محاصرا بين بروكسل وأيرلندا.. جونسون في ورطة بعد فوز بايدن

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

بات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مضغوطا، لحماية مستقبل العلاقات التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد “البريكست”، لا سيما مع اقتراب موعد نهاية الفترة الانتقالية في 31 ديسمبر المقبل، وخسارة صديقه المقرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرصة الولاية الثانية، ما بدد الآمال في الوصول إلى اتفاق تجارة موسع مع واشنطن كان من الممكن أن يشكل طوقا للنجاة في حالة الخروج من الاتحاد بدون صفقة تجارية.

مطلع الأسبوع الجاري اعترف الاتحاد الأوروبي وكذلك الحكومة البريطانية بوجود خلافات كبيرة بينهما تعرقل الوصول إلى اتفاق تجاري مرضي للطرفين، لكنهما تعهدا بتكثيف الجهود خلال الأسبوع المقبل، للخروج بصفقة ما.

وأوضح متحدث باسم مكتب جونسون، أن المحادثات مع بروكسل التي جرت هذا الأسبوع أحرزت بعض التقدم، لكن ما تزال هناك خلافات في عدد من المجالات، تحديدا ما يتعلق بضمان تكافؤ الفرص ومصائد الأسماك.

الاتفاق التجاري على حافة الانهيار

خلال الشهر الماضي، طالبت الحكومة البريطانية “صراحة” الشركات بالاستعداد لـ”بريكست” بدون صفقة تجارية، وبالتركيز على الأول من يناير المقبل كموعد نهائي للخروج وبدء سريان قواعد جديدة للتجارة مع دول الاتحاد، وذلك بعد أن فشلت القمة الأوروبية التي عقدت خلال الأسبوع الثاني من أكتوبر في التوصل إلى صفقة. 

ويدور الخلاف بين لندن وبروكسل حول قواعد المنافسة التجارية العادلة وكيف ستتم مراقبة هذه القواعد فيما بعد البريكست، وأحقية وصول أساطيل الصيد الأوروبية بسلاسة إلى مياه المملكة المتحدة، إذ تريد بريطانيا إعادة تأكيد سيادتها على مياهها وألا يكون هناك إشراف قانوني من الاتحاد، وتريد اتفاقا تجاريا من النوع الموقع بين الاتحاد وكندا، فيما ترى بروكسل أن لندن وضعها مختلف تماما عن كندا، باعتبارها عضو سابق قرر الانفصال برغبته.

وحذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية منتصف أكتوبر، من أن بريكست بدون صفقة تجارية، سيكون له تأثير سلبي كبير على الاقتصاد البريطاني، حيث ستتعرض القطاعات المعتمدة على التصدير لأكبر ضرر، فعدم صفقة يعني المزيد من الأعباء المالية للشركات البريطانية في علاقاتها مع دول الاتحاد، بمعنى آخر لن تتمتع بامتيازات السوق الأوروبية الموحدة كما كان في السابق وستتعامل وفق قواعد التجارة العالمية.

ويبدو أن حكومة جونسون على وشك أزمة كبرى مع حلول موعد الانفصال النهائي بنهاية ديسمبر، فحتى خطواتها غير المدروسة لتوفير غطاء آمن للانفصال بدون صفقة، باءت بالفشل، وكان أخرها محاولتها الأسبوع الماضي، لتمرير مشروع قانون للسوق الداخلية بهدف حماية التجارة بعد البريكست، هذه المحاولة انتهت بهزيمة ثقيلة للحكومة في مجلس اللوردات الذي صوت ضد القانون بأغلبية 433 صوتا.

قانون السوق الداخلية يشكل تهديدا صريحا للوضع التاريخي لأيرلندا الشمالية كجزء من المملكة المتحدة، إذ كان يهدف إلى إلغاء بعض بنود اتفاقية البريكست في أيرلندا الشمالية وإعطاء لندن سلطة واسعة لتعديل قواعد التصدير إليها، بصورة تخرق القانون الدولي باعتراف حكومة جونسون نفسها، هذا فضلا عن أنه يشكل تقويضا لسمعة بريطانيا دوليا.

وزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفيني  قال لـ”بي بي سي”: إن مشروع قانون السوق الداخلي يضر بالثقة مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على المستوى الدولي، مؤكدا أن إقراره من شأنه تفجير أي صفقة بريطانية محتملة مع الاتحاد.

ماذا يعني فوز بايدن لحكومة جونسون؟

يعتقد كوفيني  – بحسب تصريحات له الإثنين الماضي- أن فوز جو بايدن برئاسة أمريكا ورحيل دونالد ترامب عن السلطة، سيكون له تأثير على المحادثات التجارية بين لندن وبروكسل خلال الأسبوع المقبل، تحديدا بعد تدخل بايدن لدعم موقف أيرلندا.

في 16 سبتمبر الماضي، انتقد بايدن مشروع قانون السوق الداخلية، واعتبره تهديدا لاتفاقية “الجمعة العظيمة” التي وضعت الأساس للتعايش السلمي بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية “الإقليم ذاتي الحكم”، وقال عبر “تويتر”: أي شيء يهدد اتفاق السلام بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية من شأنه أن يهدد صفقة التجارة بين بريطانيا وواشنطن مستقبلا، مضيفا  أن هذه الصفقة كانت مشروطة بمنع أي عودة للحدود الصعبة في جزيرة أيرلندا.

نظرا للعلاقة الوثيقة بين ترامب وجونسون كان الأخير ينتظر ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية لرسم خطواته المقبلة، ففي حالة فوز صديقه ترامب سيكون من السهل إبرام اتفاق تجارة حرة مع واشنطن والتخلي عن الصفقة مع بروكسل والتي تؤثر على حركة تجارة سنوية تقدر بتريليون دولار، لكن للأسف تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

كريس كونز – وهو صديق مقرب لبايدن ووزير خارجية محتمل في إدارته-  قال لـ”بي بي سي” منذ يومين: إن بايدن سيرغب في إعادة هيكلة سياسة واشنطن عبر المحيط الأطلسي، والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي التي تضررت من نهج ترامب.

وأضاف، هناك تكهنات بأن زيارة بايدن الأولى إلى أوروبا ستكون إلى بروكسل وليس لندن أو برلين، لتكون إشارة واضحة إلى رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة في إصلاح مسار العلاقات مع أوروبا و”الناتو”، بالنسبة للعلاقات مع لندن، فسبق وأن أوضح بايدن خلال حملته أنه في حال اختارت حكومة جونسون الخروج بدون صفقة، ونفذت تهديداتها بتجاوز أجزاء من اتفاقية البريكست الموقعة فيما يتعلق ببروتوكول أيرلندا الشمالية، فلن يكون هناك صفقة تجارية معها.

ربّ ضارة نافعة

جونسون الآن سيكون من الصعب عليه إدارة ظهره للعلاقات مع أيرلندا أو للمحادثات التجارية مع بروكسل، فساكن البيت الأبيض الجديد لا يفضل “الشعبويين” أمثاله ولن يكون من السهل الوصول إلى اتفاق معه وفي نفس الوقت الانقلاب على أيرلندا الشمالية.

والأحد الماضي، قال رئيس الوزراء البريطاني: إن أقرب حليف لبلاده هو الولايات المتحدة، وإنه من السهل الوصول إلى تفاهمات تجارية بين البلدين رغم صلابة المفاوض الأمريكي “في إشارة إلى بايدن”.

يبدو أن بايدن سيكون مهتما بإعادة الزخم إلى العلاقات مع بروكسل، لكنه أيضا لن يكون مضطرا لتشديد اللهجة مع حكومة جونسون لأنها في النهاية ستتنازل للخروج بصفقة تجارية مع بروكسل تؤمن الوصول السهل لشركاتها لأسواق أوروبا مستقبلا، ووقتها سيكون سخيا معها لإبرام اتفاق تجارة حرة يشكل موطئ قدم للبضائع الأمريكية في أوروبا.  

قبل أيام قال جونسون: إن هناك العديد من النقاط المهمة جرى التوافق عليها مع بروكسل، في إشارة إلى احتمالات أن نرى الأسبوع المقبل انفراجة في المحادثات التجارية.

ربما يعجبك أيضا