مؤتمر للتجارة وزيارة للسنغال .. إيران تسعى لتصريف بضائعها في القارة السمراء

يوسف بنده

رؤية

عقب تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران وفقدان الأخيرة كثيرًا من عوائدها النفطية، تبحث طهران عن طريقة للاستفادة من “الإمكانيات الأفريقية”، بغرض الربح وتوسيع دائرة نفوذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكانت بعض المؤسسات الإيرانية، بما في ذلك مؤسسة “الإمام الخميني” للإغاثة والبناء، كانت قد بدأت عملها في بعض الدول الأفريقية، وقد أثارت أنشطتها حفيظة السلطات الحكومية في تلك الدول.

إلى السنغال

صباح اليوم الخميس الماضي، بحث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع نظيره السنغالي، أحمدو با، الأبعاد المختلفة للتعاون بين البلدين في مجالات التجارة والطاقة ومحطات الطاقة وصناعة السيارات وتقنية النانو.

وكان وزير الخارجية الإيراني قد زار -خلال جولته التي قام بها- كلا من نيويورك وفنزويلا ونيكاراجوا وبوليفيا.

وبزيارته للسنغال، يأمل محمد جواد ظريف في إعادة بعث علاقات متينة مع هذا البلد الأفريقي، استجابة لتطلعات المرشد الأعلى علي خامنئي.

التواجد في غرب أفريقيا

وتعطي خطة جولة ظريف صورة عن الاهتمام المتزايد لطهران بدول غرب أفريقيا، حيث تنشط جمعيات دينية، وثقافية تابعة لإيران بصفة مباشرة وأخرى غير رسمية.

محطة ظريف للسنغال التي ارتفع بها عدد الجامعات والمدارس الممولة من النظام الإيراني بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة.

إذ يمكنك أن تجد في العاصمة داكار مثلا جامعة لتلقين المذهب الشيعي، ضمن فرع من فروع جامعة المصطفى المعروفة في إيران.

وإذا دخلت مكتب المدير، حسب ما نقلته وكالة رويترز من خلال تحقيق سابق هناك، يمكنك رؤية صورة آية الله علي خامنئي على جدار مكتبه.

من أجل الاقتصاد

الوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش في دول غرب أفريقيا أثار أطماع إيران منذ مطلع الثمانينيات، لبدء زرع مذهبها الديني والسياسي بالدرجة الأولى.

ومن أهم الدول التي تشهد نشاطا حثيثا لإيران عبر ملحقاتها الثقافية: السنغال وساحل العاج والغابون وغينيا، إذ يجتمع نحو 250 مليون نسمة في هذه المنطقة.

وبينما يعتنق عموم المسلمين هناك المذهب الصوفي للإسلام ثم السني بدرجة أقل، تحاول إيران استقطاب مؤيدين لها عبر مساعدات مختلفة في صور إعانات صورية ورمزية.

فالمدارس التي يمولها النظام الإيراني في السنغال على وجه التحديد، تتضمن تدريس مناهج الثقافة والتاريخ الإيرانيين والعلوم الإسلامية بالإضافة للغة الفارسية.

ويحصل الطلاب على طعام مجاني ومساعدات مالية طيلة فترة الدراسة، تحت نظام جامعة المصطفى التي تعمل تحت إشراف خامنئي في قم الإيرانية ولها فروع في 50 دولة.

وفي حديث لوكالة رويترز، قال ابن أحد رجال الدين في قم، طلب عدم نشر اسمه، إن آلافا من الطلاب من جميع أنحاء أفريقيا يتلقون ما يكفي من أموال إيران بما يمكنهم وأسرهم من زيارة قم أثناء الانتهاء من دراساتهم.

مدير الدراسات بجامعة المصطفى الشيخ أدرامي واني، قال من جانبه، إن الجامعة في دكار تستقبل 150 طالبا سنويا وتقدم لهم تعليما مجانيا ومنحا مالية ووجبات إفطار.

الاتفاقات التجارية… الطُعم

وقال أستاذ في قم: إن الطلاب يردون هذا السخاء بالدعاية لإيران على الإنترنت أو في صورة كتب. وفي دول مثل الصومال تدفع طهران تكاليف حفلات الزفاف والأثاث المنزلي بما في ذلك أدوات منزلية مثل الثلاجات أو أجهزة التلفزيون، إذا كان الزوجان شيعيين أو اعتنقا المذهب الشيعي حديثا.

وخلال السنوات الأخيرة أصبح التطرف الديني يؤرق السنغال، وهو ما يؤكده منسق مرصد التطرف الديني والنزاعات في أفريقيا بكاري سامبي، خلال حديثه لوكالة رويترز.

وقال بكاري: “في المناطق التي تكون فيها الطرق (الصوفية) ضعيفة مثلما هو الحال في شرق السنغال يكون خطر التطرف أشد”.

في كثير من الأحيان، ساهم النفوذ الإيراني في زعزعة استقرار السنغال، ففي عام 2010 تم اعتراض شحنة أسلحة إيرانية في ميناء لاغوس النيجيري اشتبهت السنغال في أنها كانت في طريقها لمتمردين في منطقة “كاسامناس” الجنوبية، وقطعت دكار العلاقات لفترة قصيرة مع طهران بسبب ذلك.

إلى ذلك، تحاول إيران، من خلال قربها من هذه الدول، تصريف إنتاجها الصناعي، إذ تمكنت العام 2008 من توقيع اتفاق يقضي بتصنيع سياراتها “ساماندا” في السنغال، لإنتاج عشرة آلاف سيارة سنويا لتباع بدول غرب أفريقيا.

المشروع كلف 60 مليون دولار وتكفلت إيران بتمويله بنسبة 60 في المئة، وذلك بعد أن استطاعت بيع السنغال ألفي سيارة “سامندا” لتستخدمها كسيارات أجرة.

مؤتمر التجارة مع شرق أفريقيا

أدت العقوبات الاقتصادية ضد إيران، إلى أن يكون اقتصاد الأخيرة في عزلة أكثر من أي وقت مضى، فقد انسحب المستثمرون الأجانب والشركات الدولية الكبيرة من الشراكة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن طهران تريد استخدام ما سمته بـ”الإمكانيات الجديدة” لمواجهة عزلتها الاقتصادية. وعلى هذا الأساس، فقد اختارت القارة الأفريقية لتحقيق هدفها هذا.

في هذا السياق، شهدت العاصمة طهران، خلال الأيام الأخيرة، مؤتمرًا بعنوان “التجارة مع أفريقيا”، واعتبر رئيس منظمة تطوير التجارة الإيرانية، محمد رضا مودودي، أن حصة إيران من التجارة مع أفريقيا “ضئيلة جدًا”.

وقال مودودي: إن إجمالي قيمة تجارة دول القارة الأفريقية يبلغ نحو 500 مليار دولار، في حين تتراوح حصة إيران بين 500 إلى 600 مليون دولار، أي ما يعادل واحدًا في الألف من حجم التجارة في هذه القارة.

وأضاف أن المشكلات المصرفية وقضايا البنية التحتية والنقل في إيران، إلى جانب القيود الناجمة عن العقوبات المفروضة، جميعها من المشاكل التي تسببت في “عدم استفادة إيران من الطاقات والإمكانيات الأفريقية”، معربًا عن أمله في أن يتم “فتح طرق التجارة مع القارة الأفريقية”.

وتعتزم الحكومة الإيرانية إرسال “مستشارين تجاريين” للدول الأفريقية لتوسيع العلاقات التجارية والاقتصادية.

وأوضح مودودي، أن إمكانيات دول شرق أفريقيا، مثل: كينيا والسودان ونيجيريا والجزائر، تحظى بأهمية بالغة لإيران، وأن طهران وعلى الرغم من قطع علاقاتها السياسية مع مصر، تفكر في سوق هذا البلد، كما أنها بدأت في تنفيذ خططها وبرامجها للدخول إلى الجزائر ونيجيريا.

صعوبات دخول القارة الأفريقية

تجدر الإشارة إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تسعى منذ أكثر من عقدين لدخول القارة الأفريقية وتريد أن تحصل على حصة أكبر من “الاقتصادات المتنامية” في هذه القارة.

وفي هذا الصدد، تأسس مركز الاستثمار الإيراني–الأفريقي عام 2016 بهدف “استكشاف الطاقات وآليات الاستثمار “في الدول الأفريقية، ولكن المركز- بالإضافة إلى مجلس التعاون الاقتصادي الإيراني-الأفريقي الذي بدأ أعماله في عام 2000- لم يتمكنا حتى الآن من تسهيل طريق إيران لدخول القارة الأفريقية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من نشاط مركز الاستثمار، ومجلس التعاون، المذكورين- كما قال مودودي- لكن إيران ليست عضوة في كثير من الاتفاقيات الاقتصادية الإقليمية والقارية مع أفريقيا، مما أدى إلى أن تدفع طهران رسومًا جمركية أكثر لكي تستطيع التصدير إلى البلدان الأفريقية.

ويأمل رئيس منظمة تطوير التجارة الإيرانية في حل هذه القضية في المستقبل، ولكن حتى لو افترضنا أن هذه المشكلة تمت تسويتها، فإن إيران تواجه كثيرًا من المشاكل الأخرى للوصول إلى السوق الأفريقية، ومنها:

أولا: المنافسون الاقتصاديون الذين يشرفون على السوق الأفريقية، ومن بينهم الصين التي تمتلك وحدها أكثر من ربع حجم المبادلات التجارية والاقتصادية في هذه القارة، بينما أعلن الرئيس الصيني خلال الاجتماع الأخير لجمعية التجارة الصينية الأفريقية، والذي انعقد في سبتمبر (أيلول) 2018، أعلن أن بلاده تستثمر 60 مليار دولار في المشاريع الحقيقية والدائمة والمستدامة في القارة الأفريقية.

وإلى جانب الصين، رفعت السعودية والإمارات، بوصفهما منافستين إقليميتين لإيران، حجم استثماراتهما في البلدان التي استهدفتها طهران على مدار السنوات الماضية للاستثمار فيها، حيث أعلن وزير الطاقة السعودي، خلال العام الماضي، عن استثمار الرياض ما قيمته 10 مليارات دولار في القارة الأفريقية. كما استأنفت الإمارات بشكل خاص استثمارها في أفريقيا منذ عام 2016.

وفي جانب آخر، قال رئيس قسم شرق أفريقيا في وزارة الخارجية الإيرانية، ملك حسين كيوزاد، إن هدف السعودية والإمارات من زيادة الاستثمارات في الدول الأفريقية هو “طرد إيران من هذه القارة”، على حد تعبيره.

وتابع هذا المسؤول الإيراني قوله، دون ذكر تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، أن الحكومة الإيرانية تعتزم إعطاء حوافز خاصة للاستثمار المتبادل بين إيران وأفريقيا، وهي الحوافز التي من شأنها أن “تساعد في دخول إيران إلى البلدان الأفريقية”، على حد تعبيره.

يشار إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لها استثمارات محدودة في بعض الدول الأفريقية، لكنها في المقابل سهلت الطريق أمام شركات من كينيا وجنوب أفريقيا وتنزانيا للاستثمار في إيران، ولكن مع ذلك فإن حجم استثمارات الجانبين “ضئيلة” مقارنة بالمنافسين الإقليميين مثل الإمارات والسعودية.

ربما يعجبك أيضا