مفترق الطرق الإسرائيلي .. بين الملك بيبي أو دوامة الانتخابات

محمد عبد الدايم
كتب- د محمد عبدالدايم
كانت النتيجة متوقعة هذه المرة، ظهرت أمارات الفشل منذ انتخابات إبريل الماضي، وللمرة الثانية في عام واحد يفشل بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة ائتلافية يستمر فيها كرئيس لوزراء إسرائيل حتى عام 2022 كما كان يخطط ويأمل.

في منتصف الأسبوع الماضي، قبل يومين من انتهاء مهلة الـ28 يومًا القانونية الممنوحة له، أعلن نتنياهو عن إعادة خطاب تكليفه بتشكيل الحكومة للرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريبلين، وهي المرة الأولى التي يقدم فيها نتنياهو على هذا الفعل، فبعد فشله في تشكيل حكومة بعد انتخابات إبريل الماضي عمل مع حزبه على سنّ قانون لحل الكنيست، والدعوة إلى انتخابات جديدة، بدلا من إعادة خطاب التكليف.

انقسام يميني بأسماء مستعارة

بعد حل الكنيست والدعوة لانتخابات سبتمبر ظهر أمام الجميع مفترق الطرق الذي وصلت إليه السياسة الإسرائيلية، حيث تمسك كل طرف بمصالحه الشخصية، ونتيجة لهذا انقسمت الكتل السياسية إلى يمين ويمين متشدد يتزعمه نتنياهو، ويمين يتزعمه بيني جانتس وتكتله كاحول لافان الذي يصر فريق نتنياهو على اعتباره من جناح اليسار، وبين هؤلاء ينفرد أفيجادور ليبرمان مع حزبه يسرائيل بيتينو الذي أصبح بمثابة العصا في العجلة؛ لأنه صاحب الفضل في إفشال نتنياهو مرتين في عام واحد بعد خلافه المعروف مع الأحزاب الحريدية المؤيدة لنتنياهو.

القائمة العربية بين الوجود والعدم

الكتلة العربية صاحبة المركز الثالث في عدد مقاعد الكنيست، وهي الكتلة المرفوضة من الجميع رغم ثقلها السياسي بـ13 مقعدًا، وجاءت نتيجتها الانتخابات فارقة، كما أن 10 من بين أعضائها الـ13 قدموا لريبلين خطابًا للتوصية بجانتس رئيسا للوزراء، نكاية في نتنياهو، ومحاولة في إسقاطه، وربما أوشكت على النجاح في إبعاد بيبي، لكنها تواجه حملة يمينية شعواء، باعتبارها كتلة عربية مناهضة لـ”إسرائيل اليهودية”.

لا مفر من “الوحدة”
لم يكن أمام الملك بيبي مفر سوى الدعوة لحكومة مشتركة مع كاحول لافان الذي صمم على عدم التناوب في حكومة يبدأ رئاستها متهم بالرشى والاحتيال وخيانة الأمانة، ولم يستطع هاليكود أن يتخلص من عبء الأحزاب اليمينية المتشددة المتشبثة بعباءته.
ضغط ليبرمان من أجل الوصول لحكومة “وحدة” بين هاليكود وكاحول لافان وحزبه يسرائيل بيتينو، رغم أن نتنياهو وجانتس كانا يستطيعان الوصول بكتلتيهما إلى حكومة دون الحاجة لمقاعد يسرائيل بيتينو، أو مقاعد الأحزاب اليمينية الصهيونية والحريدية، لكن الجميع آثر العناد.
لكاحول لافان وزعيمه حجة تبدو “منطقية” كشعار “أخلاقي”، فموافقتهم على حكومة بالتناوب مع هاليكود كانت مشروطة بإبعاد نتنياهو عن الصورة، كونه أصبح قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح متهمًا رسميًا بالفساد، وكانت رئاسة الحكومة طوق نجاة له من هذا الاتهام.
ليست فكرة التناوب جديدة على الحكومات الائتلافية في إسرائيل، ففي انتخابات الكنيست الحادي عشر عام 1984، استطاع حزب هامعراخ الحصول على 44 مقعدًا، فيم حصل هاليكود على 41 مقعدًا، وبعد مفاوضات تم الوصول إلى اتفاق تناوب كبير لتشكيل حكومة على فترتين، الألوى لمدة سنتين برئاسة شيمون بيريز من هامعراخ، والثانية لسنتين برئاسة يتسحاق شامير من هاليكود.

على مدى 26 يومًا تفاوض الطرفان هايكود وكاحول لافان، في محاولة للوصول إلى اتفاق شبيه بما حدث بين بيريز وشامير، لكن باءت كل المفاوضات بالفشل، ليعود خطاب التكليف إلى الرئيس ريبلين الذي بدوره سلمه إلى بيني جانتس باعتباره صاحب عدد المقاعد الأكبر في الكنيست.

تكليف جانتس بالفشل

بدأت الأيام الـ28 الممنوحة لجانتس، وأعلن كاحول لافان “انفتاحه” على الجميع، ومن بينهم هاليكود، لأجل تشكيل حكومة “وحدة”، لكن تبدو فرص جانتس في النجاح شبه معدومة، للأسباب ذاتها التي أفشلت نتنياهو، فحزب هاليكود يصر على التمسك بتابعيه من الأحزاب الصهيونية والحريدية، وهذه الأحزاب على خلاف كبير مع أفيجادور ليبرمان رئيس حزب يسرائيل بيتينو، الذي يصر على تمرير قانونه لتجنيد الحريديم، كما أنه يعتبر هذه الأحزاب عالة على السياسة الإسرائيلية، لدرجة أنه وصف أييلت شاقيد بـ”البهيمة” التي لا تعي شيئًا في السياسة، واعتبر أن وصفه لها جاء مخففًا، كما أن الأحزاب الحريدية ترفض -حتى الآن- مشاركة كاحول لافان في الحكومة، لأنها تسميه تكتله بـ”اليسار”، وتنطوي علاقتها على خلاف قائم مع يائير لابيد الاسم الثاني في كاحول لافان.

كذلك فإن استعانة بيني جانتس بالكتلة العربية في حكومته التي يسعى لتشكيها إنما يفتح أبواب الجحيم اليميني أمامه.وبالتأكيد ستلتصق به تهمة “اليسار”، خصوصًا إذا اضطر للتفاوض مع قائمة هاعفودا – جيسر (6 مقاعد) للدخول إلى ائتلافه.

إذًا؛ جانتس لا ينتظره غالبًا سوى الفشل، فمن الصعب أن يقبل هاليكود بالمشاركة في حكومة دون اسم نتنياهو، ومن الصعب أن يقبل الحزبان الحريديان شاس ويهدوت هاتوراه المشاركة مع كاحول لافان، في وجود يائير لابيد، وطبيعي أن يحاول جانتس استبعاد القائمة العربية من حساباته

النجاح مؤقت
باعتبار أن لـ جانتس فرصة للنجاح، ليصبح الجنرال العسكري رئيسًا للوزراء للمرة الأولى له؛ فإنه لن يكون سوى أداة في وضع مؤقت؛ لأن التجارب السابقة أثبتت أن الحكومات الائتلافية التي تجمع أطيافًا سياسية مختلفة أيديولوجيًا معرضة للحل في أسرع وقت، ومن هنا فإن جانتس يمكن ألا يستمر لأربعة سنوات.
فزاعة الأمن

يحارب بيبي حاليًا للهروب من الاتهامات الموجهة إليه، بادعاء أنها “محاولات” للنيل منه وإسقاطه، وبالتالي إفشال مساعيه لتشكيل حكومة على مدى عام كامل -في إبريل وسبتمبر- ومن هنا يضغط على النقطة المقربة إلى نفسه، فزاعة الأمن، حيث يصدر مع حزبه يوميًا فكرة التربص الإيراني بإسرائيل، ويروج لضرورة مواجهة طهران، سياسيًا واستخباراتيا وعسكريًا، كما أنه يرسم هالة حول شخصه باعتباره الأقدر على توصيل شعور الأمان للمواطن الإسرائيلي، الذي بدوره يبدو أنه لا يعبأ بأن رئيس حكومته فاسد ومرتش بقدر ما يقبل بأن يكون “مطمئنًا” في دولة مستقرة اقتصاديًا وأمنيًا، وهذه القابلية تتعارض أيضًا مع انتخابات ثالثة ترهق الميزانية الإسرائيلية، والمواطن الذي سيضطر للنزول مرة ثالثة في عام واحد لاختيار أحد هؤلاء الخصوم السياسيين الذين يفشلون في التوصل لاتفاق مشترك.
.

البحث عن وريث
إذا لم يستقل نتنياهو ويوافق هاليكود على المشاركة في حكومة بدونه فحتى الآن إسرائيل تتجه لانتخابات ثالثة، ربما يتزحزح طرف عن موقعه قليلا، صعودًا أو هبوطًا، لكن الإشكالية أن السياسة الإسرائيلية أفرزت واقعًا انتخابيًا قائمًا على شخصنة المنصب، وتبعية الحزب للفرد، بدلا من تبعية الفرد للحزب، وهذا ما يتجلى في صورة هاليكود تحت رئاسة نتنياهو، ويتجلى في الصورة الأشمل التي تبرز جنوح المجتمع الإسرائيلي نحو أقصى اليمين.

الواقع أن الجميع الآن يتحدثون عن خليفة نتنياهو، في هاليكود وفي الحكومة وفي أوساط الشارع الإسرائيلي، والواقع أيضًا أن نتنياهو وصل إلى صورة الملك المسيطر الذي لم يترك الفرصة لمن بعده كي يملك خبرة القيادة، وممارسة السيطرة، ويملك ناصية الأمور. 

ربما يعجبك أيضا