مرة أخرى .. المحافظون مطالبون بتغيير النظام السياسي في إيران

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

هل تتجه إيران إلى نظام شبه رئاسي أم إلى نظام برلماني أم إلى نظام جديد؟ أسئلة عدة طرحها المراقبون بعد أن تقدم عدد من أعضاء في البرلمان الإيراني من  التيار المحافظ، أمس الإثنين، بمقترح إلى رئاسة البرلمان، بمناقشة تغيير نظام الحكم في البلاد من رئاسي إلى برلماني.

حيث قال عضو البرلمان الإيراني ورئيس لجنة صياغة القوانين النائب عزت الله يوسفيان ملا الذي تقدم بمقترح التغيير إن طرح خطة إمكانية تغيير النظام الحكومي يستند على بيان من المرشد الأعلى خامنئي، أطلقه قبل ستة أعوام في رحلته إلى محافظة كرمانشاه (غرب إيران)، مضيفا إن مجموعة من البرلمانيين يسعون إلى إرسال طلب إلى الزعيم الإيراني علي خامنئي وسوف يصدرون أمرا بإعادة النظر في الدستور لهذا الغرض.

وقال خامنئي خلال زيارة قديمة إلى محافظة كرمنشاه في الوضع الحالي، النظام السياسي في البلاد هو الرئاسي ويتم انتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب، ولكن إذا شعرت في المستقبل أن النظام البرلماني أفضل لاختيار السلطة التنفيذية، فليس هناك مشكلة في تغيير الآلية الحالية.

وفي سياق متصل، أكد المتحدث باسم الشؤون البرلمانية، أصغر سليمي ضرورة النظر في هذه المشكلة من قبل مجلس لجان الداخلية ووزارة الداخلية وليس من قبل لجنة اللوائح.

وقال النائب سليمي إن هذه القضايا تتطلب عملا مجهدا، ولكن يبدو أن تنفيذ هذه الخطة واستبدال النظام الانتخابي البرلماني بدلا من النظام الرئاسي الحالي سابق لأوانه.

وبين النائب الإصلاحي إن مسألة تغيير النظام من الرئاسي إلى البرلماني، تم طرحها لأول مرة من قبل أعضاء في التيار المحافظ، عازياً إصرار المحافظين على التغيير أنه للحد من الخلافات بين الرئيس المنتخب والمرشد الأعلى.

لكن هذا يبدو سببًا غير مقنع، فالخلافات الحادة التي نشبت بين رئيس الجمهورية آنذاك (آية الله السيد علي الخامنئي) ورئيس الوزراء (مير حسين موسوي) على أسلوب إدارة الحكومة، ومن ثمّ الصراع بين الحکومة والبرلمان، أدّیا إلی إعادة النظر في الدستور في 1989م، وألغي منصب رئاسة الوزراء من الإدارة الإيرانية، وفوّضت وظائفه إلی رئيس الجمهورية.

لماذا الآن؟

 ليس التوقيت اعتباطيًا، فالفوز الذي حققه الإصلاحيون مع وصول الرئيس الإصلاحي حسن روحاني لرئاسة الحكومة والدولة لولاية ثانية، ومع تكرار الإصلاحيين عبارات من قبيل أنهم يعبرون عن أصوات الملايين من الشعب الإيراني ومن حقهم المطالبة بالتغيير. إلى جانب مخاوف المحافظين من التحولات الداخلية والإقليمية، كل هذا يدفعهم لإتخاذ خطوة تؤمن مصالحهم وسلطتهم خلال السنوات المقبلة؛ فاصرار المحافظين طوال كل السنوات منذ العام 2011 ، لم يكن أمرًا اعتباطيا يصب في مصلحة الشارع والديموقراطية في إيران، إنما الأمر يتعلق بكبح جموح رئيس الجمهورية الذي تمرد على المحافظين منذ حكومة أحمدي نجاد.

ولو تحولت إيران إلى نظام برلماني، وتم اختيار رئيس الحكومة من قبل أعضاء البرلمان، فمجلس صيانة الدستور المختص بمنح الصلاحيات للمرشحين في الإنتخابات، سيتشدد أكثر مع الإصلاحيين لصالح المحافظين. الأمر سيستمر في كونه هندسة سياسية تتحكم في كل شئ عبر عقد عنكبوتية.

ولهذا، يرى المراقبون أن تغيير النظام الرئاسي إلى برلماني لن يؤدي إلى تحول ديمقراطي، حيث إن صلاحيات رئيس الحكومة في إيران باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية دستوريا، تخضع للإشراف المباشر من قبل المرشد، حيث تنص المادة 57 من الدستور الإيراني على أن “السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وتمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأمة، وذلك وفقا للمواد اللاحقة في هذا الدستور، وتعمل هذه السلطات مستقلة عن بعضها بعضاً”.

هذا فضلا عن أن الأحزاب المشاركة في السلطة كلها مقيدة بأن تعمل وفق هذا الدستور الذي لا يسمح إلا بترخيص لأحزاب دينية لا تتعارض برامجها مع دستور وقوانين دولة ولاية الفقيه، وبالتالي يؤكد مراقبون أن النظام البرلماني لن ينجح من دون مشارکة أحزاب سياسية حقيقية في السلطة.

ليست المرة الأولى

ليست هذه هي المرة الأولى التي يثير البرلمان فيها مسألة التحول إلى النظام البرلماني في إيران، ففي يوليو 2014م، تداول مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) إمكانية إعادة العمل بالنظام البرلماني، وانتخاب رئيس وزراء، وإلغاء الانتخابات الرئاسية.

وكان هذا المشروع قد طرح أول مرة من قبل المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، خلال زيارة له لمدينة كرمنشاه غرب البلاد في نوفمبر 2011م، حيث قال إنه “إذا ما كان هناك شعور في المستقبل القريب أو البعيد بالحاجة لنظام برلماني بدل النظام الرئاسي، فلا مانع في ذلك”.

دوافع

يوضح الكاتب الإيراني محمد مظهري، في  تقرير سابق، الدوافع التي يقدمها أنصار تطبيق النظام البرلماني الجديد في إيران وأغلبيتهم من المحافظين، وأوضح عدّة أدلة تبرهن علی أفضلية النظام البرلماني وهي:-

ـــ إنّ عملية انتخاب رئيس الحكومة من جانب نواب المجلس ستؤدي إلی تجاوب ومسايرة أكثر بين السلطات التشريعية والتنفيذية في هيكلية النظام الإيراني الإسلامي، وإلی تسريع الأمور على نحو الأفضل.

ـــ عقلنة آلية انتخاب رئيس الحكومة عبر اقتراع غير مباشر من قبل خبراء الأمة للحيلولة دون تأثير العواطف والشعبوية واستغلال الحماسة السياسية.

ـــ تأمين القدرة الكافية للبرلمان علی استجواب الحكومة ورفع مستوی مسؤولية رئيس الحكومة مقابل البرلمان.

ـــ توفير القدرة للبرلمان علی إقالة رئيس الحكومة ووزرائه بطريقة هادئة وطبيعية، إذا ما انتهكوا السياسات الأساسية بعيداً عن التوترات والأزمات السياسية والاجتماعية التي نشاهدها في الأنظمة الرئاسية الأخری ودون الحاجة إلی إقامة انتخابات عامة جديدة بتكاليفها الباهظة.

ـــ إلغاء ازدواجية الحكم، بما أنّ رئيس الحكومة يمكن أن يغترّ بشعبيته ويعتبر نفسه مرشداً إيديولوجيًا  للنظام، إلی جانب القائد، بل ويطالب باستقلالية أکثر من القائد والسلطات الأخری.

ـــ إلغاء التكاليف الباهظة لعملية الاقتراع وانتخاب رئيس الجمهورية كل أربع سنوات.

إلغاء النظام البرلماني

 ألغت إيران العمل بالنظام البرلماني عام 1989م، عندما أنهت تكليف مير حسين موسوي، من منصب رئاسة الوزراء.

ومنذ عام 1989 بدأت الانتخابات الرئاسية عن طريق الاقتراع المباشر، وتحولت تلقائيا السلطات والصلاحيات التي كانت بيد رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية.

وتنص المادة 77 من الدستور الإيراني على أن “مضامين المواد المتعلقة بكون النظام إسلاميا،ً وقيام كل القوانين والمقررات على أساس الموازين الإسلامية والأسس الإيمانية، وأهداف جمهورية إيران الإسلامية، وكون الحكم جمهورياً، ‌وولاية الأمر،‌ وإمامة الأمة،‌ وكذلك إدارة أمور البلاد بالاعتماد على الآراء العامة‌ والدين والمذهب الرسمي لإيران،‌ هي من الأمور التي لا تقبل التغيير”.

النظام شبه الرئاسي

 هو نظام خليط بين النظام الرئاسي والبرلماني. يكون فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شريكان في تسيير شؤون الدولة، ويختلف توزيع هذه السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من بلد إلى آّخر، ويختلف هذا النظام عن النظام البرلماني في أن رئيس الجمهورية يتم اختياره من قبل الشعب، ويختلف عن النظام الرئاسي في أن رئيس الوزراء مسؤول أمام البرلمان ويستطيع البرلمان محاسبته وعزله.

النظام البرلماني

النظام البرلماني هو نظام حكم يُشكل فيه الوزراء في الفرع التنفيذي من البرلمان، ويكون مسؤولًا أمام هذه الهيئة، بحيث أن السلطتين التنفيذية والتشريعية متشابكة. في مثل هذا النظام، يكون رئيس الحكومة بطبيعة الحال الرئيس التنفيذي وكبير البرلمانيين على حد سواء.

تتميز النظم البرلمانية بفصل غير واضح بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مما يؤدي إلى مجموعة مختلفة من الضوابط والتوازنات بالمقارنة مع تلك التي وجدت في نظام رئاسي. وعادة ما يكون هناك تمييز واضح  في النظم البرلمانية بين رئيس الحكومة ورئيس الدولة، فيكون رئيس الحكومة هو رئيس الوزراء، ويكون وضع رئيس الدولة في كثير من الأحيان صوريًا، وقد يتم اختيار الرئيس عبر الانتخاب المباشر من الشعب، أو غير مباشر من قبل البرلمان.

لكن نظام ولاية الفقيه الذي يحكم إيران، وكذلك مساعي المحافظين للهيمنة لضمان مصالحم وقوة نفوذهم، سيطلب من المشرع الإيراني العمل على نموذج سياسي يتماشى مع هذه البيئة التي تحكم إيران.

ربما يعجبك أيضا