معاداة الأجانب وتصاعد اليمين المتطرف.. “الشعبوية” تحرج الحكومة الألمانية

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

تشهد شعارات وتعليقات اليمين الشعبوي قبولًا في الشارع الألماني، خاصة في الولايات الشرقية. وتزايدت هذه المخاوف مع صعود اليمين المتطرف، الحزب البديل من أجل ألمانيا في ألمانيا وفي الولايات الشرقية ليحصل ما يقارب 13% من المقاعد في البرلمان الألماني.

وبعد اغتيال متطرف يميني للسياسي الألماني والمسؤول المحلي في مدنية كاسل، فالتر لوبكه خلال شهر يوليو 2019 الذي كان معروفًا بآرائه المؤيدة للهجرة، تعرض حزب البديل لضغوط متزايدة، من قِبَل البرلمان الألماني، وكانت هناك مطالب بوضع الحزب تحت مراقبة الاستخبارات الألمانية. تنشط التيارات اليمينة المتطرفة في ألمانيا، منذ عقود وضحاياهم الأجانب في غالبيتهم كانوا غير معروفين، ما يسمون “الناس العاديين” ، كان من سوء حظهم التواجد في الوقت غير المناسب وفي المكان الخاطئ.

تراقب الاستخبارات الداخلية التنظيمات بكل أنواعها، وقال يوآخيم ألبرشت -الرئيس المؤقت للمكتب الإقليمي لهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في ولاية شليسفيغ-هولشتاين بشرق ألمانيا- “نظمنا أنفسنا على نحو يمكننا من التصرف بمرونة وفقاً للأوضاع المختلفة”. ومن المنتظر أن يضم الفريق 12 متخصصًا، على الأقل، وهو ما يشكل 10% من كافة العاملين في المكتب الإقليمي لهيئة حماية الدستور بولاية شليزفيغ-هولشتاين.

وقال ألبرشت: “ما نتمنى النجاح فيه هو تتبع الاتصالات داخل الطيف المتطرف، سواء كانوا جناة فرديين أو مجموعات نشطة في شليسفيغ-هولشتاين، وربما لها نشاط متجاوز للولاية”. وذكر ألبرشت أنه لن يكون هناك مواصفات معينة لمسار عمل فريق المتخصصين.

وفي هذا السياق، ناقش وزراء داخلية الولايات الألمانية في اجتماع استثنائي مع وزير الداخلية الاتحادي زيهوفر يوم 18 أكتوبر 2019 حزمة إجراءات تهدف إلى الكشف المبكر عن عنف اليمين المتطرف وحماية المؤسسات اليهودية في البلاد، بينها تشديد قانون حيازة السلاح. وازدادت المطالب بتشديد قانون حيازة السلاح في ألمانيا بعد الهجوم الإرهابي على كنيس يهودي بمدينة هاله شرقي ألمانيا خلال شهر اكتوبر الجاري 2019. وناقش البرلمان الألماني “بوندستاغ” في قراءة أولى الجمعة مشروع قانون بهذا الشأن تقدمت به الحكومة الألمانية.

تقارب بين الأديان

رفضت الجاليات المسلمة والجاليات اليهودية وديانات أخرى، هجمات اليمين المتطرف وأعمال العنف التي باتت تهدد الأمن المجتمعي والنظام السياسي، وبات تعبر عن مواقفها بشكل أقوى ومشترك، إنه تطور جديد في مجال تعاون أبناء الديانات وردة فعل على تنامي المد اليميني الشعبوي المعادي للمهاجرين في بلدان القارة. وقد شكّل الهجوم على كنيس يهودي في هاله بشرق ألمانيا صدمة للمسلمين في ألمانيا خلال شهر نوفمبر الجاري 2019، حيث أعلن المجلس المركزي لمسلمي ألمانيا تضامنه مع الجالية اليهودية ضد اليمين المتطرف، فيما يتحدث أعضاؤه عن تعاظم روح العداء ضد المسلمين أيضًا.

دعا رئيس مجمع الأساقفة الكاثوليك الألماني، كاردينال راينهارد ماركس، كل المسيحيين والمسلمين إلى الوقوف معا في وجه كل شكل من أشكال الكراهية والعنف على خلفية دينية.

وقال ماركس -في التاسع من أكتوبر 2019 في برلين- ” يجب على الجانبين أن يعملا من أجل مكافحة الكراهية والتمييز”، مشيرًا إلى قضية محورية تتعلق بمكافحة معاداة السامية. وطالب الرئيس الألماني فالتر شتاينماير المسيحيين والمسلمين في البلاد إلى إقامة مزيد من اللقاءات والحوار.

وقال شتاينماير: “إنه بدلا من النقاش الذي لا ينتهي حول عما إذا كان الإسلام جزءًا من ألمانيا أم لا، علينا نحن المسيحيين ربما أن نقوم بالحوار مع جيراننا المسلمين حول موضوع كيف يمكن للإسلام والمسيحية أن تنجح في إيجاد إجابات مقنعة لأسئلة الشباب”.

تزايد معاداة السامية والأجانب

أجرى معهد “إنفراتست ديماب” لقياس مؤشرات الرأي استطلاعا للفترة 14 الى 16 اكتوبر 2019 وشمل الاستطلاع وكشف استطلاع للرأي أن غالبية الألمان يرون تزايدا في معاداة السامية في بلادهم. وأظهر الاستطلاع، الذي نُشرت نتائجه، أن 59% من الألمان يرون ارتفاعا في معاداة السامية، بزيادة قدرها 19 نقطة مئوية مقارنة باستطلاع مماثل العام الماضي 2018.

وتفيد بحوث خبير العلوم الإسلامية، كاي حافظ بجامعة إرفورت، أن أكثر من 50 في المائة من الألمان يحملون ميولا معادية للمسلمين. وفي بعض المناطق في ألمانيا مثل تورينغن وساكسونيا ترتفع تلك النسبة إلى 70 في المائة وأكثر. والتحفظات وحسب وزارة الداخلية تم رصد 910 جنحة ذات خلفية معادية للمسلمين في عام 2018. وهذا تراجع خفيف مقارنة مع عام 2017 حيث تم تسجيل 1075 جنحة. في المقابل ارتفع عدد الهجمات ضد أشخاص؛ حيث أصيب في عام 2018 في هجمات معادية للمسلمين 40 شخصًا بجروح في الوقت الذي وصل عددهم في السنة التي سبقتها إلى 32 شخصا.

الخلاصة

إن المجتمع الألماني لم يكن وحده الذي يتعرض لتهديدات اليمين المتطرف في ألمانيا، بل النظام السياسي، وهذا بات واضحًا من استهداف اليمين المتطرف لبعض الشخصيات الألمانية السياسية، الداعمة لاستقبال المهاجرين والترحيب بالأجانب في ألمانيا.

الأخطر في الموضوع، أن اليمين المتطرف، يعمل بشكل سري ومنظم، ويقوم بالتخطيط لتنفيذ عمليات قتل واغتيالات، دون كشفها من قبل أجهزة الاستخبارات، وهذا يكشف أن أجهزة الاستخبارات الألمانية، ما زالت، غير قادرة على متابعة أنشطة اليمين المتطرف الشعبوي، أو تفكيك خلاياه، وتعتبر العملية الإرهابية ضد المعبد اليهودي في مدينة هالي ألمانية، نموذجًا.

يبقى السلاح، العنصر الرئيسي لليمين المتطرف، فهو يحث عناصره على ضرورة الحصول على السلاح وأكثر من قطعة من أجل تنفيذ عمليات قتل أكثر، وهذا أيضا يثير الكثير من التساؤلات حول قوانين ملكية الأسلحة وبيع وشراء الأسلحة، التي بات متوقعا أن تشهد مراجعة هي الأخرى.

الحكومة الألمانية، خاصة وزارة الداخلية، يبدو أنها تشهد مرحلة حرجة في مواجهة اليمين المتطرف على الأرض، إلى جانب صعود التيارات اليمينية السياسية.

القراءة في معطيات واقع العمليات الإرهابية وإمكانيات أجهزة الاستخبارات الألمانية في مواجهة اليمين المتطرف يبدو أنها ما زالت ضعيفة، وهذا يعني أن اليمين المتطرف في هذه المرحلة، بدأ ينشط على الأرض بتنفيذ عمليات إرهابية لفرض وجوده، إلى جانب النشاط السياسي والدعائي. يذكر أن عمليات اليمين المتطرف تعتمد التحفيز والاستنساخ، وهذا سبب بثها مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، وكأنها دعوة مباشرة لأنصارهم لتنفيذ عمليات على غرارها.

التوصيات

ما تحتاجه ألمانيا، هو تعزيز مواردها البشرية والمالية، في سبيل تمكنها في مواجهة اليمين المتطرف، وضرورة تأمين حماية دور العبادة في هذه المرحلة، لتخفيف الخسائر أو منع أي عمليات محتملة من قبل اليمين المتطرف. ويبدو من الضروري أن يخضع حزب البديل من أجل ألمانيا لرقابة أجهزة استخبارات الألمانية، وكذلك فرض إجراءات وقوانين أكثر تشددًا على بيع وشراء الأسلحة.

ربما يعجبك أيضا