لقاء مرتقب بين بوتين وأردوغان.. وطهران لا تريد خسارة تركيا

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

في وقت شهدت العلاقات بين أنقرة وموسكو توتراً في الأسابيع الأخيرة على خلفية الوضع في إدلب، تقف روسيا ضد إردوغان للحفاظ على نظام بشار الأسد في سوريا ومصالحها الاستراتيجية بعيدة المدى، فقد حمّلت موسكو النظام التركي مسؤولية فشل جهود إنشاء منطقة منزوعة السلاح شمال محافظة إدلب السورية، وألقت باللوم على تركيا لما آلت إليه الأوضاع شمال سوريا، متهمة أنقرة بالتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق لإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب السورية وبمساعدة المتشددين بدلا من ذلك.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن التحصينات “الإرهابية” اندمجت مع مواقع المراقبة التركية في إدلب، مما أدى إلى هجمات يومية على قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا. كما اتهمت الوزارة الروسية تركيا بانتهاك القانون الدولي بزيادة عدد القوات في المحافظة السورية.

وميدانيا تتواصل خسائر الجيش التركي، حيث قالت وزارة الدفاع التركية الأربعاء إن جنديين تركيين قتلا وأصيب ستة في هجوم لقوات الحكومة السورية في منطقة إدلب بشمال غرب سوريا.

ضد التقارب التركي الأمريكي

وتأتي الانتقادات الروسية كردّ مباشر على إعلان واشنطن استعدادها لدعم قوات الجيش التركي في عملياته العسكرية في آخر معاقل حلفائه من الجماعات المتشددة شمال غرب البلاد.

ويقول محللون إن تطورات الوضع في إدلب تخدم بشكل مباشر الأجندة الأميركية، حيث تراهن على المزيد من تأزم الوضع هناك بين تركيا وروسيا، وما سيعني ذلك من تفكك الروابط التي نسجها الطرفان على مدار السنوات الأخيرة.

وبات النظام التركي اليوم في مفترق طرق بعد تتالي خسائره العسكرية والسياسية في الجبهة السورية، حيث فقد أردوغان هامش المناورة فيما يخص الملف السوري.

لقاء مرتقب

وتأتي الاتهامات الروسية عشية اللقاء المرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان بعد إصرار من الأخير أملا في الخروج من المأزق والتوصل لاتفاق جديد.

ويعول أردوغان كثيرًا على لقائه بنظيره الروسي، حيث قال الأربعاء إنه يتوقع أن تسفر محادثاته الخميس القادم مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين عن التوصل سريعا إلى وقف لإطلاق نار في منطقة إدلب بشمال غرب سوريا.

في المقابل يرى مراقبون أن الاتهامات الروسية الموجهة إلى تركيا حيال تطورات الوضع في سوريا هي رسالة مباشرة إلى أردوغان لكي لا يعلق أمالا كبيرة عن لقاء الخميس مع بوتين.

وجاء الموقف الروسي الحازم تجاه أنقرة لينفي صحة الخطاب الذي يتم التسويق له تركيًّا ويوحي بأن روسيا تغض الطرف عن العمليات العسكرية التركية في سياق تبادل المصالح.

كما انتقد الكرملين صمت المجتمع الدولي حيال الانتهاكات التركية شمال سوريا، حيث قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، إيجور كوناشينكوف، إن الدول الغربية والأمم المتحدة لم تكترث على الإطلاق بـ “الانتهاكات الجسيمة” لمذكرة سوتشي لعام 2018 بشأن إدلب السورية.

وأضاف المتحدث في بيان نشر الأربعاء أن تلك الانتهاكات “ارتكبتها تركيا والجماعات الإرهابية المتواجدة هناك، والمتمثلة في قصف متزايد للمناطق السورية المجاورة وقاعدة حميميم الروسية.

إضافة إلى عمل النظام التركي على تعزيز قبضة الإرهابيين من هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني وحراس الدين على المنطقة. وتمازج مواقعهم مع نقاط المراقبة التركية بدلا من إخراجهم من المنطقة وفصلهم عن المعارضة المعتدلة”.

شد وجذب

وعلى الرغم من التصعيد العسكري بين قواته على الأرض وبين قوات النظام السوري في إدلب، شمال غرب سوريا، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أمله في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، بعد لقاء سيجمعه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو الخميس. وشدد على أن بلاده ليس لديها أي مشكلة سواء مع إيران أو روسيا في سوريا.

وكان المركز الاستشاري الإيراني في سوريا وجه تحذيرا للقوات التركية، مذكرا إياها “أنها موجودة منذ شهر في مرمى قواتنا وكنا نستطيع الانتقام، لكننا لم نفعل ذلك تلبية لأوامر قيادتنا”، ووفق المركز فإنه لا يزال القرار بعدم التعرض للقوات التركية ساري المفعول. ودعى أنقرة إلى “تحكيم العقل” والأخذ بعين الاعتبار “مصالح شعبها”.

وخلافا للموقف الدبلوماسي الإيراني الرسمي الذي يحاول الحفاظ على علاقاته مع كل من تركيا وسوريا بشأن تطورات إدلب، صعد بعض الإيرانيين من موقفهم تجاه أنقرة بعد استهدافها عددا من قوات حليفهم حزب الله اللبناني في سوريا.

وغرد الناشط السياسي المقرب من الحرس الثوري مهدي محمدي على تويتر، أن محور المقاومة لا يعتبر تركيا عدوا حتى اليوم في سوريا، لكن هذا القرار مرشح للتغيير بسرعة إذا ما عزمت أنقرة على دعم الإرهاب بشكل عملي هناك، وأن بوادر هذا التغيير أضحت تلوح في الأفق، على حد تعبيره.

بين تركيا وروسيا

تقف إيران حائرة بين تركيا وروسيا في موقفها منهما داخل سوريا، سيما أن طهران وموسكو في معسكر واحد إلى جانب النظام الحاكم في سوريا. وكذلك تحتاج إلى أنقرة لمساعدتها في الخروج من أزمة العقوبات التي فرضتها عليها واشنطن.

ويعتقد بعض المحللين الإيرانيين، أن على إيران “تفضيل تركيا على روسيا في هذا الصراع”؛ لأن إيران تحتاج إلى التجارة مع تركيا أكثر مما مضى، لمواجهة العقوبات الكثيرة، وإغلاق حدودها، ويجب أن لا تفضل تحت أي ظرف من الظروف أوضاع روسيا الخاصة المحتملة أكثر من تركيا. ولا يمكن لروسيا أبدًا أن تكون شريكًا تجاريًا موثوقًا لإيران، وليس لديها سلع تتاجر بها مع إيران، باستثناء بضائع الحرب. وانه لا يجب تعطيل التجارة الإيرانية مع تركيا بسبب إدلب.

لا خسارة لأحد

ويبدو أن النظام في طهران يحافظ على هذه الرؤية فلا يريد خسارة تركيا، ولطالما كرر دعوته للتعاون مع طهران لحل الأزمة وتقاسم المصالح الاقتصادية والأمنية. فقد جدد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي موقف بلاده الداعي إلى الحوار والخيار السياسي للخروج من الأزمة الراهنة في إدلب، مؤكدا أن إيران لا تزال تعتقد بأن مسار أستانا هو الكفيل بحل الأزمة في سوريا.

واعتبر موسوي في مؤتمره الصحفي الأسبوعي الاثنين الماضي، أن الحكومة السورية هي الطرف الأساسي في النزاع الدائر على أراضيها وعلى جميع الأطراف التعاون معها، معتبرا أن القمة الإيرانية الروسية التركية المزمع عقدها في طهران والتي لم يحدد موعدها بعد، بإمكانها تفعيل مسار أستانا والتوصل إلى حل يرضي أطراف النزاع.

ويأتي كلام موسوي بعد يومين من نشر وسائل إعلام إيرانية خبرا عن اقتراح الرئيس حسن روحاني عقد اجتماع ثلاثي بين إيران وتركيا وروسيا (لا سوريا) بشأن الوضع في إدلب، وأنه اعتبر خلال مكالمته الهاتفية مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان التعاون الثلاثي يحظى بأهمية خاصة.

وعلى ذلك، أوصت صحيفة “جوان” التابعة للحرس الثوري، أردوغان والحكومة التركية بأن “الخيار الأفضل بالنسبة لتركيا هو السعي إلى تعاون اقتصادي وأمني وسياسي بناء، مع مجموعة من دول المنطقة وروسيا بدلاً من الأطماع الإقليمية والعثمانية، اعتمادًا على نظام سياسي وحزبي، وعدم المقامرة بالمشروعات الاستعمارية الصهيونية.

وتصف الصحيفة وجود روسيا في سوريا بالقانوني، ووجود تركيا بالاستعماري، وتعتبر أن لعبة تركيا ببطاقة اللاجئين والمشردين غير مجدية، ومن غير المرجح أن تغير هذه اللعبة أولويات أوروبا وحلف شمال الأطلسي.

وبرأي صحيفة “جوان”، فإن صلاحية إردوغان انتهت بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة، والطلب على تركيا مرهون فقط بتعاونها أو اشتباكها مع روسيا وإيران.

وتوصي الصحيفة بأن تعود تركيا إلى تيار المقاومة بجانب روسيا وإيران وسوريا، والالتزام بعملية آستانة.

 قمة آستانة

هذا، وتعتزم إيران قريبا استضافة قمة أستانا في طهران بمشاركة الدول روسيا وتركيا لتقريب وجهات النظر بين هذين البلدين بعد التصعيد المتبادل بينهما في إدلب.

ربما يعجبك أيضا