لماذا فشلت مبادرة مجموعة السبع في التصدي لـ«الحزام والطريق» الصينية؟

هل تنجح الدول الغربية في كبح جماح النفوذ الصيني بدول العالم؟

شروق صبري
الصين

تمثل مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل" محاولة واضحة للرد على مبادرة الحزام والطريق في التأثير على الجنوب العالمي.


من المرجح أن يظل الغرب يواجه مشكلات في تنسيق المشاريع واسعة النطاق التي تتشابه مع مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي حظيت باهتمام هائل بسبب استثماراتها الباهظة وطموحاتها الضخمة والمتنوعة.

ركزت السياسة الحضرية الصينية على تشييد المباني السريعة والنمو الاقتصادي بالمناطق الاقتصادية الخاصة، وهو ما مكنها من نشر سياسات اقتصادية فريدة من نوعها. ولم تشهد أي دولة في التاريخ توسعًا حضريًّا بالحجم الذي حققته الصين بين عامي 1980 و2020، ففي عام 1978، كان 20% من سكان الصين يعيشون في المناطق الحضرية، والآن، أكثر من 60%.

الاستراتيجية الصينية الكبرى الأخيرة

انطلقت قوة الصين عبر مدن العالم، فقد استثمرت عبر الاستراتيجية الصينية الكبرى حوالي تريليون دولار في بلدان العالم، وتعتزم ربط أكثر من 150 دولة بطرق جديدة وسكك حديدية وموانئ بحرية وأنظمة طاقة وابتكارات تكنولوجية وفضاء إلكتروني، كما تشجع على التجارة والاتصال وجذب ثلثي سكان العالم للأسواق الصينية.

وأشارت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، يوم الاثنين 27 نوفمبر 2023 إلى أنه في أكتوبر 2023، اجتمع زعماء العالم في بكين للاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، لافتة إلى أنها محور الاستراتيجية الصينية الكبرى الأخيرة؛ لكن رغم كل التدقيق الذي تحرص عليه مبادرة الحزام والطريق، غالبًا ما يتم التغاضي عن جانب رئيس، وهو أنها، مشروع حضري شامل، قد يحدد مستقبل العديد من المدن بأنحاء العالم، خاصة إذا فعلت قوى عظمى أخرى ذلك.

وزعمت المجلة الأمريكية أن تنمية المدن يجري على نحو خاطئ، ففي تحليل العلاقات الدولية، هناك علاقة جوهرية بين البنية التحتية، والشكل الحضري، وشكل الأنظمة الدولية التي تبنيها القوى العظمى. وعلى مر التاريخ، استخدمت القوى العظمى المدن ليس فقط كنقاط اتصال تجارية ودينية، بل كمواقع لاستعراض القوة الحقيقية والرمزية.

مخطط القطب الواحد

إن مخطط القطب الواحد للولايات المتحدة الذي تبلور في أعقاب الحرب الباردة كان مدعومًا بإنشاء شكل حضري مميز “المدينة العالمية” حيث تم إعادة تشكيل مدن مثل لندن ونيويورك وسيول وسيدني وطوكيو، على مدى عقود من الزمن، من خلال توسع السوق الحرة الليبرالية. وفي المقابل، أدى صعودهم إلى تعزيز نفوذ الولايات المتحدة على مستوى العالم.

ومن ثم، بدأت الصين الآن في إنشاء أشكال البنية التحتية والحضرية المميزة الخاصة بها خلال عصر الانفتاح الاقتصادي الذي بدأ في عام 1979، فقد حولت المناطق المحلية داخل حدودها، ووسعتها من خلال بناء ناطحات السحاب وتطوير المناطق الريفية مع ربطها أيضًا بالاقتصادات الإقليمية والبعيدة.

وكانت المساحات الحضرية على مدى أربعة عقود من الزمن محورية في الرؤية الاقتصادية والاستراتيجية للصين، والتي سبقت مبادرة الحزام والطريق. لكن الاهتمام والموارد التي توليها بكين لهم الآن من خلال مبادرة الحزام والطريق، في الداخل والخارج، ينذر بتحول في حياة المليارات من سكان المدن.

الحزام والطريق

الحزام والطريق

نجاح مبادرة الحزام والطريق

إن التواصل المعزز الذي تعتزم الصين خلقه يمكن أن يولد نوعًا جديدًا من السوق العابرة للحدود الوطنية. فقد بدأت مبادرة الحزام والطريق بالفعل في زيادة نفوذ الصين بشكل كبير على المدن الأخرى على نطاقات متنوعة من الصغيرة جدًا إلى الهائلة، وخارج الحدود الصينية، منذ عام 2018، أعادت مبادرة الحزام والطريق تشكيل أستانا، عاصمة كازاخستان، لتصبح مركزًا ماليًّا دوليًّا إقليميًّا.

وفي شرق إفريقيا، تقوم مبادرة الحزام والطريق بتمويل بناء السكك الحديدية ومشروع ميناء جديد للمياه العميقة على الساحل الكيني لإنشاء ممر اقتصادي جديد عابر للحدود الوطنية يربط كينيا وجنوب السودان وإثيوبيا.

المشاكل المستعصية

مع ذلك، تقدم مبادرة الحزام والطريق أيضًا لمحات مثيرة لعالم قادر على التعامل بشكل أفضل مع المشاكل المستعصية مثل تغير المناخ. ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، تأمل الصين أن يتم استخدام تجاربها في الممارسة الحضرية المستدامة في مختلف أنحاء جنوب شرق آسيا، مثل مدينة الغابات التي تبلغ تكلفتها 100 مليار دولار والتي يجري بناؤها على أربع جزر بين ماليزيا وسنغافورة؛ وتهدف هذه المدينة إلى خلق حياة حضرية مستدامة لما يصل إلى مليون شخص بحلول عام 2035.

وفي قمة الصين والآسيان لعام 2019، أطلقت الصين والدول الأعضاء في الآسيان مبادرة التعاون في المدن الذكية، والتي حددت التزامًا بمواصلة تطوير المدن الذكية. والنظام البيئي في آسيا يجمع بين الابتكار الرقمي والاستدامة.

نظام دولي بقيادة الصين

وبدأ صناع السياسات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تطوير مبادرات البنية التحتية المصممة للتنافس جيوسياسيًّا مع مبادرة الحزام والطريق؛ وتحتاج هذه المخططات إلى دعم أكبر. لكن القادة في هذه الديمقراطيات المنقسمة وغير المنظمة على نحو متزايد يفتقرون إلى قدرة الصين على تعبئة موارد ضخمة بسرعة. لكن في نهاية المطاف، فإن مبادرة الحزام والطريق ليست مجرد مشروع للبنية التحتية. فهي تحمل بالفعل النفوذ الصيني في جميع أنحاء العالم وتضع الأسس لنظام دولي بديل بقيادة الصين.

وكانت قمة مجموعة السبع قد أعلنت عام 2021 عن مبادرة “إعادة بناء عالم أفضل” التي أعيد تسميتها لاحقا باسم الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار، وهي تهدف لتنسيق استثمارات دول مجموعة السبع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

الرد على مبادرة الحزام والطريق

تمثل المبادرة محاولة واضحة للرد على مبادرة الحزام والطريق في التأثير على الجنوب العالمي، بتمويل أولي قدره 600 مليار دولار قدمته مجموعة السبع وشركات خاصة.

وتشمل مشاريعها بناء ممر الهند الشرق الأوسط أوروبا، الذي أعلنت عنه في سبتمبر 2023 الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ومن شأن هذا الممر أن يربط هذه القارات بالبنى التحتية الرقمية الجديدة وشبكات النقل، بما في ذلك الطرق البحرية والسكك الحديدية.

وتستعير الخطة من قواعد مبادرة الحزام والطريق، وقد عرض الاتحاد الأوروبي، سلسلة من الاستراتيجيات الجديدة لأفريقيا والهند من خلال برنامج البوابة العالمية بقيمة 300 مليار دولار لعام 2021، والذي يؤكد على استثمارات البنية التحتية التي تلتزم بمعايير اجتماعية وبيئية أعلى تعكس القيم الأوروبية فيما يتعلق بالتنمية وحقوق الإنسان والمساواة، والاستدامة.

 

 

ربما يعجبك أيضا