مؤتمر برلين حول ليبيا.. تكهنات النجاح والفشل

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

تعيش برلين حالة طوارئ -وسط إجراءات أمنية مشددة- لاستقبال رؤساء الدول المشاركة، الحاضرون كثر، وعلى رأسهم طرفا النزاع الرئيسيان؛ فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، واللواء المتقاعد خليفة حفتر رجل شرق ليبيا القوي، لكنهما لن يجلسا على طاولة واحدة.

أنظار العالم تتجه إلى العاصمة الألمانية برلين اليوم، وتحديدًا إلى مكتب المستشارة الألمانية ميركل الذي يحتضن قمة حول الأزمة الليبية.

قائمة الحضور تتضمن أيضًا قادة دول مصر والجزائر وتركيا وروسيا وفرنسا وإيطاليا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي ممثلًا في رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين، ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة.

لقد نجح المؤتمر في جلب طرفي الصراع الرئيسيين الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، والأطراف المتدخلة بالشأن الليبي إلى طاولة الحوار، هي جهود تحسب للدبلوماسية الألمانية كما يقول محللون.

يوفر المؤتمر فرصة ذهبية لألمانيا كقوة وساطة بدعم وتعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهذا يظهر قوة الدبلوماسية في جلب كل الأطراف المتعلقة بالشأن الليبي إلى الطاولة، وفقًا للخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط، “دانيال غالاخ “رئيس تحرير مجلة “تسينيت”.

ويقول هانس “جورج إيرهارت” -من معهد أبحاث السلام والسياسة الأمنية- إن المبادئ المشتركة في برلين هي التي تمهد الطريق لعملية السلام وهو مشروع ضخم، تم إعداده بشكل متقن، ولكن يتطلب استمرارية. ويتم تنسيق كل ما يحدث مع شركاء ألمانيا، فبعد أفغانستان وأوكرانيا، تركز الدبلوماسية الألمانية الآن على ليبيا.

ألمانيا ودور الوسيط

هناك منطقتا صراع تتخلى فيهما ألمانيا عن نهج الدبلوماسية الصامتة خلف الكواليس: أفغانستان وأوكرانيا، في كلتا الحالتين، تتوسط ألمانيا علنًا بين الأطراف المتصارعة وتستضيف المؤتمرات، كما أنها حاضرة عسكريًّا في أفغانستان، وعلى الرغم من أن ألمانيا تتصرف بشكل أكثر جرأة، إلا أن البلاد تظل وفية للمبادئ الأساسية لدبلوماسية السلام في أفغانستان وأوكرانيا.

لماذا الدور الألماني الآن؟
 
تعد ليبيا بوابة رئيسية لعبور اللاجئين إلى ألمانيا، هكذا أرجع الخبير الألماني بشؤون الشرق الأوسط، الدكتور كارستن فيلند، في حديث مع DW عربية اهتمام برلين بالوضع في ليبيا. ويردف فيلند: “ومن هنا لا نستغرب محاولة أردوغان تعزيز نفوذه هناك لكي يمسك بورقة إضافية ضد الأوروبيين في ملف الهجرة”. وتعد ألمانيا المقصد الأساسي لمعظم راكبي البحر من شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء الكبرى صوب “الفردوس الأوروبي”.

الأزمة الليبية تعني لأوروبا الكثير: الهجرة، والثروات الطبيعية مثل الغاز، وهذا ما يدفع الأوروبيين للتفكير بتواجد عسكري في ليبيا، وهذا ما جاء على لسان مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، حيث لم يستبعد قيام الاتحاد الأوروبي بمهمة عسكرية في ليبيا.

يشار إلى أن دول الاتحاد الأوروبي لا تتبنى حتى الآن موقفًا موحدًا تجاه ليبيا؛ فإيطاليا تقف بقوة إلى جانب حكومة فايز السراج، فيما تقف فرنسا بشكل غير رسمي إلى جانب الجنرال حفتر.

أبرز التحديات التي تواجه مؤتمر برلين؟

يواجه مؤتمر برلين الكثير من التحديات، ويعود ذلك بشكل مباشر إلى تعقيد وتشابك المشهد السياسي والأمني في ليبيا، أبرزها انقسام ليبيا بين شرق ليبيا، حكومة الجنرال حفتر وطرابلس، حكومة السراج يقابله انقسام أوروبي خاصة ما بين إيطاليا وفرنسا.

ويبدو أن الولايات المتحدة غير متحمسة إلى إيجاد نهاية الفوضى في ليبيا، رغم حضورها المؤتمر.

التحدي الذي يواجه ميركل، المستشارة الألمانية، هي ليست بجمع الفرقاء وحشد الحاضرين من اطراف دولية وإقليمية، بقدر ما يتعلق الأمر بمدى قدرة ألمانيا تحديدا ثم الاتحاد الأوروبي بـ”ضبط” تنفيذ اي مخرجات أو قرارات تصدر من هذا المؤتمر.

ألمانيا ودول أوروبا، تعتبر احتمال إرسال جنود إلى ليبيا، هو السقف الأعلى لمشاركتها، ولكن التجارب تقول: إن دول أوروبا، حتى عندما ترسل جنودها، لتكون فاصلا بين أطراف النزاع، هي أقل من الحاجة، وربما يكون وجودها رمزيا، وهذا ما يحدث الآن في أفغانستان وفي دول الساحل الأفريقي.

ويمكن القول إنه لا يمكن لأي دولة أن تكون فاعلة على الأرض في مفاوضات من دون أن يكون لها تأثير دبلوماسي، واقتصاد قوي وحضور عسكري خاصة في مناطق النزاع، والعامل الأخير هو ما ينقص أوروبا وألمانيا تحديدًا إلى جانب تأثيرها السياسي، التي اتسمت مشاركاتها بتقديم الدعم اللوجستي غير القتالي في مناطق الصراع.

التحدي الأكبر هو كيف يتم تفكيك الميليشيات أو الجماعات المسلحة، هذه الجماعات، لا تستمع حتى إلى السراج رئيس الحكومة الليبية، فكيف سيتم فرض أو تنفيذ أي مخرجات أو قرارات للمؤتمر.

يبدو أن الأزمة الليبية -هي أصلًا- أكبر من حجم ألمانيا والاتحاد الأوروبي، ويبقى التدخل التركي العسكري في الأزمة الليبية، تحديًا كبيرًا، فعندما يقول أردوغان: “حل الأزمة في ليبيا يمر عبر تركيا” فذلك له دلالات كبيرة، أي أن الجماعات المسلحة، خارج سيطرة السراج وتحت سيطرة أردوغان، وهذا ما يعقد المشهد كثيرًا، مع الأخذ في الاعتبار أن تركيا تمسك برؤوس التنظيمات المتطرفة وتستطيع تحريكها تجاه ليبيا، ناهيك عن حضور أردوغان داخل المؤتمر، والذي من شانه أن يربك الجهد الدبلوماسي داخل مؤتمر برلين.

المعطيات تقول: هناك تحفظ في نجاح مؤتمر برلين؛ فالحكمة ليست إصدار بيان ختامي أو مقررات ومخرجات بقدر، كيفية ضبط أطراف الصراع محليًّا، أبرزها الميليشيات المسلحة، وهذا ما يثير الكثير من التكهنات حول عقد مؤتمر برلين.

ربما يعجبك أيضا