“منصوراسورس”.. ديناصور مصري يحل لغز انقراض الديناصورات

أماني ربيع

رؤية

قبل نحو 100 مليون عام من الآن، كانت المنطقة المعروفة باسم الصحراء الغربية واحة خضراء، وفي ذلك العصرالمعروف جيولوجيا باسم العصر الطباشيري، انتشرت المستنقعات المكونة من المياه العذبة في طول صحراء مصر وعرضها، كانت الأشجار وارفة الخضرة، لتهب الحياة لمجموعات واسعة من الكائنات الحية من ضمنها الديناصورات.

كانت الديناصورات ترعى في الوديان التي تتخلل المستنقعات، امتد وجودها لنحو 165 مليون عاماً، ثم انقرض إلى غير رجعة بسبب ظروف مجهولة، وظل حلم الكشف عن سبب الانقراض مسيطرًا على خيال العلماء.

 ولتحقيق معادلة الوصول للحقيقة؛ يكشف لنا العلماء بين ليلة وأخرى عن هياكل الديناصورات، في محاولة لدراسة ظروف معيشتها، وبالتالي استنتاج لغز انقراضها.

 وتمكن مؤخرا فريق مصري-أمريكي مشترك من وضع قطعة جديدة في أحجية الكشف عن لغز الانقراض الكبير، الذي أصاب الديناصورات في نهاية العصر الطباشيري قبل نحو 65 مليون سنة، بعد أن تمكنوا من الكشف عن ديناصور جديد، أطلقوا عليه “منصوراصورس” تيمنًا بالجامعة التي ينتمي إليها الباحث الرئيسي، جامعة المنصورة.

وبحسب دراسة نُشرت اليوم “الإثنين” في مجلة “نيتشر” العلمية الشهيرة والتي تعد واحدة من أهم المجلات العلمية على مستوى العالم- تمكن الفريق من الكشف عن نوع جديد تماماً من الديناصورات، في نصر علمي فريد، سيضيف الكثير إلى سجل مصر الأحفوري.
 

حين يتعلق الأمر بالسنوات الأخيرة من حياة الديناصورات، فإن القارة الأفريقية تُعد صفحة فارغة، فالحفريات التي عُثر عليها في أفريقيا تنتمي للفترة الزمنية بين 100 إلى 90 مليون سنة فقط، وهي حفريات قليلة العدد، وتبعد عن زمن الانقراض بفترة كبيرة تتجاوز 25 مليون سنة، وهذا يعنى أن مسار تطور الديناصورات في أفريقيا ظل إلى حد كبير لغزًا، لكن اكتشاف الفريق البحثي من جامعة المنصورة، بالتعاون مع جامعة “أوهايو” ومؤسسة ليكي للعلوم والجمعية الوطنية الجغرافية والمؤسسة الأمريكية للعلوم، للديناصور الجديد، سيساعد على سد ثغرة من الثغرات ما قد يُساهم في حل لغز انقراض الديناصورات.

بدأت قصة الكشف عن الديناصورات في مصر قبل نحو 100 عام من الآن، بعد أن تمكن العالم الألماني أرنست سترومر عام 1912 من استخراج عظام ديناصور آكل لحوم من نوع “سبينوصور إيجيبتيكاس” في الصحراء الغربية، بعدها توالت اكتشافات الأجانب للديناصورات في الصحاري المصرية، حتى وصل عدد المكتشف منها إلى 5 هياكل، وبحسب الدكتور هشام سلام، الباحث الرئيسي في الدراسة، فإن 4 هياكل من الخمسة المكتشفة في مصر نقلوا إلى ألمانيا، ودمروا بالكامل خلال الحرب العالمية الثانية.

عُثر على الديناصور الجديد في الواحات الداخلة أثناء رحلة استكشافية قام بها باحثون تابعون لمركز علوم الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة، برئاسة الدكتور هشام سلام، الحاصل على درجته العلمية في مجال الحفريات الفقارية من جامعة أكسفورد، وبالتعاون مع فريق بحثي نسائي مُكون من الدكتورة إيمان الداودي؛ أول باحثة مصرية وعربية في مجال الديناصورات، والدكتورة سناء السيد والدكتورة سارة صابر، من جامعتي المنصورة وأسيوط.

ينتمي الديناصور المكتشف حديثًا إلى عائلة تُسمى “تيتانورسوريا” وهو نوع من الديناصورات النباتية طويلة العنق والتي كانت شائعة في جميع أنحاء العالم خلال العصر الطباشيري، تلك العائلة معروفة بكونها أكبر الحيوانات البرية التي عرفها العلم حتى الآن، إلا أن الديناصور المكتشف حديثُا يختلف عنها في العديد من الخصائص، إذ إن وزنه يعادل تقريبًا وزن فيلٍ أفريقي، وهيكله يختلف عن هيكل الديناصورات الاعتيادية التي تنتمي لتلك العائلة.

 

وفي عام 2008، بدأ الفريق العلمي في وضع خطة للبحث عن الديناصورات في الطبقات الرسوبية المصرية جنوب الصحراء الغربية، بعدها بخمسة أعوام، تمكن الفريق من اكتشاف “منصوراصورس” في الواحات الداخلة، فعلى بعد نحو 700 كيلومتر إلى الجنوب الغربي من القاهرة، وجد الفريق عظاماً لذلك الديناصور.

بعد أن حدد الفريق العلمي الطبقة محل البحث، وهي طبقة تنتمي للعصر الطباشيري المتأخر في فترة زمنية ما بين 70 إلى 80 مليون سنة، قاموا بتقسيم المناطق، وبدأ العمل، حتى تمكنوا من العثور على أول عظمة في طريق الواحات الداخلة في ديسمبر من العام 2013، عاد الفريق إلى جامعة المنصورة، وقام بجمع المعدات اللازمة، وفي فبراير من عام 2014، رجع الفريق للموقع، ونصبوا الخيام، وخلال 21 يومًا قضاها الفريق البحثي في الصحراء، استخرجوا مجموعة من العظام لنفس الديناصور.  

شملت قائمة القطع التي استخرجها الفريق عظمتين من العضد، وأصبعًا واحدًا من اليد، و3 أصابع من القدم، وجزء من الجمجمة، وجزء من الفك السفلي، وفقرات من الرقبة، وفقرات أخرى من الظهر والذيل، وعظام الكعبرة وبضعة أضلع. قام الفريق بجمع العظام في 19 “جاكت” وهي مجموعة من المحافظ المصنعة من الجبس والتي تهدف لحفظ العظام ونقلها بأمان.

بعد تصوير الموقع، والعظام، عاد الفريق إلى الجامعة واستعان بفريق علمي أجنبي لعمل المناقشات العلمية حول طبيعة الكشف ونوعه، لتأتى المفاجأة.

فالعظام التي عثر عليها الفريق تنتمي لنوع جديد تماماً من الديناصورات، فذلك الديناصور لا شبيه له، فبعد أن قام العلماء بإجراء مجموعة من المقارنات بين الديناصورات التي تم اكتشافها حول العالم في الفترة نفسها، لاحظ الفريق مجموعة من الاختلافات، فـ”منصوراسورس” يتميز بذقن طويل تم الاستدلال عليه بطول عظمة الفك، كما أن عدد أسنانه قليل جدًا مقارنة بالنوع الذي ينتمي إليه، فداخل الفك لا يوجد سوى 10 أسنان فقط.

لا تقتصر الاختلافات التي لاحظها الفريق العلمي على عدد الأسنان وعظمة الفك فحسب، بل امتد ليشمل عظمة الريديس؛ التي تحظى بنهاية عظمية أكبر من المعتاد، كما أن بها التواءً بزاوية 20 درجة، وهي زاوية مميزة لا توجد في الأنواع الأخرى.

وهكذا، عرف الفريق أن هذا الكشف سوف يُحدث صدى مميز في المجتمع العلمي، وبدأ الفريق في إجراء دراسات موسعة حول الديناصور المكتشف حديثًا، والبحث عن اسم له، ليستقر المطاف على تسميته بـ”منصوراسورس” تيمنًا بجامعة المنصورة التي قادت الكشف وتحملت الجزء الأكبر من تكلفة تمويل البعثة.

بالبحث والتقصي، وجد الفريق المصري الأمريكي المشترك ثمة رابط بين “منصوراصورس” وأحد الديناصورات الأوروبية، وهنا؛ كانت المفاجأة الثانية، فوجود رابط بين الديناصورين، يعنى وجود علاقة ما، واحتمالية وجود “جسر” بين القارة الأفريقية والأوربية، ربط بينهما في تلك العصور السحيقة.

فقبل ملايين السنوات، كانت أوروبا وآسيا في كتلة واحدة، تُسمي أوراسيا، في الوقت الذي كانت فيه قارة أفريقيا وأمريكا في قارة واحدة، يفصل بينها بحر يُسمي تيسس Tethyes وهو الأب الشرعي للبحر المعروف حاليًا باسم البحر الأبيض المتوسط، .وبحسب العلماء، لم يكن هناك ثمة رابط أرضى بين الكتلة الشمالية التي تضم آسيا وأوروبا والكتلة الجنوبية التي تُعد أفريقيا جزءًا منها، غير أن الديناصور الذي اكتشفه الفريق المصري قد يكشف وجود «جسرًا أرضيًا» بين أوروبا وأفريقيا، عبر من خلاله ذلك النوع من الديناصورات، لينقسم مسارهام التطوري، ليشكلانمشكلا نوعين شديدي الشبه ببعضهما البعض، الأول في أوروبا أم والثاني ففي أفريقيا.

 

“الجميل في الأمر وجود مشاركة نسائية متميزة في الاكتشاف”يقول الدكتور هشام سلام، الباحث الرئيسي في الدراسة، والذى يشير إلى أن دور الإناث في ذلك الاكتشاف كان كبيرًا بحق “فخور بوجودهن في الفريق، وهو الفريق الأول من نوعه في أفريقيا والعالم العربي، المتخصص على وجه التحديد في مجال الحفريات الفقاريةعلى وجه التحديد”.

لم يتم الاكتشاف دون متاعب، فقد واجه الفريق عددًا من الصعوبات من ضمنها التمويل، فالرحلات الاستكشافية تحتاج للكثير من الأموال ، كما أن هناك عائقًا كبيرًا يتمثل في جهل المجتمعات والسكان بعملية جمع الحفريات، كما أن سكان المنطقة في أحد الرحلات الاستكشافية السابقة كانوا يظنون أن الفريق البحثي يقوم بالتنقيب عن الآثار، وقاموا بتدمير مجموعة فريدة من العينات بعد رحيل الفريق.

وبحسب الدكتور “مات لامنا” المتخصص في الحفريات الفقارية من متحف كارنيجي للعلوم الطبيعية، فإن الكشف الجديد بمثابة “الكأس المقدسة” فذلك الديناصور ينتمي لفترة “حديثة نسبيًا” ولم يتم الكشف عن شبيه له في أفريقيا كلها، كما أن عظامه محفوظة بشكل جيد ما سيتيح دراسته بطريقة مفصلة.

ويشير الدكتور إيريك جورسكاك، عالم الحفريات  في بيان صحفي، إلى أن الاكتشاف الجديد “حاسم للعلم في مجال الحفريات الأفريقية عمومًا والمصرية خصوصًا” مؤكدًا أن أفريقيا لا تزال علامة استفهام عملاقة بالنسبة لتطور الديناصورات، ويرى إيريك أن الاكتشاف الجديد “سيساعدنا على معالجة الأسئلة طويلة الأمد المتعلقة بالسجل الأحفوري في أفريقيا� والإجابة على الألغاز التي تشمل نوعية الحيوانات التي كانت تعيش في تلك المنطقة، والأنواع المرتبطة ببعضها البعض، وقد تقود للإجابة على التساؤل الكبير.. لماذا انقرضت الديناصورات؟

ماذا بعد الاكتشاف؟ 

يجيب الدكتور هشام سلام، الباحث الرئيسي في الدراسة، قائلا إنه يتمنى مواصلة استكشاف الصحراء للكشف عن الديناصورات، والحصول على الدعم المناسب –معنويًا وماديًا- من الجهات المعنية، كما يتمنى الكشف عن ديناصور من نوع “سبينوصور” المصري، والذى عاش قبل نحو 90 مليون سنة في الصحراء الغربية وشمال أفريقيا.

يطمح هشام أن يكون فريقه نواة لفرق مصرية معنية بدراسة الحفريات الفقارية “في الخارج.. هناك نوع من السياحة قائمة على تلك الحفريات”.

ويقول: إنه يُعد الباحث المصري الثاني في تاريخ علوم الحفريات الفقارية بعد الراحل الدكتور شوقي مصطفى: “أتمنى أن توفد الجامعات باحثين للخارج لدراسة ذلك النوع من العلوم.. كما فعلت معي جامعة المنصورة حين ساعدتني في الحصول على الدكتوراة من جامعة أكسفورد البريطانية.”

إن الاكتشافات من ذلك النوع تمهد الطريق أمام معرفة ماضينا السحيق، الذي يعتقد أن الماضي جزءًا وثيق الصلة باللحظة الراهنة، ومعرفته قد تعنى التنبؤ بالمستقبل، فحين نعرف على سبيل المثال كيف اختفت الديناصورات على سبيل المثال، سنحاول تلافى العوامل التي أدت إلى اندثارها وبالتالي نُحقق الأمان للبشرية في المستقبل.

 

ربما يعجبك أيضا