منحنى فيليبس “ينكسر”.. فشل علاقة “التضخم والبطالة” في أمريكا

حسام عيد – محلل اقتصادي

منحنى فيليبس، واحد من أهم مفاهيم الاقتصاد الكلي، ويبين كيف أن معدلات التضخم تتغير باختلاف معدل البطالة والعكس.

كما يعد نظرية اقتصادية شهيرة لطالما نالت شهرة واسعة، دفعت الاقتصاديين إلى الاستعانة بها في بناء دراساتهم، لكنها في الوقت الراهن تتجه إلى الزوال بوتيرة متسارعة لعدم مطابقتها للواقع.

لكن اليوم، أصبحت المعضلة الأساسية التي تواجه البنوك المركزية حول العالم هي غياب ما يعرف بـ”منحنى فيليبس” الذي يبرز العلاقة بين معدلات التضخم والبطالة، وهي العلاقة التي تقود السياسات النقدية حول العالم.

ويعد اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية الأقوى والأكبر عالميًا، النموذج الأكثر دلالة على فشل نظرية “منحنى فيليبس” في مطابقتها للواقع، فالعلاقة بين التضخم والبطالة اختفت، وهو أمر يعقد السياسة النقدية.

ما هو منحنى فيليبس؟

كانت إحدى المسائل التي تشكل أهمية بالغة على وجه الخصوص في الاقتصاد الكلي طوال الخمسين عامًا الماضية هي العلاقة بين البطالة والتضخم، فقد تحول التفكير الاقتصادي بصورة مثيرة بشأن تلك العلاقة وبطريقة كان لها تأثير جوهري على صناعة السياسة، أي على كل من فرض أسعار الفائدة وقرارات الحكومة بخصوص فرض الضرائب والإنفاق.

في نهاية الخمسينيات نشر الاقتصادي النيوزيلندي “إيه دبليو فيليبس”PHILLIPS  أو “ويليام فيليبس” كما عُرف في عالم الاقتصاد، دراسة بحثية إحصائية بعنوان “العلاقة بين البطالة ومعدل التغير في معدلات الأجور المالية في المملكة المتحدة في الفترة بين 1861 حتى 1957”.

وقد اكتشف أن التضخم ومعدل البطالة تربطهما علاقة عكسية، وهو ما أسماه بمنحنى فيليبس، والذي يرى أن النمو الاقتصادي يؤدي إلى التضخم والذي يؤدي بدوره إلى مزيد من الوظائف وانخفاض في معدل البطالة، أي إن تراجع البطالة يعني ارتفاع التضخم والعكس.

وبمعنى أدق، يشير المنحنى إلى أنه عند مستويات البطالة المنخفضة يضطر أصحاب الأعمال لدفع أجور أعلى لجذب العمالة، ما يعني ارتفاع الأسعار على نطاق واسع، حيث إن التضخم يكون عرضة بشكل خاص للارتفاع عندما يتراجع معدل البطالة أدنى “المعدل الطبيعي”، والذي يشير إلى أن كل من يريد وظيفة يعمل بالفعل أو يمكنه العثور عليها بسرعة.

فشل منحنى فيليبس الأمريكي

في الأعوام من 2000 – 2009 كانت العلاقة واضحة، حيث أن أي تراجع في معدلات البطالة يعني ارتفاع في معدلات التضخم.

ولكن في الأعوام التي جاءت بعد سنوات الأزمة المالية العالمية من 2010 – 2019 باتت هذه العلاقة غير موجودة، وبالتالي مهما تراجعت معدلات البطالة وارتفعت معدلات نمو الأجور لا تنعكس على معدلات تضخم أعلى وهذا يعقد السياسة النقدية بالنسبة للبنوك المركزية بشكل كبير لأنها تعتمد في تحديد سياساتها على هذه العلاقة.

الأزمة المالية العالمية كاشفة لـ”منحنى فيليبس”

من بعد سنوات الأزمة المالية العالمية اختفت العلاقة العكسية بين البطالة والتضخم، ففي أمريكا ارتفعت معدلات البطالة في 2010 إلى مستويات الـ9.6%، وعلى الرغم من ذلك بقيت معدلات التضخم عند 1.5% وهذا ما يعاكس ما تحدث عنه الاقتصادي ويليام فيليبس.

وفي عام 2014، كان هناك تراجع حاد في معدلات التضخم بسبب انهيار أسعار النفط، ولكن الغريب أن التضخم بدأ يهبط في نفس الوقت الذي كانت تتراجع فيه معدلات البطالة بوتيرة متسارعة إلى 0.7%، وهو ما يعني انكسار العلاقة العكسية.

حتى بمراقبة معدلات التضخم السنوية اليوم، ففي أمريكا تبلغ 1.7% ولاتزال بعيدة عن مستوى الفيدرالي المستهدف عند 2% على الرغم من كل الأدوات النقدية التي استخدمها والتي تعتبر غير تقليدية.

وفي أوروبا، يسجل التضخم معدلات دون 1%، وهي تعتبر بعيدة بشكل كبير عن مستهدف البنك المركزي الأوروبي، على الرغم من أن الفائدة سالبة في أوروبا، والتي من المفترض أن تدعم مسار التضخم.

وعلى الرغم من أن البطالة في أمريكا تلامس مستوياتها الأدنى في عقود عند 3.5 %، وكذلك هبوطها في منطقة اليورو إلى 7.4%، إلا أنها لا تدعم ارتفاع معدلات التضخم.

وبحسب آخر الدراسات، فكل 1% تراجع في معدلات البطالة، ينشأ عنه ارتفاع في معدلات التضخم بـ 0.1% أو 0.2% فقط، وهي مستويات متدنية ومحدودة بشكل كبير وغير كافية لعمل السياسة النقدية، والتي تعني تاريخيًا بأن تخفيض معدلات الفائدة من المفترض أن يعمل على رفع معدلات التضخم.

الواقع يرفض “فيليبس”

هناك نظريات عدة فسرت غياب العلاقة العسكية بين البطالة والتضخم والمعروفة اقتصاديًا بـ”منحنى فيليبس”.

واحدة من هذه النظريات تقول إن توقعات التضخم تقود منحنى فيليبس، بمعنى عندما تتوقع الشركات والأفراد بأنه سيكون هناك ارتفاع لمعدلات التضخم تبدأ الشركات باحتساب هذا الارتفاع على أسعار منتجاتها وأيضًا على معدلات الأجور التي تعطيها للعمال وبالتالي هذا ما يرفع معدلات التضخم، لكن المشكلة اليوم هي بأن هذه التوقعات وتحديدا منذ عام 2000 لم تعد تتأثر بالبيانات الاقتصادية فمهما كانت إيجابية، فلا ترفع معدلات التضخم.

ولكن هذه النظرية ربما تكون ناقصة نوعًا ما بما أنه ما يقود الاقتصاد ليس فقط التوقعات ولكن نظريات العرض والطلب، وهو ما يشير إلى النظرية الثانية، التي تقول بإنه تأثير ارتفاع الأجور على أسعار المنتجات حتى الآن محدود، بمعنى أن الشركات في أمريكا وأوروبا لا تقوم بعكس ارتفاع الأجور على أسعار المنتجات، ولكنها تنعكس فقط في ارتفاع التكاليف، وبالتالي لا يرتفع معدل التضخم.

وربحية الشركات اليوم متراجعة، ولكنها غير كافية حتى تبدأ الشركات بعكس جزء من تكاليفها على أسعار المنتجات وبالتالي تدفع معدلات التضخم صعودًا.

فمعدلات التضخم في عام 2020 في الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتم بناءً على تحولات حدثت بالفعل مثل مستويات الإنتاجية الأخيرة، أو من خلال عوامل أخرى بعيدة عن تحكم واضعي السياسة النقدية مثل أسعار النفط.

ربما يعجبك أيضا