لماذا تتخذ الجماعات الإرهابية ألمانيا نقطة انطلاق لغسل أموالها؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
كشفت التحقيقات الألمانية، يوم أمس 22 نوفمبر 2018، أن “حزب الله” اللبناني وجد في ألمانيا “جنة آمنة” لغسيل أموال المخدرات مستغلا ثغرات في قوانين مكافحة تمويل الإرهاب في البلاد.  وحصل حزب الله -المصنف إرهابيا- على دعم مالي ضخم خلال عملية واسعة لغسيل أموال المخدرات بين كل من أوروبا وأمريكا الجنوبية. يقول “سفين جيجولد” -عضو حزب الخضر في البرلمان الأوروبي، وفقا لتقرير في صحيفة “ويستفاليشن ناخريشتين”- إن “ألمانيا هي المكان المثالي لغسل الأموال المنظمة”.
 
وفي هذا الإطار، طلب فولفغانغ شويبله من الحزب الديمقراطي المسيحي، رئيس البرلمان الألماني ووزير المالية سابقا، تعزيز “وحدة مكافحة غسل العملة” التي ترتبط حاليًا بدائرة الجنايات الاتحادية. وتحدث شويبله عن رفع عدد الموظفين العاملين في الوحدة من 25 إلى 165 موظفًا حتى سنة 2018. ونقل مقر الوحدة من دائرة الجنايات الاتحادية إلى دائرة الجمارك الاتحادية من أجل تحسين عملها.
 
وتعرف عمليات غسل الأموال بأنها نقل أو تحويل المال المُستمد من الجرائم؛ من أجل مساعدة الأشخاص المتورطين في هذه الجرائم على الإفلات من القانون، وفقا لدراسة بعنوان: جريمة غسل الأموال السعودية، لصقر المطيري جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
 
ذكرت تقارير صحفية ألمانية -خلال شهر يونيو 2018- أن مركز “المصطفى” المجتمعي في بريمن يعد مركزًا رئيسيًّا لجمع الأموال لتنظيم “حزب الله”، وأكد تقرير وكالة الاستخبارات في بريمن أن المركز “يدعم حزب الله في لبنان، خاصة من خلال جمع التبرعات”. ووفقا لتقارير استخباراتية، تسمح ألمانيا لـ950 من عناصر تنظيم “حزب الله” بجمع الأموال وتجنيد أعضاء جدد في جمهورية ألمانيا الاتحادية. وتلقت الجمارك الألمانية، في السنة الماضية 2017، 60.000 بلاغ عن شكوك حول غسيل أموال بينها 216 بلاغا تستهدف تجار حلي وبائعي سيارات وتجارا آخرين.
 
وتحدث مدير الجمارك، في تقريره، عن 17 ألف قضية تهريب وغسل أموال عملة ضد 22 ألف متهم، مشيرًا إلى حصة عالية من النشاطات المالية المشبوهة لتمويل التنظيمات الإرهابية وأحالت دائرة الجمارك في العام 2016 ما يقارب 3600 تبليغ، من مؤسسات مالية وغيرها، حول الاشتباه بقضايا غسل عملة لصالح التنظيمات الإرهابية، إلى وحدة مكافحة تبييض الأموال.
 
الاستنتاج
 
يتضح أن القانون الألماني يسمح بالدفع نقدا لشراء العقارات وغيرها من السلع الثمينة، وهذا ممكن اعتباره تراخيا وتساهلا ألمانيًّا مع قضايا غسيل الأموال، لأغراض اقتصادية، رغم أنها تعد وسيلة لتمويل التنظيمات الإرهابية بينها حزب الله اللبناني. التراخي الألماني يسمح لمكاتب الصرافة “الحوالة” لتحويل أموال ضخمة تستخدم في غسيل الأموال، تكون ألمانيا البلد المفضل والملاذ الآمن. يحدث هذا في ألمانيا، رغم أن القوانين الألمانية لا تسمح نقل أكثر من خمسة الآلاف يوروا نقدا. ويظهر دور مكاتب الصرافة الذي يعتبر أساس في عمل شبكات غسيل الأموال إذ يتبادلون ديون زبائنهم وفق نظام لا يترك أي أثر في النظام المصرفي.
 
فما تعانيه ألمانيا في الوقت الحاضر في قضايا الإرهاب ومنها غسيل الأموال، لم يتحدد في القوانين الصادرة، بل في قدرة وإمكانيات المؤسسات المالية، التي تعاني من نقص الكادر، وفقا إلى تقارير وزارة المالية، محاولة منها عدم تحمل المسؤولية كاملة.
 
المثلث الأوروبي
 
الحدود الألمانية الهولندية البلجيكية، ثم فرنسا، يعتبر الممر المفضل للجماعات الإرهابية، يسهل لهم التنقل عبر الحدود بسهولة، ومن يمر من هذا المثلث، يكتشف أنه لا توجد أي نظم سيطرة أو مراقبة “ظاهريا” والأكثر من ذلك رفعت ألمانيا -على سبيل المثال- عام 2016 مركز سيطرة رئيسي مع حدود هولندا، رغم موجة الإرهاب، والذي يعتبر ممرا أساسيا لشاحنات النقل وعمليات الاستيراد والتصدير.
 
هذا المثلث استخدمه الكثير من الإرهابيين، ممر عبور من ألمانيا وبالعكس أشهرهم “العامري” تونسي من عناصر تنظيم داعش، نفذ عملية شاحنة برلين الإرهابية خلال أعياد رأس السنة 2016، و”عبد السلام” عضو خلية تفجيرات باريس نوفمبر 2015، والذي ما زال معتقلا لدى السلطات الفرنسية.
 
التحقيقات، كشفت أن فضاء الشنغن، داخل أوروبا أصبح يمثل ثغرة أمنية، أمام تتبع عناصر مطلوبة لأجهزة الاستخبارات الأوروبية، وطالبت بعض الدول طالبت بإجراءات صارمة لمراقبة حدود الشنغن الداخلية، لكنها تصطدم في قوانين الأتحاد الأوروبي التي تفرض ذلك.
 
يذكر أن قوانين الاتحاد الأوروبي تسمح للدول الأعضاء في الحالات الحرجة، بغلق حدودها لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، ويمكن تمديدها مرة واحدة، وهذا ما فعلته على سبيل المثال فرنسا مع بلجيكا في أعقاب تفجيرات، باريس نوفمبر 2015، وألمانيا مع حدود النمسا، والأخيرة مع المجر، وكذلك الدنمارك والنرويج.
 
المشكلة تكمن، في أن الجماعات الإرهابية، في هذه المرحلة، هي جماعات “ذكية” في زمن العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي، تحول هذه الخدمات لصالحها لتنفيذ عمليات إرهابية، على سبيل المثل محرك “Google Earth” يمنح العناصر الإرهابية معلومات البحث عن مسالك الطرق ومواقع المباني والمطارات ونقاط الحدود، وهي تستخدمه في التخطيط لتنفيذ عملياتها الإرهابية ومن ضمنها عمليات غسيل الأموال.
 
التوصيات
 
يجب على دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، مراجعة قوانينها الخاصة بإستخدام النقد في عمليات شراء العقارات والمجوهرات والسلع الثمينة، وألا تجعلها مفتوحة. ما تحتاجه ألمانيا أيضا هو تعزيز عمل دوائر المالية التي ما زالت تشهد نقص في عدد الأفراد العاملين. يذكر أن دوائر الجمارك والضرائب تتمتع بصلاحيات واسعة وفاعلة جدا ربما أكثر من بقية الأجهزة الألمانية. يبدو أن ألمانيا ودول أوروبا بدأت تصحو على تحديات أمنية جديدة، أكبر من قدراتها، وهذا يكشف أن ألمانيا وعددا من الدول ما زالت تعمل بـ “بيروقراطية” في تعاملها مع الإرهاب وغسيل الأموال، وهي تبرر ذلك بسبب القوانين والالتزام بالدستور، وهذا يعني أنها تحتاج سنوات طويلة للتعافي من تللك الثغرات الأمنية، رغم ما أنجزته من تعديلات ومراجعة  واسعة وإيجابية في السياسات والقوانين خلال السنتين الماضيتين في ملف مكافحة الإرهاب.

ربما يعجبك أيضا