهن، ويشير ارتداء مريلة فوق تنورة كينو التقليدية إلى أنَّ تلك المرأة متزوجة.

قصة لون

وتحكي المنسوجات والألوان قصة ثقافة “كينو”،  فترتدي النساء اللون الأحمر وهو يرمز للسعادة والشباب، أما اللون الأزرق يرمز للحزن، وعندما كانت الجزر تحت السيطرة السوفيتية، بدأت النساء بارتداء سترات رياضية، وغالبًا ما تراهم يقترن بلوزات Nike مع التنورة الشعبية والحجاب.

عندما تصل المرأة إلى الستين من عمرها في كينو، تبدأ في الاستعداد لجنازتها عن طريق حياكة ملابس جميلة لها، وحياكة القفازات للرجال الأصغر سنا الذين اختارتهم ليكونوا حفارين لقبرها.

في متحف جزيرة الصغيرة، جلست مجموعة من النساء المسنات، يرتدين تنانير ملونة متشابهة، يحتسين القهوة ويتسائلن: ما الذي لم تفعله المرأة في جزيرة كينو؟ كانت هناك قائمة محفوظة تضم جميع الوظائف، التي شغلتها نساء الجزيرة في غياب الرجال بدايةً من إصلاح محركات الجرارات إلى أداء الخدمات الكنسية في حال عدم وجود القس الأرثوذكسي الروسي، حتى الآن، كان هناك عمل واحد فقط لا يمكن لإحداهن ادعاء أنَّها أدَّته.

تقول ماي آف، مديرة المتحف: “هذا العمل هو حفر مقبرة، ومع ذلك، لا يمكن الجزم تماما بصحة هذا الأمر”، فمثل بقية النساء، كانت ماي، وهي امرأة في منتصف الأربعينيات من عمرها، ترتدي تنورة تقليدية تُسمّى “kort”، لكن لونها كان مختلفاً قليلا، لتمييز سنّها.

ربما يعجبك أيضا