مالكوم إكس.. داعية التعايش بين البشر

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

مالكوم إكس، داعية مسلم حقوقي نافح عن الحريات والقيم الإنسانية، وهو أمريكي من أصول أفريقية، كرس حياته للنضال نصرة العدل وتحقيق المساواة بين البشر، مرت حياته بتطورات كبيرة وتحولات جذرية، ولكن جاء اعتناقه للإسلام ليمثل نقطة التحول ليس فيط في حياته ، بل في حياة الملايين حول العالم الذين تأثروا به، في أمريكا الشمالية، أفريقيا وأوروبا والكاريبي، بل وحتى في آسيا أمريكا الجنوبية.

خلد التاريخ ذكره كأحد كبار المصلحين في العالم الذين وقفوا أمام العنصرية والعبودية.

النشأة

ولد مالكوم إكس (اسمه الأول مالكوم ليتل) عام 1925 بولاية نبراسكا الأمريكية بين ثمانية إخوة من أب قس في أسرة تعتز بجذورها وانتمائها الأفريقي، وفي سنة 1931 وُجد والده مقتولا على سكة القطار بمدينة “لانسنغ” بولاية ميتشغان، ووجهت عائلته أصابع الاتهام إلى مجموعة عنصرية متطرفة يمينية ومع هذا صدر التقرير الطبي أن والده قد انتحر ، وقد عملت أمة خادمة في منازل البيض، ولأنهم كان يعلمون تاريخ زوجها فقد ضيقوا عليها، ثم قامت الحكومة بوقف الإعانات المالية عنها، ثم دخلت أمه مصحة للأمراض العقلية سنة 1939 بسبب معاناتها من فقدان زوجها وعنصرية البيض، فتفرق الأبناء الـ7 في مراكز الرعاية الاجتماعية، وفرقتهم الحكومة الأمريكية عن بعضهم البعض.

الدراسة وبداية التحول

أراد دراسة القانون، ولكنه ترك دراسته الثانوية بسبب مدرسه الأبيض الذي قال له إن “دراسة القانون هدف غير واقعي بالنسبة لزنجي”، تركها وهو حانق على الجنس البيض، وانغمس في الحياة الغربية في طابعها الانحلالي، حيث أدمن على لعب القمار وترويج المخدرات والتسكع، فدخل سجن الأحداث سنة 1946 بتهمة السرقة والسطو المسلح.

ولكن يشاء الله أن يكون السجن لمالكوم إكس منحة وليس محنة، فقد تأثر بتأثير من سجين أسود يدعى جون بيمبري وبعدها بدأ رحلة التثقيف الذاتي مستفيدا من مكتبة السجن، ، وانكب على مطالعة الكتب الأدبية والقانونية والتاريخية، وقد أدمن القراءة ووصلت عدد الساعات التي يقرأ فيها إلى 15 ساعة في اليوم.

خرافات منظمة أمة الإسلام

وقد أكمل تعليمه في السجن، وقد تعرف على أدبيات منظمة “أمة الإسلام” إثر مراسلات مع إخوته خارج السجن الذين قالوا له إتهم اعتنقوا دينا للسود قادر على تخليصهم من العنصرية والعبودية التي يعانون منها، فاجتذبته تعاليم إليجا  محمد وأطروحاته في نقد تهميش مجتمع البيض لمجموعة السود وعدم تمكينهم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ولكنها تختلف في كثير من معتقداتها عن الإسلام، فمثلا يعتبرون أن هناك إلهين إله أسود للخير وإله أبيض للشر، والصلاة عندهم كانت على الكراسي ومرتين في اليوم فقط، والزكاة تدفع لنبيهم إليجا  محمد، ومن لا يستطيع الحج إلى مكة، فيمكنه الذهاب إلى قصر إليجا  محمد في شيكاجو، والصوم في الكريسماس وليس في رمضان !!.

خروجه من السجن

بعدما تغيرت حياته تماما، فخرج من السجن سنة 1952 عن طريق العفو العام، وقد أصبح عضوا فعلا في المنظمة واتخذ لقب “إكس” علما لعائلته بدلا من لقب “ليتل” الذي اعتبره اسما عبوديا، وفي سنة 1953 عين متحدثا رسميا باسم المنظمة، وقد استطاع -بما امتلك من جاذبية وحماس وقدرة على التأثير- اجتذاب آلاف السود الأميركيين إلى “أمة الإسلام”، فتضاعف أعضاؤها عشرات المرات في زمن قياسي، وبلغ عددهم ثلاثين ألفا في سنة 1963 بعد أن كانوا نحو خمسمائة عضو في سنة 1952.

وبفعل نجاحه في استقطاب الأنصار ومستوى الإثارة في طرحه وأفكاره ظهر في أشهر البرامج الإعلامية وشارك في ندوات ومناظرات في أعرق الجامعات الأميركية وصنفته صحيفة “نيويورك تايمز” ثاني أكثر خطيب يحظى بمتابعة الأميركيين في الولايات المتحدة.

وفي يونيو/حزيران عام 1963 قاد إكس مسيرة “رالي الحرية” في منطقة هارلم بنيويورك، واعتبرت المسيرة من أضخم فعاليات حركة الحقوق المدنية بأمريكا.

فاقت شهرته شهرة معلمه ومرشده الروحي إليجا محمد فبدأت الخلافات بينهما، وتعمقت  عندما أوقفه عن التحدث باسم “أمة الإسلام” لمدة تسعين يوما حين علق على اغتيال الرئيس جون كنيدي بالقول “إنه (كنيدي) لم يدرك أبدا أن الدجاجات سوف تعود إلى المنزل لتُشوى”.

وفي فبراير/شباط 1964 أقنع بطل العالم في الملاكمة كاسيوس كلاي بالانضمام إلى أمة الإسلام فأعلن إسلامه وبدل اسمه إلى محمد علي.

اعتناقه الإسلام

ترك مالكوم أكس جماعة “أمة الإسلام” في فبراير/شباط 1964 وذهب لأداء فريضة الحج  فعاد بمنهج جديد لمتابعة النضال في حركة الحقوق المدنية، وبرؤية للإسلام تختلف عن رؤى مرشده السابق.

وبدأ مالكوم في طور جديد من حياته عندما قرأ كتاباً في تعاليم الإسلام وعن فريضة الحج فرغب في تأديته، فقدر له أن يقوم به سنة 1379 هـ الموافق عام 1964 ، فقد أدرك مالكوم أن الإسلام هو الذي أعطاه الأجنحة التي حلق بها فقرر أن يطير لأداء الحج كجزء من هذا الإسلام، وزار العالم الإسلامي ورأى أن الطائرة التي أقلعت به من القاهرة للحج بها ألوان مختلفة من الحجيج فالإسلام ليس دين الرجل الأسود فقط بل هو دين كل البشرية، قضى بمكة اثنى عشر يوماً هاله ما رآه فيها من مسلمين بيض وسود كلهم على قلب رجل واحد وبينهم كل أحاسيس المساواة والمحبة وهذا الذي ما لم يخطر بباله بأن يرى الأبيض والأسود بلباس الحج الموحد يهيم كل منهم على قضاء الفريضة ولم يكن بينهم أي تمييز. فرأى الإسلام الصحيح عن كثب وتعرف على حقيقته وأدرك ضلال المذهب العنصري الذي كان يعتنقه ويدعو إليه، كما تعلم هناك الصلاة الصحيحة التي كان يجهلها تمامًا. تأثر مالكوم تأثراً شديداً بمشهد الكعبة وأصوات التلبية، وبساطة وإخاء المسلمين ويقول في ذلك:

“في حياتي لم أشهد أصدق من هذا الإخاء بين أناس من جميع الألوان والأجناس، إن أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام لأنه الدين الوحيد الذي يملك حل مشكلة العنصرية فيها”.

ورأى الحجيج بعضهم شديدي البياض زرق العيون، لكنهم مسلمون ورأى أن الناس متساوون أمام الله بعيداً عن سرطان العنصرية.
فقد أثرت فيه رؤيته للمسلمين جنبا إلى جنب، يصلون في صفوف متراصة، ويأكلون من أطباق واحدة، ويتحدثون في مجالس موحّدة، لا تمييز فيها بين الألوان والأعراق.

أضاف إلى اسمه الأول لقب “الحاج مالك شباز” وبدأت دعوته تخرج من دائرة السود الأميركيين لتتوجه إلى مختلف أعراق ومكونات المجتمع الأميركي وأسس منظمة “المسجد الإسلامي” لمتابعة نشاطه الحقوقي.

واصل دعوته ونضاله فأسس “منظمات الوحدة الأفرو أميركية” في محاولة لربط نضال السود الأميركيين بنضال الأمم الأفريقية التي كانت تناضل من أجل التحرر الوطني.

زيارته الخارجية

وقد التقى مالكوم الملك فيصل بن عبد العزيز بعد انتهائه من الحج، غادر مالكوم جدة في إبريل 1964 والتقى بأحمد بن بلة في الجزائر وجمال عبد الناصر وكثير من رؤوساء الدول الأفريقية وفي زيارته قابل العديد من العلماء بالسعودية ودخل مصر والسودان والحجاز وتهامة والتقى مع علمائها وقابل شيخ الأزهر ومفتي مصر حسنين مخلوف، وكانت الزيارة بمثابة حياة جديدة وبحث جديد له، فأعلن إسلامه من جديد وعاد لأمريكا ليبدأ مرحلة جديدة وخطيرة من حياته.

ولم تعجب هذه الأفعال زعيم أمة الإسلام إليجا محمد فهدد مالك شباز وأمره أن يكف عن دعوته الحقة وشن عليه حملة إعلامية شديدة لصد الناس عنه ولم تكن هذه الأمور والتهديدات تزيد مالكوم إلا إصرارًا ومواصلة للدعوة بين الناس وفي 14 فبراير بعد صدور أوامر من أمة الإسلام بقتله أضرموا النار في بيته لكنه نجى، وأخذت الصحف الأمريكية في شن حرب ضده ووصفه بأنه يريد أن يدمر أمريكا ويثير ثورة بين السود، والعجيب أن مالكوم عندما كان يدعو لدعوة أمة الإسلام ذات الطابع العنصري مجدته الصحف وفتح التلفاز له أبوابه، وعندما بدأ يدعو للدين الحق والسنة الصحيحة هاجموه وحاربوه.

الوفاة

اغتيل مالكوم إكس في 21 فبراير/شباط 1965 من قبل ثلاثة مسلحين من منظمة “أمة الإسلام” أطلقوا عليه النار في منطقة هارلم بنيويورك، ودفن بمقبرة “فيرنكليف” في منطقة هارتسدايل بنيويورك.
وأخير تم اختيار يوم مخصص لمالكوم إكس كيوم عطلة رسمي في ذكرى ميلاده في كل من ولاية كالفورنيا وفي ولاية جورجيا وفي العاصمة واشنطن، تخليداً وتكريماً لمسيرته.

بعد الاغتيال

كانت وفاة إكس نقطة تحول في سير حركة أمة الإسلام حيث تركها الكثيرون والتحقوا بجماعة أهل السنة وعرفوا دينهم الحق، وتغيرت كثير من أفكار الجماعة خاصة بعد رحيل إليجا محمد وتولية ابنه والاس محمد الذي تسمى بوارث الدين محمد فصحح أفكار الجماعة وغير اسمها إلى البلاليين نسبة إلى الصحابي بلال بن رباح، وجعل المسلمين السود الأمريكيين أقرب ما يكونوا إلى تيار الإسلام الوسطي وكان كل ذلك صدى لأفكار ودعوة الداعية مالكوم إكس الذي خر صريعًا للدعوة إلى دين الله. وبعد شهر واحد من اغتيال مالكوم إكس أقر الرئيس الأمريكي جونسون مرسوماً قانونياً ينص على حقوق التصويت للسود وأنهى الاستخدام الرسمي لكلمة نجرو – كلمة إنجليزية تعني الزنجي وتعتبر إهانة في الغالب – التي كانت تطلق على السود في أمريكا.

من أقوال مالكوم إكس:

ثمن الحرية هو الموت. 

أو تدري لماذا يكرهك الرجل الأبيض ؟ لأنه في كل مرة يرى فيها وجهك يرى مرآة فيها جريمته وضميره الذي يعذبه الذنب فلا يتحمل ذلك.
لا يمكنك فصل السلام عن الحرية، لأنه لا يمكن للمرء أن يعيش في سلام من غير حريته.

إنني لا أرى أي حلم أمريكي بل كابوس أمريكي. 

أؤمن بالبشر، وأن كل البشر يجب أن يُعاملوا باحترام بغض النظر عن لونهم.

لا يستطيع أي أحد أن يهب لك الحرية، ولا يستطيع أي أحد أن يمنحك العدل أو المساواة أو أي شيء، إن كنت رجلاً ستناله بنفسك.
لا رأسمالية من دون عنصرية.

نريد الحرية والعدل والمساواة بأي طريقة كانت.

أنا مع الحقيقة مهما كان من يقولها، وأنا مع العدل مهما كان من معه أو من ضده.

التاريخ ذاكرة الناس، وبدون ذاكرة تنزل مرتبة الإنسان إلى الحيوانات الدنيا.

أرني رأسماليًا وسأريك مصاص دماء.

إن لم يكن هناك من ينتقدونك فالأغلب أنك لن تنجح.

لا أسمي العنف عنفًا عندما يكون دفاعًا عن النفس، بل أسميه ذكاءً.

التاريخ ذاكرة الناس، وبدون ذاكرة تنزل مرتبة الإنسان إلى الحيوانات الدنيا.

عادة عندما يشعر الناس بالحزن لا يفعلون شيءًا أكثر من البكاء على حالهم، أما عندما يغضبون فإنهم يحدثون تغييرًا.

لقد تعلمت باكرًا أن الحق لا يُعْطى لمن يَسْكت عنه، وأن على المرء أن يُحْدِث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد.

لو اضطررت للتوسل إلى رجل آخر من أجل حريتك فلن تنالها أبدًا، فالحرية شيء يجب أن تناله بنفسك.

على الوطنية أن لا تعمي أعيننا عن رؤية الحقيقة، فالخطأ خطأ بغض النظر عن من صنعه أو فعله.

كن مسالماً ومهذباً أطع القانون واحترم الجميع وإذا ما قام أحدٌ بلمسك أرسله إلى المقبرة.

لا أحد يمكن أن يعطيك الحرية ولا أحد يمكن أن يعطيك المساواة والعدل، إذا كنت رجلاً فقم بتحقيق ذلك لنفسك.
المستقبل لهؤلاء الذين يُعِدون له الحاضر.

 
https://www.youtube.com/watch?v=QLIJGs1gI1w
https://www.youtube.com/watch?v=9_eQcHcLs4s

ربما يعجبك أيضا