مناورات “القسام”.. طبول حرب أم تكتيك سياسي

محمود

محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – أصوات انفجارات، إطلاق للصواريخ صوب البحر، طائرات استطلاع تجوب أجواء غزة، مقاتلين ملثمين من الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب القسام) تأهبوا تحت شعار “الصمود والتحدي” بمناورات انتهت بالأمس، عقب انتهاء أخرى للاحتلال تحاكي حربًا على غزة أُطلق عليها اسم “حجر القوس”، قبل أيام.

مناورات “التحدي” كما أسمتها حماس حملت بحسب محللين “إسرائيليين” رسائل عدة مفادها بأنه جاهز للمواجهة مع إسرائيل، وهو ما رأت فيه دولة الاحتلال تطورًا جديدًا في تكتيكات القسام، تزامنا مع تحذيرات “إسرائيلية” أخرى وصلت حد اجتماع حكومة الاحتلال لبحث توتر الأوضاع على الحدود مع قطاع غزة والتي قد تنفجر في المسيرات التي يحشد لها في ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من الشهر الجاري.

وشدد المراقبون على أن سلطات الاحتلال بدأت تعمل على المستوى الأمني على الأرض من خلال تعزيز من جنودها وأدواتها القتالية غير التقليدية على الحدود من أجل قمع تلك التظاهرات السلمية، وفي الوقت ذاته تحاول الحفاظ على مستواها الإعلامي، بالتصريح أن المسيرة عمل “إرهابي” منظم من قبل فصائل في قطاع غزة وليس حراكاً جماهيرياً إنسانيا.

وتتأهب إسرائيل، سياسياً وأمنياً، لمواجهة تظاهرات فلسطينية على حدودها مع قطاع غزة وفي الضفة الغربية، في الذكرى السنوية الثانية والأربعين لـ “يوم الأرض” الجمعة المقبل، مع إعلان حركة “حماس” عن مسيرات جماهيرية “مليونية” إلى السياج الحدودي، ستتواصل أسبوعياً حتى منتصف أيار (مايو) المقبل في الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية.

لكن معلقون عسكريون اعتبروا أن نجاح أربعة فلسطينيين في اختراق السياج الأمني من القطاع إلى داخل إسرائيل ومحاولتهم إحراق أدوات هندسية في أحد مواقع إقامة السياج تحت الأرض ثم عودتهم إلى القطاع، “جرس إنذار” كونه ليس الحادث الأول من نوعه، “بل هو دليل إضافي على قدرة حماس رصد الثغرات في الجدار وبالتالي نقاط ضعف الجيش في تأمين الحدود”.

ولا تقتصر استعدادات الجيش على الحدود مع القطاع حيث ألغى عطلة عدد من الوحدات، إنما أيضاً الضفة الغربية والقدس المحتلتين، مع مخاوف من عمليات دهس أو طعن بالسكاكين في القدس، بمناسبة اقتراب عيد الفصح اليهودي، الجمعة المقبل. وعليه تقرر تعزيز قوات الجيش في الضفة الغربية والشرطة في القدس.

وأفادت مصادر عسكرية أن جيش الاحتلال سينشر قوات خاصة تضم قناصة، وأنه سيتم تزويد الجنود بوسائل مختلفة لتفريق المظاهرات والعمل على منع اقتحام السياج الحدودي.

وأقرّ الاحتلال رسميًا، مساء أمس الأحد، بأنّ وزير الشؤون المدنيّة في السلطة الفلسطينيّة، حسين الشيخ، أبلغ الجانب الإسرائيليّ بأنّ السلطة ستتوقّف عن صرف رواتب المُوظفين التابعين لها والبالغ عددهم ألآلاف، في قطاع غزة بالرواتب، مع بدء شهر نيسان (أبريل) القادم، أيْ بعد أقّل من أسبوعٍ.

وقالت مصادر سياسيّة في تل أبيب، للتلفزيون العبريّ، إنّه من الأفضل لدولة الاحتلال، أنْ تتحمّل قسطًا من هذه المسؤولية، وتقوم بدفع الرواتب بطريقةٍ أوْ بأخرى، لدرء التصعيد الأمنيّ على الحدود مع القطاع، والذي لا يُستبعد البتّة، على حدّ قولها، من التحوّل وبسرعة لمُواجهةٍ عسكريّةٍ داميةٍ بين الطرفين، وهو الأمر الذي لا ترغب إسرائيل في أنْ يحدث.

وذكرت القناة العاشرة في “التلفزيون العبريّ” أنّ هذه الخطوة، ستزيد ممّا أسمته بالوضع الإنسانيّ الصعب في قطاع غزّة، المُحاصر إسرائيليًا منذ 11 عامًا، ولفت التلفزيون في سياق تقريره أيضًا، إلى أنّ هذه الخطوة ستؤجج حالة الاحتقان في قطاع غزّة، الأمر الذي سينعكس سلبًا على الأوضاع الأمنيّة بين الدولة العبريّة وبين المُقاومة الفلسطينيّة، وفي مُقدّمتها حركة حماس، على حدّ تعبيره.

وأشارت المصادر السياسيّة والأمنيّة في تل أبيب إلى أنّ قرار السلطة يتزامن مع الدعوة التي أطلقتها حركة حماس إلى جموع المُواطنين بالمُشاركة يوم الجمعة القادم، الـ30 من مارس (آذار) في مسيرة العودة، وهو اليوم الذي يُحيي فيه الشعب العربيّ-الفلسطينيّ، الذكرى الـ42 ليوم الأرض الخالد.

إلى ذلك، رأى الجنرال احتياط غيورا آيلاند، أنّه توجد بالفعل حاجة إلى مبادرةٍ إسرائيليّةٍ في قطاع غزّة، إذْ أنّ الوضع ليس مستقرًا، ومن شأنه أنْ يتفجر في أقرب وقت ممكن، سواء من خلال الانفجار العسكريّ على نمط عملية الجرف الصامد، صيف العام 2014، أمْ في سيناريو أكثر تعقيدًا في مركزه تظاهرات للجماهير واقتحام الجدار نحو أراضي إسرائيل، على حدّ قوله.

جميع الأطراف في حالٍ من الاستنفار، في ظِل حال الإحباط التي تعيشها السُّلطة الفِلسطينيّة، ووصول مَشروعها التَّفاوضي “السِّلمي” إلى طَريقٍ مَسدود، والرئيس محمود عباس وصل إلى درجة من اليَأس غير مَسبوقة، باتت تَنعكِس في خِطابه الاخير، في وقت يدرك فيه أن البَحث الإسرائيلي والأمريكي جارٍ لإيجاد بديلٍ له، يَقبل بـ”صَفقة القرن”.

ومع الفشل الذي أعقب مناورات السام بالامس في الدفاعات الجوية للاحتلال حيث قامت منظومات القبّة الحديدية بإطلاق عدّة صواريخ اعتراضية، ثم اتّضح بعد ذلك أن خللاً ما حدث لرادارات هذه المنظومة، حيث تعرّضت للتضليل بفعل النشاط المدفعي والصاروخي لفصائل المقاومة في غزّة التي تنفّذ تدريبات ميدانية، والنتيجة هي إطلاق عدد من الصواريخ الاعتراضية تبلغ كلفة الواحد منها أكثر من 40 ألف دولار، وهو ما يعني خسائر كبيرة من دون تحقيق أية استفادة.

إلا أن صحيفة “معاريف” العبرية نقلت عن الجنرال المتقاعد في جيش الاحتلال الإسرائيلي “أوري ساغيه” قوله: إن “إسرائيل” بجميع مستوياتها السياسية والعسكرية والأمنية أصبحت تصب نظرها تجاه الأدخنة المتصاعدة من البركان الذي يغلي في قطاع غزة، باعتباره أكبر الجبهات قربا للانفجار في ظل الوضع الاقتصادي المتردي لسكان القطاع والفشل الذي منيت به جهود المصالحة الداخلية مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية”.

وأضاف “ساغيه” أن هذا الوضع القائم في غزة، سيحتم على “إسرائيل” التحاور مع حماس، في يوم من الأيام، رغم أن هذا الخيار يبدو مستهجنا لدى الإسرائيليين، لكن المنطق يحتم علينا أن نتعامل مع عنوان محدد تتفاهم معه أفضل من بقاء الوضع هكذا ضائعًا مع بعض التنظيمات الصغيرة، وحماس تعتبر شبه حكومة في قطاع غزة”.

وشدد ساغيه على أن “هذا الوضع في غزة سيسرع من انفجار غزة، في وجوهنا، فمليون وثمانمائة ألف نسمة، وهذه البقعة الجغرافية لن يكونوا على قدرة عالية من الصبر والتحمل، وانفجار غزة في وجوهنا يعني جرنا لمواجهة نكرهها مع حماس التي لم يعد لديها ما تخسره، وفي إسرائيل يدركون أن القوة العسكرية باتت ليس الحل الوحيد لإزالة تهديد حماس، فالأيديولوجية لا يمكن القضاء عليها بقوة السلاح، وعلى مدار ثلاثة حروب وجد الجيش الإسرائيلي صعوبات في التعامل مع حماس عسكريا”.

وختم بالقول: “كل هذه الوقائع تفرض على إسرائيل استراتيجية جديدة تحتم عليها التحاور مع حماس لتفادي شرها، فهي القوة المركزية في غزة، وغيابها سيصعب الوضع الأمني”.

ربما يعجبك أيضا